icon
التغطية الحية

"التجديد الفني في الرواية السورية 1990- 2010".. عن التجريب والإبداع والتغيير

2021.12.02 | 06:00 دمشق

altjdyd_fy_alrwayt_alswryt-_tlfzywn_swrya.png
+A
حجم الخط
-A

ترصد الكاتبة والباحثة السورية نوال الحلح في كتابها "التجديد الفني في الرواية السورية (1990- 2010)" ملامح التجريب في الأعمال الروائية السورية الصادرة خلال العقد الأخير من الألفية الثانية والعقد الأول من الألفية الثالثة، محلّلة قدرة مؤلفيها على الإبداع وابتكار أساليب فنية جديدة مختلفة عن التجارب السابقة.

وتحدد الباحثة الهدف الرئيس من دراستها بأنه "اكتشاف مدى قدرة التجربة الروائية على خلق مناخ روائي قلق ومتوتر ومشحون بهموم الهوية والمصير والحرية، وبأزمات الإنسان العربي المعاصر" بحسب ما ورد في مقدمة الكتاب.

وللوصول إلى هذا الهدف، كان لا بدّ لها من البحث عن إجابة للسؤال: إلى أي مدى تمكنت الرواية السورية خلال تلك الفترة من امتلاك أدوات تقنية استطاعت من خلالها بناء أفق جمالي مبتكر يجمع بين وضوح الفكرة وعمقها من جهة، ومتعة التلقي عند القارئ من جهة أخرى

وتركّز الحلح عبر مقدمتها على موضوعة الذائقة، جاعلة منها منطلقاً للتحليل والتقيّد بمنهجية تهتم بالتفاصيل التي تجعل الأعمال ممتعة ومدهشة سواء عند القرّاء أو النُقّاد.

التجديد في الرواية السورية قبل 1990

اشتمل الكتاب/ الدراسة على خمسة فصول موزعة على 268 صفحة، جاء الفصل الأول منها تحت عنوان "إرهاصات التجديد الفني في الرواية السورية قبل عام 1990" وتناول الحديث عن الروايات الصادرة خلال عقديّ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

وترى الباحثة أن أبرز ما ميّز رواية السبعينيات والثمانينيات هو تدرّج الانتقال من واقعيّة مباشرة، مُقدمة ضمن تقنيات مألوفة، إلى رواية تنضح من الواقع، لكنها وقبل أن تسكبه في قالب الرواية تتخلى عن واقعيته نسبيًا، لحساب فنيته، فتستخدم تقنيات عُدّت جديدة على الرواية آنذاك، منها ما يتعلق بخلخلة الزمن وإدراج مقاطع من الصحف في الرواية (التناص)، وطرح الأسئلة دون تقديم إجابات، واللافت في كلّ هذا أنّ الهزيمة أسهمت في تحييد الخطاب السياسي المباشر عن الساحة الروائيّة التي بدأت باستكشاف طرائق مبتكرة، مثل توصيف الواقع اليومي المعاش للناس العاديين من وجهات نظر مختلفة، كما فعل هاني الراهب في (ألف ليلة وليلتان).

 

22-292-206x300.jpg

 

 أو عن طريق الغوص في الذات وتجميد الزمن الخارجي، بهدف الوقوف على ما يحدث في وعي الإنسان من صراعات وجوديّة وتناقضات نفسيّة، هي بمجموعها صدى للعطب الخارجي الذي سبّبه الجهل، والتخلف، والفساد في المجتمع والسياسة، كما فعل "حيدر حيدر" في (مرايا النار) و(الزمن الموحش) و(وليمة لأعشاب البحر)، أو عن طريق ثالث هو التحليق بغرائبيّة، تسعى إلى إضاءة حالة اللا انتماء التي يعاني منها الأفراد والجماعات (وضع الأكراد السوريين مثلًا) في بلادهم، أو في البلاد التي تشتتوا فيها، بما يشبه روايات الواقعيّة السحريّة، كما فعل "سليم بركات" في (فقهاء الظلام).

 

unnamed.png

 

ما جمع هؤلاء الروائيين هو اهتمامهم بالشكل الفني، والتقنيات الروائيّة، أكثر من الاهتمام الذي أولاه لها سابقوهم ومعاصروهم، ما جعل النقاد يرون في روايات تلك المرحلة بداية أسلوب روائي جديد.

الزمن الروائي

أما الفصل الثاني "التجديد في استخدام الزمن الروائي"، فتضمّن ثلاثة عناوين رئيسة: "تكسير الزمن إلى لوائح زمنية" و"تحييد الزمن وتجميده" و"التناسخ والتشابه اللانهائي في الزمن الدائري". ولفتت الكاتبة فيه إلى أن غالبية الروايات التي تناولت الزمن بطريقة تجريبية، قد كتبها روائيون متمرّسون بفن كتابة الرواية، وأن هؤلاء الروائيين لجؤوا إلى التجديد في البنى الزمنية بعد أن مرَّ عليهم زمن طويل من الالتزام والتعامل بصورة تقليدية مع عنصر الزمن.

