كيف غيرت غزة وجه الشرق الأوسط؟

2024.04.13 | 07:35 دمشق

6566545654546
+A
حجم الخط
-A

ليس من باب المصادفة أن تكون القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وبالطبع هي جوهر أية تسوية مقبلة، بحيث لا يمكن لأي فريق يطمح في إعادة تشكيل الشرق الأوسط أن يتجاوز القضية الفلسطينية وتوابعها وارتباطاتها وخصوصيتها لدى الجمهور العربي.

بعد انفجار المعارك في غزة غداة السابع من أكتوبر باتت كل معادلات واتفاقات ضبط النفس وقواعد الاشتباك الماضي القريب والبعيد التي أبرمت بين الفرقاء بحكم اللاغية.

فالمبادرة العربية التي أطلقت في قمة بيروت 2002، كانت محاولة لفتح صفحة جديدة في الشرق الأوسط عمادها شرط أساسي هو قيام الدولة الفلسطينية الجديدة المستقلة، واحتلال العراق وأفغانستان بعد ضربات الحادي عشر من أيلول كانت محاولة أميركية لخلق شرق أوسط جديد عبر ما صرحت عنه كوندوليزا رايس من نظرية "الفوضى الخلاقة" التي كان هدفها الأعلى هو إعادة تشكيل المنطقة من جديد، وتغول ما يسمى بحلف المقاومة في الشرق الأوسط غداة اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من انسحاب الجيش السوري من لبنان وحروب لبنان و"غزوة 7 أيار" وحروب غزة المتتالية، كذلك كانت محاولة من إيران لخلق شرق أوسط يشبهها، وثورات الربيع العربي 2011 هي محاولة من الشعوب للانقلاب على أنظمة ما بعد الكولونيالية.

التقسيم الذي افتعلته الحكومات الاستعمارية كان مجحفاً على أكثر من صعيد، أهمها الدور الجيوسياسي للدول وتوازناتها وأدوارها الإقليمية والدولية.

وكل تلك المحاولات باءت بالفشل حتى الآن. ولكن لم ترد كل دول المنطقة والقوى العظمى إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد؟

تكمن الإجابة ببساطة بسبب الأخطاء الكارثية التي سببتها اتفاقية "سايكس بيكو سازونوف"، وهم وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا، ومحاولتهم ملء الفراغ في المنطقة الجغرافية التي كانت محكومة من سلطات الدولة العثمانية لمدة تزيد عن أربعمئة عام. دون أن تعرف أي شكل لحكومات وطنية أو حكومات ذات تقاليد خاصة بالحكم. كانت المنطقة طوال تلك الفترة تعيش دور الأطراف في ظل دولة مترامية الأطراف لا أدوار سياسية لها سوى ما يراه السلطان أو الصدر الأعظم.

ولكن التقسيم الذي افتعلته الحكومات الاستعمارية كان مجحفاً على أكثر من صعيد، أهمها الدور الجيوسياسي للدول وتوازناتها وأدوارها الإقليمية والدولية، التي أظهرت أن الفشل الطويل في تنمية هذه البلدان أدى إلى تحولها إلى بيضة القبان بين المعسكرات الدولية، تتنازعها رغبة منها في السيطرة على مصادر الطاقة والممرات التجارية الدولية والثروات المهمة للعالم.

وهذا دور لا يمكن الاستهانة به بالنسبة للدول الكبرى، عدا عن أزمات التنمية البشرية التي أدت إلى تشكل أزمة مهاجرين تهدد العالم برمته. فأي فشل في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيؤدي إلى تدفق اللاجئين نحو الغرب تحديداً وليس تجاه روسيا أو الصين أو الهند.

لذلك التقطت الأطراف جميعاً هذه الأزمة ورفضت أن تترك الأمر للأميركي كي يتصرف بإعادة تشكيل المنطقة حسب مصالحه ومصالح حليفه الأساسي إسرائيل. الذي باتت مصلحته هي أولوية لدى الأميركي وعليها ينسج الرؤساء الأميركيون سياستهم الأولى تجاه المنطقة، وبناء على الموقف من إسرائيل بنت الدول مواقفها السياسية وارتباطاتها ورهنت مستقبل شعوبها.

إسرائيل بكل تأكيد قد خسرت المعركة الإعلامية والإنسانية بشكل تام في العالم.

وهكذا استطالت الأزمة في فلسطين المحتلة وصولاً إلى ضغط كبير أدى إلى انفجار السابع من أكتوبر، والمجازر التي أتت بعدها وانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم بحق الإنسانية التي ارتكبت هناك كما وصفتها تقارير الأمم المتحدة التي تابعت المعارك بين الطرفين وفندت الأزمة هناك. ولكن ارتباط القضية الفلسطينية كان ولا يزال أساسياً ومن غير الممكن أن تحدث في الشرق الأوسط أية أزمة دون أن تعكس ارتباطاتها أزمات في عموم الشرق الأوسط.

