icon
التغطية الحية

لماذا يعتبر الشاب الذي ينشر بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي أقل رجولة من غيره؟

2023.07.14 | 15:05 دمشق

لماذا يعتبر الشاب الذي ينشر بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي أقل رجولة من غيره؟
لماذا يعتبر الشاب الذي ينشر بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي أقل رجولة من غيره؟ - (تعبيرية - إنترنت)
Yahoo News -ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

سواء للأفضل أم للأسوأ، هنالك حدود جندرية تفصل مجالات معينة في حياتنا، إذ تخصص متاجر الألبسة أقساماً للنساء وأخرى للرجال، وثمة أطعمة تعتبر مخصصة للرجال وأخرى للنساء، بل هنالك أيضاً مشروبات يضفى عليها بريق جندري محدد.

في بحث نشر مؤخراً، تم التوصل إلى أن تلك الفروقات التي ترسم صوراً نمطية جندرية قد وصلت إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تبين بأن هنالك مسحة أنثوية تضفى على الرجال الذين ينشرون كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك ضمن ظاهرة يشار إليها باسم: "الصورة النمطية الأنثوية للنشر المتكرر على وسائل التواصل"، وقد لاحظ الخبراء هذا الفرق من خلال أربع تجارب شملت 1300 مشاركاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

ليس من الرجولة أن تنشر على وسائل التواصل!

يهتم العلماء الذين يدرسون السلوك الاستهلاكي بالتناقضات والخصائص والقيود المرتبطة بالذكورة، ولتلك الديناميات تداعيات أبعد بكثير على عالم التسويق، فمن المعروف مثلاً بأن منتج الكولا الخالي من السكر قد أنتج كبديل عن الكولا المخصصة لمن يتبعون حمية غذائية، وهذا المنتج يستنكر الرجال على أنفسهم استهلاكه نظراً لارتباطه بالنساء الراغبات بخسارة الوزن. وثمة نزعة بين الناس ترى بأن من غير الرجولة أن ينام المرء كثيراً، وذلك لأن الحاجة للراحة مرتبطة بالضعف.

وصلت تلك الأفكار لوسائل التواصل الاجتماعي، إذ تشير الإحصائيات إلى أن الرجال والنساء يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي بطرق مختلفة، إذ مثلاً، يميل الرجال لاستخدام منصات أقل في الغالب الأعم، ولا ينشرون بكثرة كما تفعل النساء على تطبيقات مثل إنستغرام.

وهنا تساءل الخبراء: هل للفروقات الجندرية المفترضة سبب في ذلك؟ وهل ثمة أحكام جائرة تطلق على الرجال الذين ينشرون على وسائل التواصل الاجتماعي؟

لمعرفة الجواب على هذا السؤال، أجرى الخبراء سلسلة من التجارب طلبوا من المشاركين خلالها تقييم الرجل الذي ينشر بشكل متكرر أو نادر على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه رجل عادي أو متوسط الرجولة أو أن ذلك شيء مألوف بالنسبة للرجال. ولرسم صورة أوضح، وصف العلماء هذا الرجل بأنه ينشر على الشابكة بهدف التسلية، ولديه عدد لا بأس به من المتابعين.

فما كان من المشاركين إلا أن قيموا هذا الرجل بأن لديه خصالا أنثوية أكثر من غيره بمجرد أن سمعوا بأنه ينشر كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يعرفوا أي شيء عن عمره ومستوى تعليمه وثروته ومنصة التواصل الاجتماعي التي يفضلها، كما قيد العلماء جنس المشاركين وأعمارهم ومعتقداتهم السياسية واستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي في هذه الدراسة.

تجدر الإشارة إلى أن الخبراء استعانوا بالسيناريو نفسه ليصفوا سلوك النشر لدى الامرأة، فلم يكن لنشرها على وسائل التواصل بشكل متكرر أي تأثير على مدى أنوثتها بنظرهم.

النفور من الظهور بمظهر من هو بحاجة للآخرين

إذن، ما السبب الكامن وراء هذا الأثر غير المألوف؟

تبين للخبراء بأن الشخص الذي ينشر كثيراً على الشابكة، بصرف النظر عن جنسه، يصنف كشخص يسعى للفت أنظار من حوله والحصول على تأييدهم، إلا أن ذلك يعكس شعوراً بالاحتياج يترجم كخصلة أنثوية لدى الرجال.

