icon
التغطية الحية

لم يوقفها الشتاء.. شهادات لسوريين عن الرحلة إلى أوروبا والانتهاكات المروعة

2022.12.07 | 06:06 دمشق

حرس الحدود البلغاري يوقف طالبي لجوء قرب الحدود مع تركيا
حرس الحدود البلغاري يوقف طالبي لجوء قرب الحدود مع تركيا
إسطنبول - محمود الفتيح
+A
حجم الخط
-A

"لم أكن أتصور أن انتعالي لحذاء من ماركة "أديداس" سيتسبب في نقمة وحنق حرس الحدود البلغاري، لينهالوا علي بالضرب والشتم دون أن أستوعب ما يدور حولي"، هكذا بدأ الشاب السوري "أحمد. ر" حديثه مع "تلفزيون سوريا".

ويضيف أحمد: "بدأ الأمر بعد أن أوقفنا حرس الحدود البلغاري بعد مسافة قصيرة من الحدود مع تركيا خلال محاولتنا الوصول إلى أوروبا، بداية الأمر لم يتعرضوا لأحد بالأذى خلال عملية التفتيش، لكن عندما وصل الدور لي بدأ أحد العناصر بضربي بطريقة جنونية، وكان يتحدث باللغة البلغارية فلم أفهم ما يقول وما الذي أزعجه، لكن من الواضح أنه كان يشتمني بغضب، وبعدها نادى لأحد زملائه ليترجم لي ما يقول باللغة الإنكليزية، فعرفت من بين الكم الكبير من الشتائم والضرب، أنه يقول لي (أنت تلبس حذاء من ماركة أديداس يبلغ سعره 100 يورو فلماذا تذهب إلى أوروبا)".

ويتابع أحمد: "لكن المضحك في الأمر أنني لم أكن أعرف ما هي ماركة الحذاء أو سعره، فأنا اشتريته مستعملاً من (البالة) بمبلغ 100 ليرة تركية".

ويأخذ كثير من طالبي اللجوء الطريق البري عبر حدود تركيا مع بلغاريا وصولاً إلى صربيا للبحث عن ملجأ في دول أوروبا، غير أن مخاطر هذا الطريق لا تقل عن غيره، إذ يصبح هؤلاء عرضة للابتزاز والتهديد والعنف الجسدي.

تعرية اللاجئين والتحرش بالنساء

فظائع كبيرة تحدثت عنها منظمات حقوقية أو أخرى غير متوقعة رواها الشاب "غسان. ع" لـ"تلفزيون سوريا"، لكنه أكد أن أكثر ما يرعب اللاجئين جميعاً هو إعادتهم عراة إلى تركيا من قبل حرس الحدود البلغاري، مشيراً إلى أن هذه الممارسات لم تكن حالات فردية وإنما أخذت طابعا ممنهجا لتحطيم النزعة الإنسانية للاجئين، وتساءل: "بعد كل هذه الانتهاكات ما الذي تبقى حتى يتساوى الإنسان بالحيوان؟ فالحياء هو ما يميز الإنسان عن الحيوانات".

وفي شهادة أخرى لـ"تلفزيون سوريا" تتقاطع مع ما ذكره غسان، حيث أفاد الشاب السوري "ظاهر. ع" بأنه تعرض للضرب الشديد من قبل عناصر من حرس الحدود البلغاري، لاعتراضه على إجبار فتيات على خلع ملابسهن ومحاولة التحرش بهن، ووصل الأمر إلى تهديده بالأسلحة النارية وقتله إن لم يتوقف عن الصراخ في محاولة منه لطلب العون من المسؤولين أو الضباط في المنطقة.

ولا يمكن أن تتوقع طريقة العنف التي ستتعرض لها في كل مرة يقبض عليك، وفقاً لغسان، إذ يطور حرس الحدود في اليونان وبلغاريا أساليب الإهانة والتعذيب باستمرار، ويصل الأمر إلى حد الابتكار، حيث شهد غسان أموراً لا أخلاقية ولا إنسانية.

"أطلقوا علينا الكلاب وسرقوا أموالنا"

وفي إحدى المحاولات لعبور الحدود التركية البلغارية، تحدث الشاب السوري "مصعب. ر" عن تعرضه للعض من قبل "الكلاب البوليسية" التي أطلقتها السلطات البلغارية على طالبي اللجوء، ويضيف مصعب: "رغم وجود قاصرين بيننا وانسياقنا لتعليمات حرس الحدود إلا أنهم تركوا الكلاب تنهش بلحمنا وهم يضحكون ويتسلون بتعذيبنا، وكلما كانت توسلاتنا تزيد ويشتد صراخنا من الخوف، كانت ضحكاتهم ترتفع أكثر وكأنهم يتابعون فيلماً كوميدياً".

