icon
التغطية الحية

مخطط مدروس لتفكيك الجبهة الوطنية في إدلب.. هدف بعيد للجولاني

2022.08.21 | 07:15 دمشق

معسكر لهيئة تحرير الشام (وسائل إعلام الهيئة)
معسكر لهيئة تحرير الشام (وسائل إعلام الهيئة)
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

نجحت السياسة التي انتهجتها "هيئة تحرير الشام"، تجاه حركة "أحرار الشام"، بخلق مسار تعاون وثيق بين الجانبين، يصل إلى حد الاندماج غير المعلن، ويبدو أن الفكرة حظيت بإعجاب زعيم الهيئة "أبو محمد الجولاني"، ودفعته لمحاولة تطبيقها مع بقية فصائل الجبهة الوطنية للتحرير في محافظة إدلب شمالي سوريا، ليحقق بذلك جملة من المكاسب، في مقدمتها ترسيخ نفسه كقائد أوحد للمنطقة، وتفتيت قوة الجبهة الوطنية بشكل جزئي، بالتالي إضعاف أي تكتل أو مشروع يمكن أن يُعتمد عليه دولياً بدلاً من الهيئة.

وتتبع "تحرير الشام" منذ أشهر خطة مدروسة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من عناصر الجبهة الوطنية للتحرير، مستغلة ضعف رواتبهم، وشح الموارد المالية، ثم تطورت الآلية للتواصل مع فصائل معينة في الجبهة، وتقديم عروض لها، مشابهة لتلك التي طُبقت مع أحرار الشام، والتي نتج عنها تقديم الدعم المادي، وزيادة التنسيق العسكري، وإقامة معسكرات وتدريبات مشتركة.

استمالة عناصر الجبهة الوطنية

تريد هيئة تحرير الشام إضعاف أي مشروع موازٍ لها، يمكن أن يشكل خطراً عليها في المستقبل، لكنها في الوقت نفسه، تستبعد خيار القضاء على الجبهة الوطنية بالكليّة عبر الطرق التقليدية السابقة المتمثلة بالعمليات العسكرية، ومن الأدوات المتبعة لدى الهيئة حالياً لإحداث شرخ بين فصائل الجبهة الوطنية، الترغيب بالمال لكسب الولاء، وفتح الباب أمام مختلف العناصر للانضمام إليها طمعاً بالدعم المادي بالدرجة الأولى، مقارنة بما يحصل عليه المقاتل من فصيله السابق.

وكشف موقع تلفزيون سوريا في تقرير انتشر أواخر العام الماضي، أن هيئة تحرير الشام أوكلت مهمة استقطاب العناصر، سواء العاملون في الجبهة الوطنية، أو الشبان المستقلون لـ "إدارة التجنيد العسكري" التابعة لها، وذلك عبر فتح فروع لها في مختلف المناطق بإدلب وأريافها، وتخصيص أرقام للتواصل مع كل فرع بشكل منفصل، من أجل تسهيل عملية الانضمام، والرد على الاستفسارات المطروحة من قبل الشبان.

إقرأ أيضاً: "إدارة التجنيد العسكري" وسيلة هيئة تحرير الشام لإضعاف الجبهة الوطنية للتحرير

وحول المستجدات بهذا الخصوص، تؤكد مصادر متطابقة لموقع تلفزيون سوريا، أن عمليات خروج العناصر من الجبهة الوطنية للتحرير نحو هيئة تحرير الشام مستمرة منذ أشهر، وتشمل فيلق الشام، وجيش النصر، وصقور الشام بدرجة أقل، وجيش الأحرار، وفصائل أخرى.

وتشير المعلومات إلى أن عدد العناصر المنفصلين عن فيلق الشام فاق الألف شخص، في حين يقول مصدر رسمي في الفيلق، إن العدد مبالغ فيه جداً، مضيفاً أن 180 شخصاً خرجوا من الفصيل نحو الهيئة خلال الـ 3 أشهر الماضية، ومن مناطق متفرقة.

ويحصل المقاتل المنضم حديثاً إلى الهيئة، على مبلغ يتراوح بين 1000 و1300 ليرة تركية، ومن الممكن أن يرتفع إلى 100 - 150 دولاراً، فضلاً عن تزويد العنصر بـ "سلة إغاثية" شهرية، ومنح امتيازات مادية للقادة العسكريين.

