icon
التغطية الحية

سنان أوغان.. "صانع ملوك" أم صندوق للأصوات الغاضبة؟

2023.05.15 | 19:49 دمشق

الانتخابات التركية 2023
إسطنبول - عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

لم يكن المرشح لانتخابات الرئاسة سنان أوغان ليحلم بأحسن أيامه أن يكون الاسم الأبرز في الانتخابات التركية بعد حصوله على أكثر من 5 في المئة من الأصوات، في الوقت الذي لم تكن استطلاعات الرأي تشير إليه أحياناً - باعتباره مرشحاً ضعيفاً - مقتصرة نسبها العليا على مرشح تحالف الشعب رجب طيب أردوغان، ومرشح تحالف الأمة كمال كلتيشدار أوغلو.

وكانت أفضل استطلاعات الرأي بالانتخابات التركية تعطي مرشح تحالف الأجداد "سنان أوغان" ما نسبته 2 إلى 3 في المئة في أحسن الأحوال، إلا أن انسحاب محرم إنجه مرشح حزب البلد، خلط الأوراق وحوّل جزءاً من أصواته إلى أوغان.

حصل أوغان على 5.17 في المئة من الأصوات تقريباً، وحصل أردوغان على 49.5 في المئة منها، بالوقت الذي حصل كمال كلتيشدار أوغلو على 44.89 في المئة، وبذلك دفع وجود أوغان نحو جولة انتخابية ثانية بعد أن كانت ستحسم لصالح أردوغان بفارق طفيف لا يتجاوز 0.60 في المئة فقط من الأصوات. ما جعل من سنان أوغان حامل لقب "صانع الملوك" خلال الساعات الـ 24 الماضية في تركيا.

من هو صانع الملوك؟

في عام 1455م اندلعت حرب أهلية في إنكلترا بخصوص الأحق بكرسي العرش في المملكة بين عائلة لانكاستر، وعائلة يورك، وكان شعار العائلتين وردتين مختلفتين باللون (بيضاء وحمراء)، حتى أطلق على تلك الحرب اسم "حرب الوردتين"، كما أورد ذلك وليام شكسبير في روايته الشهيرة "هنري السادس".

في تلك الحرب ظهر مصطلح "صانع الملوك" لأول مرة بالإشارة إلى أنشطة "ريتشارد نيفيل"، إيرل وارويك السادس عشر، الذي أطلق عليه لقب "وارويك صانع الملوك" لدوره في صناعة الملك الذي يضمن نفوذه في خلافة الحاكم الملكي أو السياسي، وصار له مكاناً في العلوم السياسية لدوره في اختيار الأشخاص أو المجموعة التي لها تأثير بالغ بالسلطة باستخدام الأوراق الممكنة بما فيها من ملفات سياسية واقتصادية ومالية ودينية وعسكرية لتحقيق المرجو منه.

الانتخابات التركية 2023

هل يصنع من "كلتيشدار أوغلو" ملكاً؟

بعد ساعات من تقدم أوغان في النتائج ذكرت وسائل إعلام تركية أن كمال كليتشدار أوغلو اتصل مع سنان أوغان وبارك له بنتائج الانتخابات (رغم أنه جاء بأصوات ضعيفة)، في خطوة استباقية لضمه إلى طاولته السداسية.

وإن صح ما نقلت "دير شبيغل" الألمانية، عن سنان أوغان أنه سيدعم كمال كلتيشدار أوغلو في حال فك ارتباطه مع "حزب الشعوب الديمقراطي" نجد أن المرشح الرئاسي الذي حاز 5.17 في المئة من الأصوات يريد أن يساوم مرشح المعارضة الرئيسي على مكاسب سياسية قبل جولة الانتخابات الثانية.

وفي تصريحات لشبكة "بي بي سي" التركية، قال سنان أوغان اليوم الإثنين: "أؤمن أن دعمنا في الجولة الثانية سيحدد الفائز بالانتخابات، وسنعلن خلال يوم أو يومين عن المرشح الذي سندعمه بعد إتمام الاستشارات اللازمة". 

وأردف "لدينا خطوط حمراء وعدة شروط على رأسها مكافحة الإرهاب والابتعاد عن الأحزاب السياسية التي تدعهما التنظيمات الإرهابية وترحيل اللاجئين".