ولم يتنهِ الأمر إلى هذا الحد فبعد فترة طويلة من الإرهاب بالكلاب، تعرض اللاجئون "لحفلة تعذيب" بالهراوات وخراطيم تمديد المياه البلاستيكية، فضلاً عن التعذيب بعصي الكهرباء، ومن ثم أجبروهم على العودة إلى تركيا، بعد مصادرة أموالهم وهواتفهم وجميع ممتلكاتهم التي يحملونها، بحسب مصعب.

وجمع موقع "تلفزيون سوريا" شهادات أخرى من طالبي اللجوء على طول الحدود البلغارية التركية تفيد بأنهم شهدوا عمليات تحرش بالنساء وانتهاكات فظيعة من قبل السلطات البلغارية، إضافة إلى سرقة أموال طالبي اللجوء وهواتفهم وجميع ممتلكاتهم الشخصية في كل مرة يلقى القبض عليهم، مما يشير إلى أن الأمر تجاوز الحالات الفردية وأصبحت ممارسات ممنهجة لصد اللاجئين.

"شظايا الأسد أجبرتني على إعادة المحاولة 21 مرة"

ويقول الشاب السوري "باسل. ح" لـ"تلفزيون سوريا": "ربما لن يصدق الكثير إن أخبرته أنني وأخي فشلنا 20 مرة في عبور الحدود التركية مع اليونان وبلغاريا، لكننا نجحنا في المرة الـ 21 من اجتيازها، ووصلنا منذ أيام إلى إحدى الدول الأوروبية، ولكم أن تتخيلوا مدى الانتهاكات والاعتداءات التي تعرضنا لها من قبل حرس حدود الدول التي عبرناها".

لم يكن تشديد الحراسة على حدود بلغاريا واليونان المقابلة لتركيا السبب الوحيد لتكرار المحاولات الكثيرة، ولكن استقرار عدة شظايا في جسم باسل البالغ من العمر 35 عاماً والتي أصيب بها خلال وجوده في سوريا من جراء قصف النظام السوري،  أعاق مسيره بشكل طبيعي، وجعله عرضة لكمّ كبير من الانتهاكات الجسيمة.

الرصاص الحي لصد السوريين على حدود الاتحاد الأوروبي

ونشرت منظمة "لايت هاوس ريبورتس" الإعلامية الهولندية المستقلة، يوم الإثنين، مقطعاً مصوراً يظهر إطلاق الرصاص الحي من قبل حرس الحدود البلغاري على لاجئين سوريين وإصابة أحدهم بجروح بالغة، وأرفقت الفيديو بتحقيق مطوّل حول الحادثة، ويعد ذلك أول دليل مرئي على استخدام الذخيرة الحية لصد اللاجئين على حدود الاتحاد الأوروبي.

وأكدت المنظمة أن الحادثة تطرح أسئلة جدية على قادة الاتحاد الأوروبي حول نهج الكتلة تجاه الهجرة واللجوء وسط تصاعد العنف وعمليات الإعادة غير القانونية.

ما أسباب موجة الهجرة السورية من تركيا؟

ويقول الشاب السوري "عمار. د" لـ"تلفزيون سوريا: "أنا أقيم في إسطنبول منذ 7 سنوات تقريباً، ورغم أنني أحب العيش في تركيا لوجود مجتمع سوري فيها، إلا أنني جربت حظي عدة مرات للهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، لكنني لم أوفق واضطررت للبقاء حالياً بسبب حلول الشتاء ومن الممكن أن أنتظر لنحو 6 أشهر أخرى".

ويتابع عمار: "أنا أعمل بعمل جيد، وبمرتب جيد، لكنني أشعر دوماً بأنني مهدد بالترحيل إلى سوريا، خاصة بعد التصريحات الرسمية عن إعادة اللاجئين إلى بلادهم، ويضاف إلى ذلك تصاعد خطاب العنصرية تجاه السوريين".

"لم يكن هذا الخيار رفاهية بالنسبة لي، بل أقدمت عليه مضطراً تاركاً ورائي عائلتي ومضحياً بعملي"، ويضيف عمار: "أعلم جيداً منذ البداية حجم المخاطر خلال رحلة اللجوء، لكن شعور الإنسان بالاستقرار حاجة أساسية لا تستقيم الحياة من دونها، فكيف يكون الشعور بعد التهديدات بترحيلنا، وسط الحديث المستمر عن مصالحة مرتقبة بين تركيا والنظام السوري".

