icon
التغطية الحية

ماذا يتغير لو فاز كليتشدار أوغلو أو انتصر أردوغان؟.. سؤال لحوح إليك إجابته

2023.05.26 | 15:19 دمشق

آخر تحديث: 28.05.2023 | 15:26 دمشق

أردوغان وكلتيشدار أوغلو
أردوغان وكليتشدار أوغلو
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

تحمل الجولة الثانية من الانتخابات التركية كثيراً من الترقب والمتابعة، ليس على المستوى الداخلي فقط، بل يتعداه إلى العديد من دول العالم، خاصة أن أنقرة لعبت أدواراً إقليمية مهمة خلال العقدين الماضيين، جرى خلالها كثير من التحولات في السياسات الداخلية أو الخارجية.

تخوض تركيا نوعاً من الاستفتاء على الاستمرار في سياسات داخلية وخارجية معينة مع التجديد للرئيس رجب طيب أردوغان أو التحول إلى وضع آخر تماماً في سياقاته وتموضعاته مع فوز مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.

ومع الصراع الهوياتي الدائر بين العلمانيين والمحافظين في تركيا، أخذت سياسات الدولة شكلاً متصلاً بأيديولوجية الحزب الحاكم، وعلى أساسها بنيت العلاقات الدولية التي صعدت بتركيا من دولة هامشية إلى أكثر تأثيراً في عشرات الملفات الإقليمية والدولية، عبر دبلوماسية استخدمت أنقرة فيها قوتها الناعمة التي تأسست بشكل فعلي بعد عام 2003، إلى أن اضطرت لاستخدام القوة الصلبة في ملفات لها اعتبارات أمن قومي، كالتدخل العسكري في سوريا منذ عام 2016.

يعد فوز كليتشدار أوغلو سيناريو صعباً ولكنه غير مستحيل (وإن كانت الترجيحات تميل إلى أردوغان بشكل أكبر بسبب النتيجة السابقة والحملة الهادئة) في انتخابات لا يمكن الاعتماد فيها على نتائج استطلاعات الرأي بشكل قاطع، حيث لا يمكن حسم عدد المصوتين في الجولة الثانية، ولا إجبار أي مصوت لسنان أوغان (أو حزب أوميت أوزداغ) على التصويت لأحد الطرفين.

وتعطي نتائج الانتخابات التركية العديد من السيناريوهات بما يخص المرحلة المقبلة داخلياً وخارجياً، وسنتناول في هذا التقرير التغيرات التي يمكن أن تحصل في حال فاز أحد الطرفين.

الانتخابات التركية

وضع داخلي شديد التعقيد

لا يمكن استشراف الوضع الداخلي بشكل كامل للتعقيد الكبير في الداخل التركي، ولكن في حال فاز كليتشدار أوغلو بالرئاسة سنشهد تغيرات كبيرة في الخطاب السياسي، حيث إن للرجل تحالفاً يضم 5 أحزاب أخرى متنوعة كلٌ منهم يريد حصته من الكعكة السياسية، وقد يحمل ذلك خلافات غير ظاهرة حالياً.

لن يتمكن كليتشدار أوغلو والطاولة السداسية من العودة إلى النظام البرلماني المعزز، ما يعني استمرار النظام على شكله الرئاسي، وفي ذلك صلاحيات كبرى للرئيس مقابل برلمان معارض له.

قد يحمل ذلك مخاوف من عدم وجود استقرار سياسي قريب، باعتبار أن تشكيل حكومة ائتلافية من هذا النوع قد تربك الطاولة السداسية وتعرضها لهزات قريبة، بدأت ملامحها مع دخول أوميت أوزداغ على الخط، والاتفاق المبهم الذي عقده كليتشدار أوغلو منفرداً معه، عبر وعود بوزارة الداخلية أو جهاز الاستخبارات أو وزارات أخرى.

في هذا الوضع سينتقل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى زعامة جبهة المعارضة، وقد يقود تحالفاً أكبر من تحالف الشعب، في محاولة لكسر الطاولة السداسية وإظهار الفشل الحكومي، مع الدعوة لانتخابات مبكرة بشكل متكرر.