كلتيشدار أوغلو وسنان

ثوب فضفاض عليه

قد تكون كلمة "صانع ملوك" فضفاضة على "سنان أوغان" وتُحملهُ أكثر مما يحتمل، وفق ترجيحات كثير من المحللين الذين يرون به حاصداً للأصوات الغاضبة من النخبة الحاكمة في البلاد، والتواقة لرؤية رجل أصغر سناً (54 عاماً)، أقرب لفئة الشباب منه للمسنين (كلتيشدار أوغلو وأردوغان)، وهو محسوب على فكر مصطفى كمال أتاتورك العلماني ولكن بنسخة قومية متشددة، وليس يسارياً قريباً من حزب الشعب الجمهوري الذي غير من خطابه.

كما أنه معادٍ لوجود اللاجئين والأجانب ويدافع عن القومية التركية بشكل كامل، ولديه موقف مضاد للتحالف مع "حزب الشعوب الديمقراطي" الذي يمثل جزءاً كبيراً من أصوات المكون الكردي.

قد يكون أوغان يريد الانضمام للطاولة السداسية فعلياً، ويحاول أن يرفع سقف المفاوضات مع أحزاب المعارضة، لمعرفته أن كليتشدار أوغلو بحاجة أصواته التي تؤهله للفوز على أردوغان حرفياً، ولكن ذلك فيه الكثير من المبالغة.

لا يمكن لأوغان أن يوجه جميع ناخبيه، هناك قسم انتخبه لأنه لا يريد الرئيس أردوغان أو كليتشدار أوغلو وكان داعماً لإنجه قبل انسحابه. وهناك قسم الشباب المتأثر بخطابه القومي والمناهض للأجانب.

كما أن أصوات ناخبي سنان أوغان ترجيحية أكثر لتحالف الشعب، منها لتحالف الأمة، أولاً هناك اتصال كبير بالخطاب، فهناك تحالف بين العدالة والتنمية (يمين الوسط)، مع الحركة القومية (أقصى اليمين) الذي كان أوغان أحد أعضائها البارزين.

في المقابل، كان اتصال بن علي يلدريم نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بسنان أوغان لتقديم المباركة بنتيجته، دليلاً عن محاولة الحزب الحاكم جره إلى طرف أردوغان، وإن لم يكن ينتقده بشكل لاذع على طول الحملة الانتخابية الخاصة به، بل كانت سهام نقده كلها موجهة لكليتشدار أوغلو.

أردوغان

"أوغان" الأجنبي.. كاره الأجانب

لعل التحريض والتجني على اللاجئين السوريين وكراهية الأجانب هو السبب الأول الذي دفع زعيم حزب الظفر أوميت أوزداع للتحالف مع سنان أوغان، ولعل السبب الثاني كان الخلفية القومية للرجلين اللذين كانا في صفوف حزب "الحركة القومية" قبل أن يطردا بشكل منفصل.

ولد سنان أوغان في أيلول عام 1967 في مدينة إغدير الواقعة بالقرب من حدود تركيا مع أرمينيا وأذربيجان وإيران، لأسرة مهاجرة من أذربيجان.

ولعل هذا ما يفسر حجم خطاب الكراهية المتضخم لدى "أوغان" وحليفه "أوزداغ" المنحدر كذلك من أصول أجنبية "داغستانية"، حيث يريدان أن يثبتوا للشعب التركي أنهما قوميان إلى أقصى حد ممكن، أكثر من أي تركي آخر.

وعلى الرغم من المستوى الأكاديمي المرتفع لسنان أوغان، فقد كان خطابه الإنساني منحدراً بشكل كبير، وهذا ما ظهر في حملته الانتخابية الرئاسية لانتخابات 2023.

تخرج أوغان في جامعة مرمرة، في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، قسم إدارة الأعمال، وأكمل درجة الماجستير في القانون المالي والمصارف عام 1992 بأطروحة بعنوان التحليل الهيكلي للاقتصاد والمالية القطاع في أذربيجان.

وبعد ذلك حاز أوغان درجة الدكتوراه في جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية، ليعود ويعمل مساعد باحث في معهد السياسات التركية بجامعة مرمرة.

هذه الدراسة جعلته ملماً بالشأن السياسي الروسي، ومتمكناً من اللغة الروسية، إلى جانب اللغة التركية.

واعتماداً على أصوله الأذرية أوجد مكاناً له في جامعة أذربيجان الحكومية التي عمل بها نائباً لعميد كلية الاقتصاد. 

وفي عام 1990، نظم تجمعاً كبيراً في ميدان تقسيم بمدينة إسطنبول، تنديداً بالمذبحة التي قام بها الجيش السوفييتي ضد متظاهرين أذربيجانيين في 20 من كانون الثاني من العام نفسه.

