مستقبل غزة هو مستقبل المنطقة

2023.11.18 | 06:46 دمشق

مستقبل غزة هو مستقبل المنطقة
+A
حجم الخط
-A

اشتعلت التحليلات السياسية في أروقة الدبلوماسية العالمية، غداة اشتعال الحرب اللامنطقية بين حماس وحكومة نتنياهو، والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين، فمن يحاكم من، ومن يقرر عن من، بكل تأكيد فإن أزمة قطاع غزة المشتعلة منذ عقود إبان استلام حركة حماس السلطة في انقلاب قادته في 2007، وحتى اليوم، تشكل رأس جبل الجليد للقضية الفلسطينية برمتها، قضية الشعب الذي يعاني من ظلم وويلات احتلال دام لعقود طويلة، وبكل تأكيد فإن القضية الفلسطينية تشكل بدورها رأس جبل الجليد لأزمات الشرق الأوسط برمتها، فدول الجوار جميعاً، دول الطوق الأول والطوق الثاني، بالإضافة إلى كل القوى الإقليمية والدولية التي تشارك في إدارة الأزمة، والتي شكلت نسقاً دولياً أفضى إلى الواقع الذي تعيشه شعوب المنطقة ومن ضمنها الشعب الفلسطيني، تدرك أن جميع حلول المنطقة تبدأ وتنتهي بحل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، المسألة السورية، والاستعصاء العراقي، الأزمة اللبنانية، والتعنت الإيراني، الركود الاقتصادي في دول الاعتدال، ومشاريع التنمية الرؤيوية لدول الخليج، جميعها لا يمكن أن تمر أو تجد لنفسها مخرجاً دون وجود حل للقضية الفلسطينية.

زعماء العالم، لم يوافقوا على منهج إسرائيل الدموي في القضاء على حركة حماس، بتلك الطريقة الهمجية، ولكن زعماء أوروبا وأميركا وتحت ضغط من اللوبيات انحازوا بشكل غير مسبوق للموقف الإسرائيلي في الأسابيع الأولى، لكن لم يعد في وسعهم الاستمرار في التغطية على حجم الدمار والدم الذي تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين، فاليسار الأميركي يضغط بشدة في كواليس الحزب الجمهوري على الرئيس بايدن، وأحزاب المعارضة الأوروبية تستغل القضية لتربط بين موقف الحكومات من حرب أوكرانيا والتورط في حرب غزة، وبالتالي تسعى لإسقاط الحكومات في حال استمرت الحرب، الأمم المتحدة والمنطقة العربية تشعران بالخذلان من شدة العنف الذي استخدمته إسرائيل والذي بات يهدد الاستقرار في عموم المنطقة، دون الحاجة إلى ذكر أن الحرب إن استمرت على ما هي عليه فإن احتمالية توسعها واردة، ودخول أطراف إقليمية حسب مبدأ "وحدة الساحات" الذي سقط سقوطاً مدوياً وجارحاً لما يعرف بـ "محور المقاومة" حتى الآن. مايزال مطروحاً بعيداً عن المحور آنف الذكر، فهناك محاولات حثيثة لتوريط الجيش المصري أو الأردني مثلاً في تلك الحرب.

يتحدث العرب عن مبدأ الدولتين، ويؤيدهم في ذلك بشدة الأوروبيون، والأمم المتحدة، وفرقة كبيرة من العالم. ولكن نتنياهو الذي يقود فريقاً من اليمين المتطرف في حكومته، يرفض هذا المبدأ بشدة، ويحاول أن يناور بشتى الطرق من أجل إيجاد حل لن يسعفه الوقت لإنجازه

الدبلوماسية بدأت بالعمل منذ اللحظة الأولى للحرب، فليس هناك مبدأ بإمكانه تحريك عملية السلام المتوقفة منذ عقود، سوى الحرب ذاتها. هذا ما يدركه كبار الدبلوماسية في العالم، وعليه فقد انطلقت التداولات حول ما بعد الحرب على غزة، وكيف يمكن للمنطقة أن تعيش بسلام دون حرب، ودون إغفال لحقوق الشعب الفلسطيني المضطهد والمحروم من أبسط مقومات الحياة.