ويصعب المهمة أن النظام الجديد في تركيا، يصعب حكم البلاد عبر مراسيم تصدر من القصر الجمهوري، حيث لا بد من وجود توافق بالحد الأدنى بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

ولذلك فإن عدم وجود هذا التناغم بين البرلمان والرئاسة سيجعل مهمة أي رئيس صعبة تذكر بفترة الحكومات الائتلافية في التسعينيات، وقد تجره إلى أن يدعو بنفسه لانتخابات مبكرة متأملاً الفوز بالمنصبين، وهو لن يحصل في حال فوز أردوغان.

ومع فوز الأخير ستستمر البلاد بوضعها الحالي، ضمن استقرار سياسي معروف، وإن كانت البلاد ستشهد تغيرات من نوع آخر، بما يتعلق بخريطة الصاعدين في البرلمان وخصوصاً على جبهة القوميين والمحافظين، حيث كسب المحافظون من الأحزاب الصغرى مثل المستقبل ودوا والسعادة والديمقراطي والرفاه الجديد والهدى.

على الجانب الاقتصادي، لن يكون هناك تحسن اقتصادي مباشر بعد فوز كمال كليتشدار أوغلو، لأن العودة إلى النظام الاقتصادي التقليدي السابق سيكون له كثير من العوائق، إلى جانب ابتعاد كثير من المستثمرين الأجانب عن دولة غير مستقرة سياسياً.

أما في حالة الرئيس أردوغان، فلن يكون الوضع الاقتصادي ممتازاً بعد فوزه أيضاً، حيث من المتوقع أن تشهد الليرة التركية انخفاضاً مع زيادة نسب التضخم خصوصاً في حال رفع الحد الأدنى للأجور، إلا أن المستثمر الأجنبي قد يستمر في القدوم لتركيا مع ميزة الاستقرار السياسي المستمر لخمس سنوات جديدة.

سنشهد حضوراً أكبر للحريات والأحزاب مع فوز كليتشدار أوغلو، عبر السماح بأنشطة لها حساسيتها لدى المحافظين مثل "تجمعات المثليين" ومجتمع "الميم"، ومساحة أوسع للحفلات الراقصة والغنائية كما حصل أخيراً بعد فوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسطنبول التي دعمت هذا النوع من الحفلات.

السوريون على صفيح ساخن

يحتل الملف السوري اهتماماً بالغاً لدى أردوغان وكليتشدار أوغلو، حيث استبقت الرئاسة التركية الانتخابات وبدأت بإجراء محادثات لتطبيع العلاقات مع النظام السوري بوساطة روسية، قاطعة الطريق على المعارضة التركية من بدايته، خصوصاً أن الأخيرة وعدت بإجراء لقاءات مباشرة مع رئيس النظام بشار الأسد بحال فوزها بالانتخابات.

مع انتقال الانتخابات إلى جولة ثانية، كانت الدعاية الانتخابية لمرشح المعارضة كلييشدار أوغلو أكثر هجوماً على اللاجئين السوريين، وأخذ مناحي عنصرية شديدة الوضوح وصلت إلى مرحلة الكذب في أعدادهم والتحشيد ضدهم بهدف جذب أصوات اليمين المتطرف والتي كان آخرها التحالف مع أوميت أوزداغ الذي يوجه خطاباً عنصرياً ضدهم.

في حال فوز أردوغان سيتم تنفيذ خطة "عودة السوريين الطوعية" عبر إغرائهم ببيوت ومحال تجارية وفرص عمل في مناطق شمال غربي سوريا بتمويل قطري، قد يتطور إلى تمويل عربي أيضاً.

كما ستأخذ المباحثات مع النظام السوري طريقاً متعثراً لعدم وجود أي توافقات حقيقية بين الجانبين، مع إصرار النظام ومن خلفه إيران وروسيا على انسحاب الجيش التركي من المنطقة، وهو ما ترفضه أنقرة، محاولة الاستمرار في إقناع الولايات المتحدة بشن عملية عسكرية جديدة على مناطق في شرق الفرات.