وهذا ما كان فعلى رغم أن جيش الاحتلال قد أعاد احتلال أجزاء واسعة من قطاع غزة ودمر بنيتها التحتية والحضرية بنسبة تقارب 70% حسب الأمم المتحدة، بحيث تتبدى هزيمة حركة حماس واردة، إلا أن إسرائيل بكل تأكيد قد خسرت المعركة الإعلامية والإنسانية بشكل تام في العالم، حيث انقلب الرأي العام العالمي في سابقة غريبة ضد انتهاكات الاحتلال وصرنا نشاهد ساسة وحكاماً يطالبون بفرض عقوبات عليها من جراء ما تفعله حتى اليوم في القطاع المحتل.

وبناء عليه فإن رئيس الحكومة الاسرائيلية وحكومته اليمينية المتطرفة أدركوا هذه الخسارة الاستراتيجية التي أفقدت المظلومية اليهودية أية قيمة بعد ما جرى. ومع الأخذ بعين الاعتبار سن بنيامين نتنياهو الذي تجاوز السبعين من عمره ومواجهته لعشرات قضايا الفساد والمسؤولية تجاه الرهائن من مستوطنات غلاف غزة. وإدراكه بأن حياته السياسية في نهاياتها وبأنه يكتب الأسطر الأخيرة من تجربته السياسية التي استمرت أكثر من عشرين عاماً كرئيس حكومة، قد أدرك بأن توسيع نطاق الحرب وحسمها تجاه ما يسمى بحلف المقاومة سيكون أفضل نهاية لما يجري من وجهة نظر صهيونية.

إن تداعيات حرب غزة تزعزع استقرار الشرق الأوسط وها هي دول مثل الأردن ومصر وأوروبا تعاني من أزمات قطع طرق التجارة وارتفاع أسعار السلع.

لذلك فإن تصريحات الكابينيت الإسرائيلي تعلنها صراحة بأنها لن تسمح بأن تتكرر حادثة السابع من أكتوبر مرة أخرى من الشمال أو من الجنوب، لذلك فإن تهديدهم بالحرب على لبنان قائم وجدي واستفزازهم المستمر لطهران لجرها إلى حرب ستورط أميركا معها هو هدف لهذه الحكومة.

ورغم حذر الإيراني الشديد وتحمله عشرات الضربات ضد قواته وقوات ميليشياته التي تحتل سوريا، فإن رغبة نتنياهو في كسر الجمود المستمر مع ما يسمى بـ "حلف المقاومة" جدي وحقيقي، وما التسريبات التي تطول مفاوضات جارية بين إسرائيل وحزب الله حول تطبيق القرار 1559 وانسحاب قوات حزب الله إلى خط الليطاني وتسليم أسلحته إلى الجيش اللبناني، إلا مبادرة أولية ومحاولات لدول المنطقة لتجنيب لبنان الانخراط في حرب نتنياهو المدمرة، والتي يعلن استمراريتها لتشمل سوريا والميليشيات التي فيها وحتى سياسات النظام السوري ووجوده ربما.

إن تداعيات حرب غزة تزعزع استقرار الشرق الأوسط وها هي دول مثل الأردن ومصر وأوروبا تعاني من أزمات قطع طرق التجارة وارتفاع أسعار السلع.

وبوادر إعادة إحياء المبادرة العربية من جديد طلباً لتحقيق دولة فلسطينية مستقلة، قد بدأت بالظهور عبر بدء اعتراف عدد من دول العالم بالدولة الفلسطينية من طرف واحد وتعيين سفير سعودي في رام الله لهو أمر يفتح أبواب تغيير حقيقي في الشرق الأوسط ينهي عقوداً من الحروب والدمار والانتهاكات بحق دول المنطقة. فالمنطقة لم تعد تحتمل الصمت على حقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية على حد سواء.

وبالتالي فإن عملية إعادة تشكيل العلاقات والنظم والروابط في الشرق الأوسط عبر بوابة غزة قائمة على قدم وساق، وكل ما يجري من مفاوضات وسيناريوهات ترفض بعضها الدول العربية من مثل فتح الحدود أمام تهجير الشعب الفلسطيني من غزة، وأخرى حول إيجاد بدائل عن قبول الدولة الفلسطينية الوليدة في الشرق الأوسط، مرفوضة بكل حزم.

إن إعادة القوات الإيرانية إلى حدود دولتها ووقف تدخلاتها عبر الحدود والسيطرة على دول المنطقة هو جزء من إعادة تشكيل المنطقة، وتطبيق كل القرارات الأممية المتعلقة بسوريا 2254 ولبنان 1559 مرتبط بشكل أساسي بمصير الدولة الفلسطينية ومصير الشعب في غزة.