زيارات أميركية إلى الشرق الأوسط

2024.03.13 | 06:36 دمشق

زيارات أميركية إلى الشرق الأوسط
+A
حجم الخط
-A

في الفترة ما بين 26 شباط وحتى الثاني من آذار، زار قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا الشمال السوري، في زيارة تفقدية هي السابعة له منذ تسلم منصبه، وفي هذه الزيارة التي نالت قدراً من الاستنكار من وكالة أنباء النظام السوري سانا، وترحيباً من الإدارة الذاتية في الحسكة، تجول الجنرال في موقع البرج 22 حيث تعرض ثلاثة جنود أميركيين للقتل بقصف نفذته ميليشيات إيرانية عاملة في العراق وسوريا، وبعدها انتقل إلى قاعدة التنف، ليجري اجتماعات مع القادة فيها، ثم انتقل إلى المطار المؤقت في رميلان وتفقد المنطقة الخضراء في الحسكة، والتقى فيها بقيادات قسد، وبعوائل النازحين السوريين في شمال شرقي البلاد.

يتحدث كوريلا في مؤتمر صحفي عن ضرورة تعزيز الوجود الأميركي في شمال شرقي البلاد، وعن ضرورة توحيد الصفوف للقضاء على بقايا تنظيم داعش، بالتعاون مع القوى المحلية من أكراد وعشائر عربية.

لا تخلو العمليات في المنطقة الشرقية من سوريا من تأثيرات الحرب المدمرة على قطاع غزة والتي وضعت المنطقة على برميل بارود حقيقي

في مقلب آخر تحدث كوريلا عن ضرورة تعزيز أمن القوات الأميركية هناك، في مواجهة "الإرهاب" الذي وصفه بالخطير من قبل الميليشيات المنتشرة هناك. فيما تحدث المراقبون عن استعداد أميركي لمواجهة الميليشيات المنتشرة في بادية الرمادي وصولاً إلى بادية الشام والساحل السوري. فقد أدركت الإدارة الأميركية أن هذه الميليشيات تستعد إلى حرب عصابات طويلة الأمد ضد المصالح الأميركية وقوات قسد، لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وقد تجلت ذروة هذه الهجمات بعد الهجوم على البرج 22 في منطقة الركبان على الحدود السورية الأردنية، ومن الواجب الاستعداد لمواجهة هذه التنظيمات بقوة وحسم، متوعدة بالرد على مقتل جنودها الثلاثة هناك.

من دون شك لا تخلو العمليات في المنطقة الشرقية من سوريا من تأثيرات الحرب المدمرة على قطاع غزة والتي وضعت المنطقة على برميل بارود حقيقي، حيث لا يود أي طرف في اندلاع حرب إقليمية في المنطقة تنسف كل الاستقرار الهش بين جميع الأطراف.

في السياق ذاته انتهت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى العاصمة بيروت محملاً بالمزيد من الرسائل إلى الحكومة اللبنانية، تتعلق بتنفيذ القرار 1701، الذي يتضمن انسحاب النشاط العسكري لقوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وهو الأمر الذي يناور في تنفيذه حزب الله على إيقاع ضربات جوية مستمرة منذ خمسة أشهر على جانبي الحدود أدت إلى مقتل العشرات من قادة الحزب وقادة الحرس الثوري الإيراني، حيث تحدث هوكشتاين بلهجة لا تخلو من الحزم بأن أية حرب مقبلة بين إسرائيل ولبنان ستكون غير محدودة ولا يمكن أبداً احتواؤها، بالمقابل تسعى الحكومة اللبنانية إلى إيجاد نقاط ثابتة لفتح الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية حول أساليب التهدئة التي لا يبدو أن الحزب يرفضها، لكنه يناور في تنفيذ القرار الأممي فقط، حيث جاءت زيارة هوكشتاين تحت بند رئيس وهو ترسيم الحدود البرية، التي سبق أن نجح في إنجاز صفقة تاريخية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل قبل أعوام بإشراف الرئيس ميشيل عون، وهو ما يعني في شكل من الأشكال اعترافا ضمنيا بين الطرفين يضفي شرعية على الكيان الإسرائيلي من قبل حزب الله، وعلى نفوذ حزب الله من قبل إسرائيل، إذاً إسرائيل لا تمانع من ترك حزب الله بالاستمرار في حكم لبنان شريطة التخلي عن أسلحته، الموجهة إليها، وهو أمر بالتأكيد يسعى إليه الحزب ومن خلفه إيران، ولكن التصعيد الدموي في قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي هو ما يمنع الحزب من الاستمرار في عقد صفقات مع الجانب الأميركي أو الأممي.

كل تلك التحركات تبدو تسخيناً بسيطاً واستعداداً من قبل جميع الأطراف في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية في نهاية السنة، التي ستعلن عن حاكم البيت الأبيض وسياساته التي ستنعكس على مجمل ملفات العالم والشرق الأوسط

يبدو الاهتمام الأميركي كبيراً بالمنطقة على عكس التصريحات الإيرانية التي تتحدث عن انسحاب وشيك من قبل الأميركان من منطقة الشرق الأوسط، ويمكننا تبيان شكل الاهتمام من خلال نوعية المبعوث المرسل إلى المنطقة، حيث ترسل واشنطن مبعوثاً عسكرياً لمنطقة شمال شرقي الفرات، وسياسياً إلى لبنان، مما يشير إلى رغبتها في تهدئة التصعيد في لبنان عبر الضغط وصولاً إلى ترسيم حدود، وانسحاب إلى شمال الليطاني. وإلى احتمالية تصعيد عسكري في المنطقة الشرقية في سوريا، مع تعنت الميليشيات هناك واستمرارها في استهداف قوات التحالف المناوء لداعش هناك.

كل تلك التحركات تبدو تسخيناً بسيطاً واستعداداً من قبل جميع الأطراف في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية في نهاية السنة، التي ستعلن عن حاكم البيت الأبيض وسياساته التي ستنعكس على مجمل ملفات العالم والشرق الأوسط، من أوكرانيا إلى سوريا وغزة والعراق ولبنان واليمن.

حيث يبدو هذا الحراك جزءاً بسيطاً من سياق دولي يحاول إعادة تشكيل الشرق الأوسط الذي لا يزال في طور التشكل والتحول ما قبل 2011، حيث تسهم الأطراف الإقليمية لأول مرة في تشكيل هذه المنطقة، التي كانت سابقاً تحت السيطرة الأميركية المطلقة، واليوم بدت عدة أطراف تتجاذب المصالح فيها، بحيث لا يمكن معرفة الصورة النهائية لهذه المنطقة قبل عقود على الأقل.