في المقابل، سيكون التخبط سيد الموقف مع فوز كليتشدار أوغلو، فهو وعد بترحيل السوريين خلال عام واحد، من دون وجود أي خطة واضحة، فقط وعد انتخابي، قد يضطر عبره لاستخدام القوة في إعادة السوريين، وهو ما قد يعود على تركيا بإساءة كبيرة لسمعتها لأنها لا تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان.

كما أن حزب الشعب الجمهوري رفض في البرلمان التمديد لاستمرار القوات التركية في سوريا، ما يعني أنه يفضل الانسحاب، وسيعود ذلك على تركيا بمخاطر أمنية كبيرة، وإن كان ذلك سيؤدي إلى خلط كثير من الأوراق داخلياً في ظل التحالف غير الرسمي بين الطاولة السداسية وحزب الشعوب الديمقراطي، الذي تتهمه أنقرة بدعم حزب العمال الكردستاني.

اللاجئون في تركيا

الدول العربية.. معادلة صعبة 

لا يبدو كليتشدار أوغلو متحمساً للعلاقات القوية مع الدول العربية والإسلامية، على عكس ما فعل أردوغان، الذي صفر مشكلاته وأعاد تطبيع علاقاته مع معظم الدول قبيل الانتخابات بفترة مريحة.

ودائماً ما يشن هجوماً على الدور القطري الاستثماري في تركيا، مؤكداً أنه سينهي "بيع" تركيا للأجانب، حتى أن تصريحات أعضاء في حزبه حملت كثيراً من التهجم على الدوحة، وعلى القوات التركية الموجودة على الأراضي القطرية.

في المقابل قد يكون لبعض الدول العربية ارتياحاً أكثر لأي دور تركي جديد متراجع إقليمياً، ومنشغل بقضاياه الداخلية، حيث كان الدور التركي ينشط شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ما عقد العلاقات مع الكثير من دول المنطقة.

ولدى تركيا نشاط عسكري في العراق وليبيا وسوريا والدوحة، إلى جانب المحاولات في العمق الأفريقي، كل ذلك قد يجعل السياسة الخارجية التركية نشطة وفاعلة، وهو ما يسعى كليتشدار أوغلو للجمه وإنهائه وفق وعوده الانتخابية، حيث أكّد أنه عندما يتولى الرئاسة سيتبنى سياسة "عدم التدخل" بالخارج، لكنه قد يصطدم بحلفائه القوميين بالطاولة السداسية الذين يعجبهم الدور التركي الخارجي وسياسة قوة النفوذ.

كما كان للقوة الناعمة التركية دور غير اعتيادي عربياً، حيث وجهت حكومة العدالة والتنمية مختلف أدواتها الناعمة نحو الدول العربية وجذبتهم عبر الدراما والفن والمنح الدراسية والجولات السياحية والتصنيع رخيص الثمن مثل التقنيات الخفيفة والألبسة.

تميم وأردوغان

الولايات المتحدة.. ولاء أم لعب على الهوامش

تعد تركيا من أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة على مدار عقود، ولم يتغير ذلك خلال عهد العدالة والتنمية، إنما أخذ شكلاً جديداً من التعاون ثم تراجعاً لم يصل إلى القطيعة، اتصل إلى حد كبير بالملف السوري ودعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" الذين لديهم صلات مع حزب العمال الكردستاني.

كما لم تكن واشنطن راضية عن التقارب التركي الروسي، وعرقلت وصول طائرات إف 16 جديدة مع إلغاء عقود تطوير مشتركة لطائرات إف 35، مع سحبها لبطاريات باتريوت من الحدود التركية مع سوريا، ولم تسلم أنقرة المتهم الأول في التخطيط لانقلاب 15 تموز 2016 فتح الله غولن المقيم بالولايات المتحدة.

هذه الملفات الكثيرة والشائكة كانت بين شد وجذب بين الطرفين، مع فوز أردوغان قد يستمر التعاون الأميركي التركي من دون أي تغير يذكر مع نفوذ لأنقرة في الهوامش، لكن مع وصول كليتشدار أوغلو للسلطة يتوقع أن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة أكثر تحسناً، ويعطي واشنطن ما تريده بولاء مريح.