كشف الخبراء أيضاً بأن رفض الخصال الأنثوية مسألة حاسمة بالنسبة للأفكار التقليدية عن الرجولة، في حين أن رفض الذكورة أو الرجولة ليس مسألة حاسمة بالضرورة في الصورة التقليدية عن المرأة، وماتزال الإعلانات التجارية والبرامج التلفزيونية والأفلام والأغاني تعزز تلك الأفكار التي تُظهر الرجل بمظهر الإنسان الذي يتحمل الألم والمكتفي بذاته، غير أن صورة الرجل تتحول إلى نقيض ذلك إن نشر بشكل متكرر على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بحسب النتائج التي توصل إليها الخبراء.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ تبين بأن الصورة النمطية الأنثوية المرتبطة بالنشر كثيراً أصبحت أعند وأعتى بكثير مما توقعنا لها، فقد أجرى الخبراء محاولتين لتجربتين تسعيان للسيطرة على تلك الفكرة الظالمة والحد منها، إلا أنهما باءتا بالفشل.

في البداية، درس العلماء إن كان الحكم على الرجال يتغير في حال مشاركتهم لمحتوى عن آخرين، وقارنوه بالحكم الذي يطلق على الرجال الذين ينشرون محتوى عن أنفسهم، فوجدوا أن النظرة التي تدور حول هذا الشكل من سلوك النشر ترى بأن هذا الرجل يراعي غيره ويحترم رغباتهم، دون أن يسعى للبحث عمن يشاطره الرأي أو يؤكد له أفكاره. بعد ذلك، درس العلماء المؤثرين الذكور، بما أنهم ينشرون كثيراً لأسباب احترافية، وهل يتعرض هؤلاء للتنميط نفسه.

ولدهشة الخبراء اكتشفوا بأنه في كلتا الحالتين اعتبر المشاركون الرجل الذي ينشر كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي بأن لديه الكثير من الخصال الأنثوية.

تعريف أوسع للرجولة

ثمة الكثير من الأمور التي لا نعرفها عن هذا التحيز الغريب، إذ مثلاً، لم يتضح إلى أي مدى تؤثر هذه الصورة النمطية على طريقة الحكم على الرجال في ثقافات مختلفة، إذ في الوقت الذي ينظر فيه للرجل الذي يظهر بمظهر المحتاج لغيره على أنه أقل رجولة في مختلف بقاع العالم، اقتصر البحث المذكور هنا على مشاركين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وهنالك نقطة حاسمة أخرى: كيف بوسعنا أن نحطم الرابط بين كثرة النشر والأنوثة؟ تشير الدراسة إلى أن هذا الرابط دائم وباق لكونه يعبر عن ديناميات جندرية متأصلة.

ومع ذلك، من الجدير أن نبحث كيف يمكن لهذه المنصات أن تحد من انتشار تلك الأفكار المتحيزة من خلال تصميمها وبنيتها، إذ مثلاً، يشجع تطبيق BeReal مستخدميه على مشاركة صورهم قبل تعديلها في وقت محدد من اليوم، وإجراءات من هذا القبيل تؤكد أصالة المرء ومصداقيته، وتشدد على تحديد وقت معين، وتولي مجتمعها أهمية كبيرة، فهل هذه هي الوصفة السحرية اللازمة لتغيير حالة التلازم بين النشر والسعي للحصول على تأكيد وموافقة من قبل الآخرين؟

من الجدير بالذكر هو أن الرجال يشهدون مستويات تاريخية من العزلة الاجتماعية، وهذا ما يتسبب لهم بعواقب سيئة تؤثر على صحتهم العقلية، ومن المحتمل لهذه الأزمة أن تتفاقم مع انتشار هذه الأفكار المتحيزة التي تمنع الرجال من الحديث عن مشاعرهم ومشكلاتهم كما تحرمهم من طلب المساعدة من غيرهم، إذ كشفت الصورة النمطية الأنثوية للنشر المتكرر عن حالة أخرى يُحكم من خلالها على الرجال بأنهم يحاولون التعبير عن أنفسهم ويسعون لبناء علاقات اجتماعية عبر تلك المنصات.

في عام 2018، كتبت كلير كين ميلر وهي مراسلة لصحيفة نيويورك تايمز: "هنالك طرق كثيرة لتكوني امرأة وطريقة واحدة لتكون رجلاً"، سواء في الثقافة الغربية أو في مختلف بقاع العالم، ولكن ما المطلوب حتى نوسع من أفق هذا التعريف الضيق للرجولة؟

المصدر: Yahoo News