icon
التغطية الحية

"ما بين ذاكرتين" رواية بوح عن حب وحرب في سوريا

2021.12.31 | 13:34 دمشق

khlwd_hashm-_tlfzywn_swrya.jpg
أحمد العربي
+A
حجم الخط
-A

"ما بين ذاكرتين" هو العنوان الذي اختارته الكاتبة السورية خلود هاشم لروايتها، معتمدة أسلوب الكتابة المشاعرية. لا يحكمها سياق زمني محدد، لتنمو من خلال ما يتدفق من بوح ذاتي للشخصية المحورية في الرواية "شام".

تستخدم الكاتبة أساليب مختلفة في طريقة السرد، حيث تحضر الراوية (من نشر دار الرسم بالكلمات- 2018) في البداية لتحكي واقع ما تعيشه شام، ثم سرعان ما تبدأ شام بالحديث عن نفسها وعن حبيبها ثائر، ثم يشارك الأخير في مساحته الخاصة بالرواية.

لا ضابطٌ زمانيٌ للرواية في تصاعدها، أما المكان فهو سوريا في أواخر العشرية الأولى للألفية الجديدة، ثم يمتد الحدث ليشمل الثورة السورية، ثم المأساة السورية، بعدما حول النظام وحلفاؤه والغرب الصامت سوريا إلى موطن يملؤه الموت والدمار والتشرد.

يلتقط القارئ أطراف الحكاية ومفاصل الرواية في نهر من البوح المتدفق لحبيبة تراود حبيبها عبر الكتابة، لتعلن موت حب مستحيل التحقق، ونصل مع نهايتها إلى بلورتها ومعرفة جوهرها الأساسي والرسالة التي تقوم عليها.

نحن أمام رواية تدفق مشاعر جياشة بامتياز، موغلة في البوح، تعيش زمنها الذاتي على لسان بطلتها، بحيث يصبح الزمن الحياتي العام، تفصيلاً فرعياً في الرواية، رغم كون ما حصل في سوريا من الربيع السوري والثورة، والمأساة بعد ذلك، ليس مما يمكن إغفاله أو تقليل هديره العالي.

لقد غطت الكاتبة القضية السورية، لكنها أعطت للثلث الأول حالة حب تكاد تكون خارج الزمان والمكان والخبرات الإنسانية، ومرت على المظلومية الشعبية، ومطالب الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.

توقفت الكاتبة عند تحول مطالب الناس إلى مبرر عند النظام ليقتل الشعب، ودعوته روسيا وإيران ليكونوا معه أدوات في حربه لتهجير الشعب وتدمير البلاد، مشيرة إلى مآلات السوريين في تشردهم، إما "الموت تحت القصف، أو الغرق في البحر".

ربيع الحرية

شام ابنة مدينة دمشق، التحقت بكلية الهندسة المدنية عام 2007، تعرفت صدفة على شاب يدرس في الجامعة نفسها، يسبقها في عدة أعوام. هذا التعارف سيؤدي إلى حب عميق وقوي بينهما، يعيشان علاقة الحب بتدفق نفسي وعمق وشغف. حبهما مضبوط في جانبه السلوكي، وجوع الجسد للحبيب الآخر لا يتجاوز قبلة على الخد وخلجان في القلب وتحفز بالمشاعر. يعوضان عن تلبية رغبات الجسد بعيش التواصل الدائم والبوح وتبادل الرسائل.

الكاتبة حملتنا في خضم قصتها إلى الواقع السوري الذي كان بموعد مع ربيع الحرية الذي جاء في أوائل عام 2011، والذي سرعان ما تم مواجهته بالبطش والقمع والقتل والتنكيل، ولم تمض سنوات عليه حتى أصبح مأساة على الشعب السوري كله.

استعان النظام بحلفائه وداعميه، وقرر أن يقتل كل من تحرك وثار، امتلأت السجون والمعتقلات، ودمرت أغلب المدن وتشرد أغلب أهلها داخل سوريا وخارجها.

الأحداث والتفاصيل التي جرت على الأرض السورية لم تغير من حب شام وثائر لبعضهما، بل زادت الثورة من حبهما وترابطهما، خاصة انخراط ثائر بالتظاهر وفعاليات الثورة الأخرى، مما أدى إلى اعتقاله،  حيث ذاق ويلات الاعتقال، ولأنه حريص على حياته، باع بيته وما يملك ودفعه رشوة للخروج من المعتقل.

وفي خضم الأحداث المتسارعة، حصل متغير في واقع العلاقة بين شام وثائر أثّر على العلاقة بينهما على كل المستويات. تحديداً عام 2013 في السنة الثالثة للربيع السوري، حيث أصبحت سوريا ساحة حرب يقودها النظام وحلفاؤه على الشعب السوري.