أردوغان وبايدن

هل من صيغة جديدة مع الدب الروسي؟

تعتبر العلاقة التركية مع روسيا معقدة أكثر مما هي مجرد صداقة وتحالف ظاهرين بالسنوات الأخيرة، خصوصاً أن أنقرة لديها يد بكل الملفات التي تشغل روسيا في المنطقة، في سوريا وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا، ما يعطي انطباعاً بأن تركيا تنافس روسيا أكثر مما تصادقها، بالوقت الذي تستفيد فيه موسكو من خفة الحركة الإقليمية لتركيا وقوتها الدبلوماسية المتصاعدة.

ورغم أن العلاقات بين موسكو وأنقرة أخذت شكلاً مختلفاً منذ عام 2016، عقب القطيعة وإسقاط الطائرة الروسية، فإنها بدت بمنزلة انزياح من المعسكر الغربي إلى المعسكر الشرقي، إلا أن الدبلوماسية التركية بدت متأرجحة دائماً وأكثر استقلالية مع ما تكبدته من خسائر على المستوى الاقتصادي والسياسي خلال السنوات الخمس الماضية على الأقل.

في حال فوز أردوغان، يرجح أن العلاقات التركية الروسية ستبقى على حالها، تستفيد أنقرة عبرها من المساحة الدولية، خصوصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والوساطة التركية في اتفاقية نقل الحبوب، إلى جانب رفضها فرض عقوبات على روسيا، في مقابل بيع مسيرات "بيرقدار" لأوكرانيا، ما جعلها "تجرح بيد وتداوي بالأخرى".

لكن في حال حصول كليتشدار أوغلو على المنصب، وعد أنه سيجعل علاقاته مع روسيا أقل شأناً، وبالغالب سينحاز إلى المعسكر الغربي بشكل كامل، مع محاولة لتحسين علاقاته مع الاتحاد الأوروبي.

في المقابل لن يعمل على استعداء الروس، لكنه لن يعطيهم شيئاً استراتيجياً كما في السابق، خصوصاً فيما يتعلق بالتعامل بالعملات المحلية، واستخدام النظام المالي الروسي بتركيا "مير" بعد تعليق عمل "فيزا" و"ماستركارد".

أردوغان وبوتين

خطب ود الاتحاد الأوروبي 

كانت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي خلال العقد الأول من حكم العدالة والتنمية على وتيرة جيدة من التقدم، إلا أن العلاقات أخذت مناحي أخرى منذ عام 2014 تقريباً، حيث عرقلت فرنسا ودول أخرى مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقبلت دول أضعف منها بكثير اقتصادياً وتنموياً، وهو ما جعل الحكومة التركية تجعل الملف عالقاً بغية فرصة جديدة.

وفي خضم ذلك كان الرئيس التركي يصف الدول الغربية بأنها "إمبريالية" أو "غير عادلة"، إلى جانب التوترات المستمرة مع اليونان، خصوصاً فيما يتعلق بقبرص "التركية" والاعتراف بها كدولة مستقلة.

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أخذت تركيا موقفاً معتدلاً، فقد دانت الغزو، إلا أنها لم تقطع العلاقة مع روسيا، وأبقت العلاقات مع أوكرانيا على أعلى مستوى، ما جعل بين يديها بيضة قبان مهمة للمناورة وكسب مزيد من الأوراق الإقليمية.

في المقابل عارضت انضمام السويد إلى حلف الناتو، معتبرة أن الحكومة السويدية تؤوي أعداء للدولة التركية، في إشارة إلى أعضاء في حزب العمال الكردستاني.

وإذا تم انتخاب كليتشدار أوغلو رئيساً لتركيا، فسيركز على إصلاح العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، وسيعطي الموافقة للسويد للانضمام إلى تحالف الناتو، إلا أنه قد يصطدم برفض البرلمان الذي قد لا يمرر له قراراً كهذا مع أغلبية يمنية محافظة.

وقد يحاول كليتشدار أوغلو استئناف طلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والامتثال لأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في تركيا، ويقوي من علاقاته مع فرنسا واليونان.

لكن من خلال التهديد بالانسحاب من الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لاستضافة ملايين اللاجئين السوريين، أظهر استعداده لمواجهة القوى الغربية في ملف إنساني شديد التعقيد بالنسبة لبروكسل.