ومن جانبه، يقول الشاب السوري "عبيدة. ع"، الذي وصل حديثاً إلى ألمانيا: "بقيت في تركيا أكثر من عام ونصف لم أستطع خلال تلك الفترة استخراج بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك)، رغم محاولاتي الحثيثة ودفع مبالغ كبيرة لعدة سماسرة".

ويضيف عبيدة لـ"تلفزيون سوريا": "لم أكن أفكر بالخروج من سوريا بسبب ظروفي العائلية، لكن أصبح بقائي في مناطق سيطرة النظام السوري بعد تخرجي من الجامعة يشبه الكابوس، وذلك نتيجة حملات التجنيد الإجباري والملاحقات الأمنية والظروف المعيشية الصعبة".

ويتابع عبيدة: "لذلك لم يكن لي أي خيارات في تحديد مستقبلي إما أن أعود إلى سوريا أو أبقى مسجوناً في تركيا داخل المنزل لا أستطيع التحرك أو شراء حاجياتي الأساسية من البقالة الموجودة في شارعنا، خوفاً من مصادفة دورية للشرطة".

وبات ملاحظاً بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية تصاعد الأحاديث المتعلقة بين اللاجئين السوريين في تركيا عن الهجرة إلى أوروبا، ويأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد وتيرة العنصرية وخطاب الكراهية في تركيا ضد اللاجئين من قبل بعض الأحزاب التركية المعارضة، فضلاً عن الحديث عن المصالحة مع النظام السوري وإعادة اللاجئين إلى بلادهم، ويضاف إلى ذلك الصعوبات التي تواجه السوريين في الحصول على الأوراق الرسمية، ناهيك عن عمليات الترحيل إلى الشمال السوري، في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار وتدني الأجور وازدياد نسبة التضخم.

هل توقفت موجة الهجرة مع حلول الشتاء؟

موقع "تلفزيون سوريا" تواصل مع لاجئين يقيمون حالياً في مراكز اللجوء في بلغاريا وصربيا، حيث أوضحوا أن أعداد طالبي اللجوء السوريين انخفضت قليلاً، بسبب دخول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، لكن ما يزال تدفق السوريين مستمراً بشكل لافت وهو أمر غير معتاد خلال هذه الفترة من العام عادة.

وعن أسباب تواصل هجرة السوريين إلى أوروبا رغم الظروف القاسية، ذكرت المصادر أن السبب يعود إلى أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة في البلدان التي يعيشون بها، أو بسبب تراخي المراقبة على الحدود بشكل نسبي خلال هذه الفترة من العام، مقارنة مع فصل الصيف الذي تبلغ فيه موجة الهجرة ذروتها.

وأشارت المصادر إلى أن طالبي اللجوء يسابقون الزمان للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد الحديث عن تشديد مراقبة الحدود، حيث تعهد زعماء المجر وصربيا والنمسا، قبل نحو شهر، باتخاذ إجراءات جديدة لوقف تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، وترحيل "المهاجرين غير الشرعيين" وإنشاء مناطق خارج حدود الكتلة لتقديم طلبات اللجوء.

وازداد عدد طلبات اللجوء في الدول الأوروبية والنرويج وسويسرا بنسبة الثلثين في النصف الأول من العام الجاري مقارنة بـ2021، ليتجاوز 400 ألف طلب، وسجل حزيران الماضي ثاني أعلى معدل شهري منذ أزمة اللجوء في 2015.

الهجرة.. سلاح سياسي أم ملف إنساني؟

منذ موجة الهجرة السورية الكبرى عام 2015، أدركت دول الجوار التي استقبلت ملايين اللاجئين أهمية ملف الهجرة، باعتباره ورقة ضغط مهمة على الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي، وبات الملف سلاحاً فعالاً بيد الحكومات للمناورات السياسية مع أحزاب المعارضة داخل بلدانها، وخارجياً مع الأطراف الفاعلة في النزاع السوري.

وأسفرت هجرة السوريين باتجاه أوروبا خلال السنوات الأخيرة عن أزمة كبيرة واجهت الدول الأوروبية، التي انقسمت فيما بينها بين فئة اعتمدت سياسات متشددة تجاه اللاجئين وأخرى مرحبة، وفي اتجاه موازٍ، أثارت هجرة السوريين أيضاً أزمات على الساحة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وتحولت إلى ورقة للمساومات وتحصيل المكاسب السياسية، حيث يتهم الاتحاد بعض الدول الحدودية معه بـ"التلاعب" في قضية اللاجئين وبتسهيل عبورهم انتقاماً من أوروبا أو لـ"تحصيل مكاسب".