استقلت شام حافلة من دمشق إلى حلب، وفي الطريق قصفها طيران النظام بالقرب من مدينة حمص، ما تسبب بمقتل أغلب من فيها، وصل الخبر إلى ثائر أن شام قد ماتت متأثرة بالحروق والإصابة، لقد تشوهت مع غيرها، ولم يسلم منها إلا محفظتها، فُجع ثائر بما حصل، وعاش حياته منذ ذلك الوقت فاقداً حبيبته الأثيرة شام.

اختلال الذاكرة

لكن حقيقة ما حصل مع شام أنها نجت، وقد أنقذها شاب اسمه جود. شام نجت بجسدها، لكنها فقدت ذاكرتها، وعلى إثر ذلك احتضنها جود حتى شفيت من جروحها، وبعد غياب أي مؤشر لها عن ماضيها. سمّاها نور، ولأنه لا يعرف أحداً يتواصل معه بخصوصها، لم يكن أمامه إما التخلي عنها أو أن يطلبها للزواج. قبلت شام بنصيبها، ورضيت بالمحتضن والمنقذ، وفي عالم آخر بنت حياة جديدة، منقطعة بالمطلق عن الماضي.

عاش الزوجان الجديدان في حمص، التي دخلت في حرب مع النظام، أشبع المدينة خلالها بالقتل والتدمير والتهجير والحصار، ولم يمض سنة حتى أنجبت طفلتها ديمة.

الكاتبة جعلت من شخصيات روايتها شهوداً على ما جرى في حمص، حيث كان قصف طيران جيش النظام يضرب أحياءها، وكانوا أحد ضحاياه، وقال القدر قوله فنجت نور وجود وقتلت الابنة تحت الأنقاض.

نظرت نور مجدداً إلى الدمار بحثت عن ابنتها بعيون دامعة، إلا أنها لم تجدها، أعادت النظر وإذا بها تعثر على طفل آخر، ذهبت إليه وأنقذته واتخذت منه ابناً.

جود المفجوع بابنته، احتضن شقيقته التي حرمها القصف من أطرافها ولم يبق لها معيل سواه، وقرر الرحيل من وطن يأخذ منك أغلى ما تملك.

لقاء من جديد

توجه جود وأخته ونور والطفل اليتيم أحمد إلى أوروبا مثل كثير من السوريين الذين هربوا من الموت في بلادهم، ركبوا البحر عن طريق المهربين، غرق قاربهم، نجا جود ونور والطفل أحمد وبعض من كان معهم وغرقت أخت جود المعاقة وكثير ممن كان معهم. وصلوا إلى أوروبا وبدؤوا حياتهم من جديد. يعيشون كلاجئين يحصلون على الحماية والرعاية، لكنهم لم يستطيعوا نسيان ما حصل معهم وفي بلادهم وبحق الشعب السوري؛ لقد كان إحساس الفجيعة والمأساة يسيطر عليهم.

في المقابل، كان ثائر قد تزوج وأنجب، وعندما استحالت الحياة في سوريا، اجتاز البحر هو الآخر وهاجر إلى أوروبا أيضاً.

سقطت نور في منزلها وأصيب رأسها ليغمى عليها وعندما عادت إلى الوعي، رجعت لها ذاكرتها، فتذكرت كل شيء حصل معها، سفرها إلى حلب، وقصف الطائرة لهم، تذكرت اسمها شام وماضيها وحبيها ثائر، الذي عاد حبه حياً داخل نفسها بكل قوته وعنفوانه.

وهنا أدركت أن زواجها من جود وحياتها معه لا رجعة فيه، وأنها لن تخبره عن شيء من ماضيها، إلا أنها تتبعت حال ثائر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعرفت أنه تزوج، وأنها ماتت بالنسبة له، كما أشيع وقتها.

لم تنسه، ولم يضعف حبها له، لكنها محكومة بواقعها الجديد، ولاؤها المطلق لزوجها جود وابنها بالتبني أحمد، وأنها لن تنجب مرة أخرى، فقد استأصلت رحمها المصاب بالتليف. أما ثائر فقد بنى حياته على أساس غيابها.

قررت شام أن تبقى "نور" مستمرة بفقدان الذاكرة بالنسبة لزوجها؛ لا تريد أن تعكر صفو حياته معها بأي شيء. هذا الأصيل لا يستحق غير ذلك. كما جمعتها بثائر صدفة في بلاد اللجوء، لم تغير من واقعها شيئاً. لقد أصبح ما عاشوه من الماضي. عانقت حبها في شغاف قلبها ونامت على كتمانه.