كان على صلة بـ "أبي الفضل إلجي بيك" مؤسس وزعيم الجبهة الشعبية الأذربيجانية المعارضة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وبعد تفكك الأخير عام 1991، عمل أوغان في مكتب الرئيس إلجي بيك لنحو عام.

وبين عامي 1992 و2000 عينته الحكومة التركية ممثلاً لـ "وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)" في أذربيجان.

كما رأس مكتب الدراسات الروسية الأوكرانية التابع للمركز الأوراسي للدراسات الاستراتيجية (ASAM). وبعد ذلك أسس ورأس مركز العلاقات الدولية والتحليل الاستراتيجي (تُركسام).

أكاديمي منبوذ من القوميين

دخل أوغان الحياة السياسية بشكل مباشر عام 2011 مرشحاً عن حزب الحركة القومية للبرلمان التركي، وفاز بمقعد عن ولاية "إغدير".

لم تكن فترته الانتخابية في البرلمان هادئة فقد خاض حروباً داخلية مع قيادات "الحركة القومية" وبالأخص مع زعيمها دولت بهتشلي الذي يتربع عرش القوميين الأتراك منذ تسعينيات القرن الماضي.

وعلى الرغم من طرد "أوغان" من الحزب مرتين، إلا أنه ترشح لرئاسة الحزب بعد قرار محكمة ينهي قرار طرده، وخسر أمام الزعيم التاريخي "بهتشلي"، ويؤكد بحسب موقعه الرسمي، أن الكثير من العروض أتت إليه إلا أنه بقي مخلصاً لحزبه ونضاله السياسي ولم يؤسس حزباً جديداً.

في عام 2017 طرد نهائياً من الحزب مع ثلاثة أعضاء آخرين.

ولم يجد له مكاناً في حزب الجيد المنشق عن حزب الحركة القومية الذي أسسته ميرال أكشنر رداً على تحالف دولت بهتشلي مع الرئيس أردوغان اعتباراً من عام 2017.

sinan

التفتيش عن الكراهية

في عام 2022 كان موقع "تويتر" في تركيا ينشغل بين يوم وآخر بترند يشعله زعيم حزب الظفر وعضو البرلمان التركي "أوميت أوزداغ" ضد اللاجئين السوريين، مستعيناً بشبكة واسعة من الذباب الإلكتروني، وصاعداً بأرقامه من 100 ألف متابع إلى 2.1 مليون متابع، محاولاً العبث في طمأنينة السلم المجتمعي بتركيا.

ارتدى أوزداغ قفطان الفكر الكمالي الأتاتوركي، مستلهماً أفكار اليمين المتطرف الصاعد في أوروبا ضد اللاجئين السوريين منذ عام 2015، والأرقام الجيدة التي حققها بالانتخابات بالعديد من الدول وفي مقدمتها فرنسا والسويد.

فتش أوزداغ طويلاً عن مرشح يناسب مقاسه وأفكاره التحريضية ضد اللاجئين والأجانب، موهماً متابعيه وأنصاره بأنهم سبب مشكلات تركيا وتراجعها، عبر سلسلة من الأكاذيب والادعاءات التي ضمنها في بروباغندا حزبية دعائية.

كان (المرشح الرئاسي الذي انسحب لاحقاً) محرم إنجه يتناغم مع خطاب أوزداغ ضد السوريين، إلا أن لغة الأخير وسوقيته حتى بين النخب التركية جعلت إنجه يبتعد عنه ويفضل أن يترشح نيابة عن حزبه فقط، قبل 24 ساعة من إعلان التحالف فقط.

وبعدها فتش أوزداغ عن بديله فلم يجد أفضل من "سنان أوغان" الذي كان لديه خطاب معادٍ للاجئين السوريين والعرب والأفغان المقيمين في تركيا، محرضاً عليهم في وسائل الإعلام التي تستقبله وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

أسس أوزداغ تحالف "الأجداد (ATA) نسبة إلى أتاتورك (أبو الأتراك)، وضم أحزاباً قومية متطرفة مثل "الظفر" و"العدالة" ورشح سنان أوغان مرشحاً رئاسياً فيه، ليجمع 100 ألف توقيع تمكنه من خوض الاستحقاق الانتخابي لعام 2023.

وتركّز برنامجه الانتخابي على طرد اللاجئين السوريين من البلاد عبر تأمين "عودة آمنة" لهم، وحل المشكلات الديمغرافية بإيقاف هجرات الشعوب الأخرى باتجاه تركيا، وإلغاء النظام الرئاسي وإعادته للبرلماني.

sinan