يتحدث العرب عن مبدأ الدولتين، ويؤيدهم في ذلك بشدة الأوروبيون، والأمم المتحدة، وفرقة كبيرة من العالم. ولكن نتنياهو الذي يقود فريقاً من اليمين المتطرف في حكومته، يرفض هذا المبدأ بشدة، ويحاول أن يناور بشتى الطرق من أجل إيجاد حل لن يسعفه الوقت لإنجازه، فهو يعلم أن نهايته السياسية قد حانت، وأن ما يفعله اليوم سيكون هو السطر الأخير في كتابه السياسي وحياته العملية، فعشرات المحاكمات والتحقيقات بانتظاره حال توقف الحرب، ولن يمكنه هو أو أي وزير متطرف في الحكومة أن يفرض ترحيلاً شاملاً للشعب الفلسطيني من أرضه، وهنا يأتي دور الجيل الجديد في الشعب الإسرائيلي على الأرض المحتلة، وهل بإمكانهم إيصال حكومة منفتحة تجاه القضية الفلسطينية، ستوقع على مبدأ حل الدولتين؟

تتحدث التسريبات الأخرى عن حلول مختلفة تتمثل بدخول قوات فصل عربية، أو قوات فصل دولية لإدارة القطاع بعد "سقوط حركة حماس" إن حصل، ألمانيا مثلاً اقترحت إدارة دولية للقطاع، الأمم المتحدة افترضت إرسال قوات مماثلة لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان، أحزاب اليسار الإسرائيلي تحدثت عن فرض سيطرة مصرية على القطاع، وكل هذه السيناريوهات قد خرج مسؤولون كبار من الدول العربية ونفوها، بل ورفضوها إن وجدت.

يدرك بايدن بأن السنة الأخيرة لحكمه قد تمنحه فرصة تاريخية لإحقاق السلام في الشرق الأوسط، مرة وإلى الأبد، هذا الحلم الذي راود كل رئيس أميركي منذ أكثر من سبعة عقود، ولم يقدر أي منهم على إنجازه

أما نتنياهو فقد تحدث عن سيطرة أمنية إسرائيلية على القطاع، بما يشبه واقع الحال في الضفة الغربية،  ولكنه تجاهل دور السلطة الوطنية الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبدورها فإن الأخيرة رفضت أي حل لا تكون مضطلعة فيه على إدارة شؤون غزة، لذلك يدرك الجميع وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية بأن فرصة السلام فيما بعد الحرب، لن تتكرر، ويدرك بايدن بأن السنة الأخيرة لحكمه قد تمنحه فرصة تاريخية لإحقاق السلام في الشرق الأوسط، مرة وإلى الأبد، هذا الحلم الذي راود كل رئيس أميركي منذ أكثر من سبعة عقود، ولم يقدر أي منهم على إنجازه.

حينما انسحب أحد أكبر الجنرالات الإسرائيليين من قطاع غزة وفق ما عرف حينها بـ "خطة فك الارتباط الأحادية" لم تحقق عملية "أيام الغضب" أياً من أهدافها، بل تكللت بالانسحاب الذي سيخرج 8500 مستوطن من قطاع غزة، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة القطاع عنوانها حروب متتالية كل بضعة سنوات، وعلى عكس ما أراد شارون، لم يفض انسحابه إلى عزل غزة ومشاكل غزة عن المجتمع الإسرائيلي، بل على العكس، فقد نمت مقاومة مختلفة في القطاع استفادت من دروس الأمس وأدخلت مناهج مختلفة في تفادي الاختراق الإسرائيلي، بمعنى أن الإسرائيلي قد استخدم كل أساليب المناورة التي تمنحه القدرة على تفادي خيار السلام العادل، من حروب إلى انسحابات ومجازر وعمليات سلام مجهضة، وتنصل من الاتفاقيات، لكنه في النهاية سيواجه نتائج أفعاله وسيواجه حائطاً مسدوداً لن ينفرج إلا بعملية سلام شاملة تعيد للفلسطينين حقوقهم وتعلن فيها دولتهم المنشودة.

تبقى الأيام حبلى بالتحولات الميدانية، ويبقى الخيار العسكري المفتوح، قابلاً لأي انقلاب، ولكن الدبلوماسية تراقب، وتتبع مسار الأمور، ضمن مؤشرات انكفاء ما يسمى بـ "حلف المقاومة " الإيراني عن تطبيق مبدأ وحدة الساحات والذي اعتبرته الولايات المتحدة مؤشراً جيداً، وبين رغبة دول الاعتدال العربية في إيجاد حل نهائي لأزماتها وأزمات المنطقة العربية.