عسكرة الحلول والتوزيع العادل للمسؤوليات

2022.04.03 | 05:54 دمشق

ass.jpg
+A
حجم الخط
-A

أثار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مسألة عسكرة الحلول، في سياق حديثه أمام "منتدى الدوحة" عن الحرب الروسية على أوكرانيا، وحضرت في خطابه معاناة شعوب فلسطين وسوريا وأفغانستان، التي دفعت أثمانا باهظة لسياسة عسكرة الحلول، وازدواجية المعايير وتقاعس المجتمع الدولي عن النهوض بمسؤولياته على النحو الجاري في أوكرانيا.

وعلى اختلاف الظروف وأسباب المعاناة، فإن سياسة القوة هي القاسم المشترك، إذ يخضع الشعب الفلسطيني لاحتلال استيطاني هو الوحيد الباقي من مرحلة تصفية الاستعمار في العالم، وتقدّم إسرائيل المثال النموذجي لدولة أبارتهايد وفصل عنصري تستخدم السلاح لقمع النضال الفلسطيني للحرية، بعد أن تراجعت عن مبادرة السلام وما نص عليه اتفاق أوسلو الذي رعته الولايات المتحدة. أما في سوريا فإن جذر المشكلة يكمن في لجوء النظام إلى السلاح، في وقت كان فيه المتظاهرون يهتفون سلمية، ورغم الرصاص استمر الشعب في الثورة، وكاد النظام أن يسقط لولا تدخل روسيا عسكريا في سبتمبر/أيلول 2015، وعلى مدى سنوات ارتكبت جرائم حرب كثيرة منها تدمير المرافق الصحية في شمال غربي سوريا، خلال حرب عامي 2019 و2020، وسجلت الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية مستقلة مثل صحيفة "نيويورك تايمز" قيام الطائرات الحربية الروسية بقصف المستشفيات عن سابق تصميم، بعد أن زودت الأمم المتحدة موسكو بالإحداثيات كي تتجنب قصفها، ولكن القوات الروسية فعلت العكس.

أدى التدخل الروسي لإسناد النظام في سوريا إلى تدمير الجزء الأكبر من هذا البلد وتهجير أكثر من نصف شعبه

سياسة عسكرة الحلول مارستها الولايات المتحدة في العراق، وروسيا في سوريا، وإسرائيل في فلسطين، وإيران في سوريا، والسعودية والإمارات في اليمن، وأدت إلى كوارث كبيرة، وكان من نتائجها تخريب العراق، حين طبقها الأميركيون في هذا البلد عام 2003، وقاموا بإسقاط نظام الرئيس صدام حسين وحل الجيش العراقي، وكان هذا السلوك الاستعماري سببا في إشاعة الفوضى في المنطقة، قادت إلى نشوء موجة من الإرهاب شرقا وغربا، وأدى التدخل الروسي لإسناد النظام في سوريا إلى تدمير الجزء الأكبر من هذا البلد وتهجير أكثر من نصف شعبه.

كما أن عدم محاسبة إسرائيل ترك لها المجال مفتوحا كي تتصرف كما تشاء، ولذلك تراجعت عن كل الاتفاقات واستمرت بتوسيع الاستيطان المدعوم بالقوة العسكرية، وتواصل حصار قطاع غزة برا وبحرا وجوا ومنع سكانه من ممارسة الحياة الطبيعية، وبين وقت وآخر تشن حملة لتدمير جزء من البنى التحتية الهشة.

وبدوره لم ينته الحل العسكري السعودي الإماراتي إلى وضع حد لعدوان الميليشيات الحوثية، التي تخوض حربا إيرانية بالوكالة ضد السعودية والإمارات، بل ساهم في تدمير وتقسيم وإفقار اليمن.

ليس هناك إرادة دولية من أجل مساندة الشعوب التي تدفع الثمن غاليا كما هو حاصل في أوكرانيا، حيث تتبع روسيا سياسة الأرض المحروقة، ويصعب من الناحية العملية وضع آلية دولية للمحاسبة تمنع اللجوء إلى الخيار العسكري في تسوية الأزمات، وفي الحرب الأميركية على العراق عام 2003 رفض مجلس الأمن الدولي أن يمنح واشنطن تفويضا لشن الحرب، ومع ذلك ذهبت للحرب ودمرت البلد وتركته لقمة سائغة لإيران، وكذلك الأمر أفشلت موسكو على مدار أكثر من عشر سنوات كل المحاولات في مجلس الأمن لإدانة النظام السوري وإمكانية الضغط عليه من أجل حل ديموقراطي يوقف النزيف والدمار.

يبدو أن المقاومة هي اللغة التي يمكن أن يفهمها الطرف المعتدي، وهذا ينطبق على الوضعين في فلسطين وسوريا

وأمام انسداد الآفاق، وفي مواجهة عسكرة الحلول، يبدو أن المقاومة هي اللغة التي يمكن أن يفهمها الطرف المعتدي، وهذا ينطبق على الوضعين في فلسطين وسوريا، وليس المطلوب بطبيعة الحال شن حروب، ولكن دعم حق الدفاع عن النفس، في حال فشلت مساعي استخدام الضغط ومساندة الشعوب لتقرير مصيرها، أمر مطلوب، فلا الشعب الفلسطيني ولا السوري يقل عن الشعب الأوكراني إيمانا بحق تقرير المصير، والقضيتان الفلسطينية والسورية على نفس السوية من العدالة.