جيش النصر على مسار أحرار الشام؟

علم موقع تلفزيون سوريا، أن هيئة تحرير الشام تقدمت بعروض لعدة فصائل في الجبهة الوطنية، ينتج عنها تعاون أشبه بـ "الابتلاع" والتوحد غير المعلن، مقابل الدعم المالي، كما حصل مع أحرار الشام.

وكان جيش النصر من الفصائل التي تجاوبت مع المقترح، رغم ما له من عواقب ربما تنهي الفصيل بالكامل في المستقبل، ويقول مصدر في الجيش، إن المعسكرات التي تفرضها الهيئة على العناصر صعبة جداً، ويتم فصل العشرات من الأيام الأولى للمعسكر، بسبب طلبها نماذج معينة من المقاتلين، وعند رفع 200 اسم للمعسكر، يتم قبول 100 أو 110 أفراد فقط.

 

 

وأكد المصدر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن العنصر الذي لا يُقبل في المعسكر يتم فصله من جيش النصر، وبذلك يضطر إلى مراجعة شعب التجنيد التابعة للهيئة، والانضمام بشكل فردي وبشروط غير معقدة، مضيفاً أن معظم الضباط في جيش النصر أعربوا عن رفضهم للأمر، لكنهم اضطروا للانصياع من أجل تلقي الرواتب مستقبلاً.

وتحاول الهيئة استغلال الموقف، لتصفية الحسابات مع بعض العناصر الذين شاركوا في قتالها سابقاً، وتحدث أحد القادة لموقع تلفزيون سوريا عن تجربته، قائلاً: "لم أتلق عرضاً بالانضمام إلى الهيئة، ولم يُدرج اسمي، لأنني شاركت في قتالها سابقاً".

وأضاف: "عدد أفراد جيش النصر يبلغ 2400 عنصر، لكن لم يتم قبول سوى لواء واحد عدده 700 شخص، والبقية لديهم عدة خيارات، منها الانضمام إلى الهيئة دون آلية الدخول ضمن جيش النصر، وذلك عبر مراجعة شعب التجنيد، أو الخروج نحو ريف حلب الشمالي للانضمام إلى الجيش الوطني، وهؤلاء لم يعد لهم الحق بتسلّم رواتب من فصيلهم"، بحسب المصدر.

ومن العوامل الذي تدفع بعض فصائل الجبهة الوطنية لقبول عروض الهيئة، شح الموارد المالية بشكل كبير، والاعتماد على الكتل المالية المقدمة من تركيا، القليلة بالأصل، عكس فصائل في الجيش الوطني، تعتمد على المعابر الحدودية أو ممرات التهريب مع مناطق سيطرة النظام وقسد، لتوفير عائد مادي إضافي.

 

قيادي: هناك مراوغة وعدم اعتراف

ذكر قيادي في الجبهة الوطنية - رفض الكشف عن اسمه - أن الفصائل التي تتعاون مع هيئة تحرير الشام، ترفض الاعتراف بذلك، وتقول إنه مجرد تنسيق عسكري، وتعاون تحت مظلة المجلس العسكري.

وقال القيادي لموقع تلفزيون سوريا: "سمعنا كثيراً عن خروج عناصر من الجبهة الوطنية، وتنسيق فصائل مثل أحرار الشام وجيش النصر مع الهيئة، لكن عندما نجلس بشكل مباشر مع قادة هذه الفصائل، يقولون إنه لا يوجد أي اندماج سري مع الهيئة، إنما تنسيق وتبادل للخبرات في مجال التدريبات وزيادة فاعلية المقاتلين".

ويعتقد القيادي، أنه من الصعب جداً معرفة الحقيقة بشكل كامل، أو معرفة عدد المنفصلين عن فصائل الجبهة الوطنية بشكل دقيق، خاصة أنه لا يوجد اعتراف مباشر من طرف أحرار الشام وجيش النصر بالانصهار ضمن الهيئة".