الغرائبية في الرواية ودور الهزيمة

وتناول الفصل الثالث من الدراسة موضوع الغرائبية والعجائبية، عبر تعريفه وتمييز عناصره أولًا، ثم رصد تطور العلاقة بين الواقعي والمتخيل، والطريقة التي يُوظَّف بها الغرائبي في رصد الواقع والتعبير عنه.

وتصف الكاتبة أن الغرائبيّة التي بدأت تتسلل إلى روايات تلك المرحلة؛ فتحت تأثير الهزيمة، وخيبة الأمل. شعر الروائي أنّ هذا العالم لا يقوده العقل، ولا المنطق، ولا العدالة السماويّة، بل ما يقوده هو الجنون المطلق، والتحالفات بين الدول الكبرى على حساب الأفراد المهمَّشين. وجد هؤلاء الروائيون أنفسهم في موقف "كافكا" حين شعر بأنّ الدولة وقوانينها وتسلطها على الأفراد، قد ألغت الإنسان الكامن داخلهم، وحولتهم إلى حشرات، وقد تحول الإنسان بسبب هذه الظروف إلى مسخ، لا يمتلك من بشريته شيئًا حتى المظهر، ورغم اختلاف الأسباب التي أدّت لهذا التحول بين بلداننا العربية وبلد كافكا، إلا أنّ مجمل الظرف العربي قد مسخ إنسانيّة الإنسان، وهذا التغيير لم يطل فقط الشعب بل إنّه حوّل الزعماء أيضًا إلى مسوخ.

تأثير الرواية العالمية على لغة الرواية السورية

وسلّط الفصل الرابع على موضوع اللغة، فتطرق إلى التجديد في استخدامها، وخصائص نسيجها وتنوعها وتداخل الأجناس فيها، وتوظيفها في السخرية والتهكم والحوار. ورأت الباحثة أنه كان للرواية العربية والعالمية تأثير مهم في توجيه الروائي السوري وتحديد خياراته اللغوية بعد اطلاعه عليها، وذلك بسبب الانفتاح على العالم بعد ازدهار وسائل الاتصال المرئية والمكتوبة والمسموعة في الربع الأخير من القرن الماضي؛ وقد ساند هذا الانفتاح انتشار الكتاب بين أيدي الناس وازدياد عدد المتعلمين.

السحر الأدبي والدهشة الممتعة

في حين تناول الفصل الخامس حوار النصوص، وحلَّل حضور التناص في الرواية السورية، والآراء النقدية التي تتناول النص الروائي، وتعرية السرد الروائي للرواية ذاتها، ثم موضوع العتبات النصية التي هي مداخل النص الأدبي وأبوابه التي يمكن من خلالها الولوج إليه.

استندت الباحثة في دراستها على أكثر من عشرين رواية لسبعة عشر روائياً وروائية من سوريا، ورأت أن كل نص أدبي هو ثمرة الموهبة والخبرات التي يمتلكها كل كاتب، كما أنه يمثل ثقافة الكاتب الخاصة التي تصهر تجارب الآخرين في بنيان عمله الروائي، وتسهم في تفرّد أسلوبه عمَّن سواه. واعتمدت في سبيل ذلك على أسلوب التحليل والمقارنة للوصول إلى ما وصفته "طرائق إيصال المعرفة المقنَّعة بثوب السحر الأدبي، وآليات إثارة تلك الدهشة الممتعة التي يوصلها الأدب إلى المتلقي".

روايات مهّدت للتغيير

وختاماً، تقول الكاتبة: بقيت هذه المحاولات الروائيّة في زمنها غير قادرة على تشكيل تراكم كمي لإحداث تغيير نوعي، لكنها أرهصت للتغيير الذي بدأت تتوالى نماذجه في الروايات السوريّة، خاصة في فترة التسعينيات وما بعدها على يد "سمر يزبك" مثلًا في (صلصال)، و"خليل صويلح" في (ورّاق الحب)، و"فواز حداد" في (المترجم الخائن)، و"إبراهيم الجبين" في (يوميات يهودي من دمشق).. وغيرهم.

 

161312.jpg

 

هذا ما يؤكد أن التجديد في الرواية يرتبط بالرؤية المختلفة للواقع وللأدب، وتلك الطفرات التجريبيّة، إن جاز القول، موجودة في كل زمان ومكان، لكننا بتنا نشهد تزايدًا في عدد الروايات التي أخذت تشكّل أنماطها الخاصة أثناء كتابتها، وتبقى الميزة الأساسيّة للروايات المجددة أو ما نسميه "روايات التجريب" هي التفرد والخصوصية في ابتداعها لتقنياتها وتجديد مضموناتها.

 

28586551-5.jpg