وألمح إلى التنسيق الكبير مع تحرير الشام، إذ قال: "نحن نعرف الإمكانات المادية لفصائل الجبهة الوطنية، وعندما نرى الزيادة في قيمة المنحة المقدمة للمقاتل سواء في أحرار الشام أو جيش النصر، من حقنا أن نسأل، من أين؟ وهل هناك مقابل يتم تقديمه للهيئة للحصول على المال؟".

هدف بعيد للجولاني

جرى الحديث في الفترة الماضية عن توجه تركي لحل هيئة تحرير الشام ودمجها مع الجبهة الوطنية للتحرير، بهدف التخلص من الضغوط الروسية الإيرانية والابتزازات المتكررة الصادرة عن الدولتين بحجة وجود الهيئة، وهو ما دفع الجولاني لاستمالة واستقطاب عناصر الجبهة الوطنية لصالحه، والالتفاف على الضغوط التركية، وبقاء الهيئة المتحكم الأول بإدلب من دون منازع.

وذكر الباحث في مركز "مشارق ومغارب" عباس شريفة، أن دخول هيئة تحرير الشام قبل أسابيع إلى بعض المناطق في عفرين بريف حلب، كشف عن أهداف توسعية للهيئة، مع وجود عدة تحديات بالمقابل، منها الممانعة التركية، ورفض المجتمع المحلي شمالي حلب لهذا التمدد.

ولذلك، تسعى الهيئة للتوحد مع فصائل غير مصنفة، لتكون الذراع الضاربة لها في المنطقة، وبحسب "شريفة"، يبدو أن مستويات التنسيق والاندماج بين الهيئة وأحرار الشام وصل إلى مراحل متقدمة بدون إعلان، لكي تكون الحركة بمنزلة ذراع الهيئة العسكرية بريف حلب.

 

 

ويؤكد "شريفة" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن التسرّب الكبير لعناصر الجبهة الوطنية نحو الهيئة، بسبب الفروق الشاسعة في الكتل المالية، ما سيؤدي إلى توسع تحرير الشام وتقلّص الجبهة، ويوشك أن ينهيها بشكل كامل.

وفي تقرير سابق لموقع تلفزيون سوريا، رأى باحثون أن هيئة تحرير الشام تسعى لبسط سيطرتها على المناطق الحيوية والتفرد بالقرار العسكري من دون مشاركة أيّ طرف، وقد نجحت في البداية مع حركة أحرار الشام، والآن تركز على الفصائل الأخرى، كما تعمل بشكل حثيث على إحداث خرق في الفصائل السورية التي تشكل مخاطر وتهديداً عليها، حيث تعوّل على فرض سيطرتها بشكل كامل على الجبهة الوطنية ضمن صراع النفوذ المستمر.

وهذا قد لا يعني أن الهيئة لديها الرغبة في إنهاء التحالف مع الجبهة الوطنية للتحرير ضمن المجلس العسكري، بل تريد السيطرة عليه مع إبقاء هذا التحالف ولو شكلياً، فليس من مصلحة الهيئة ضمن السياسة البراغماتية التي تتبعها في الآونة الأخيرة اتباع سياسة المواجهة والعنف ذاتها، فهي تعمل على تصفير المشكلات وفي التوقيت ذاته تحصيل مكاسب وفرض النفوذ بأدواتها الناعمة.

 

 

وتسود توقعات بأن دخول الجولاني في الشراكة ضمن المجلس العسكري مع الجبهة الوطنية، كان الغرض منه فتح قنوات تواصل أكثر عمقاً مع أطراف في الجبهة، من أجل تفتيت جزئي لقوة هذا الفصيل، الذي يعد من أقوى الفصائل في المنطقة، والذي يمكن أن يكون مقابلاً لنفوذ الجولاني وطموحه في توسيع سيطرته المطلقة.

ويبدو أن الجولاني لن ينسحب من المشهد أو يترك الساحة الميدانية لغيره من الفصائل المعتدلة، بل يريد كسب معادلة القوة والهيمنة، وأن يربح تصنيف الاعتدال لهيئته، وهو بعملية الدمج الطوعية أو الإجبارية وتوسيع نطاق النفوذ يكسب نقاطاً إضافية مفترضة وفق مخططه في القبول الشعبي، ويزيد من رصيد حملته التسويقية والإعلامية.