لا خوف على مستقبل يصنعه الشباب

2022.11.06 | 06:21 دمشق

لا خوف على مستقبلٍ يصنعه الشباب
+A
حجم الخط
-A

غالباً ما يتم ربط الثورة السورية، بالشباب بكونها حققت شيئاً خارجاً عن الحسابات السياسية، التي ترسمها المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية مشكلةً صوراً أقرب إلى الواقع الذي يتحرك به العالم.

عند بداية الاحتجاجات السورية، لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع خروج الناس إلى الشارع لأجل المطالبة بالتحول الديمقراطي، حتّى الكثير من المعارضين السوريين وصفوا الحراك حينئذ بأنّه سبق المعارضة السورية التي تعرضت في خضم ربيع دمشق لاعتقالات ونفيٍ في أماكن أخرى، ولم يكن من الأساس طرح الثورة متوفراً ضمن أدبيات المثقفين السوريين باعتبار أنّ البلاد تُحكم بقبضة عسكرية يصعب التمرد عليها، مع وجود تجارب غير مشجعة ساهمت بتشكيل وعيٍ جمعي عماده الخوف الحذر.

ربما من سبب انحراف مسار الثورة بعد اندلاعها هو الفعل السياسي للثورة، مع تقديري لضرورته بوصفه حاجة وليس رفاهية

لكن، قد لا يعود ذلك إلى محدودية التفكير أو الانغلاق على واقعٍ ضيق بقدر إهمال ضرورة التفكير بالمثاليات، أو ما يطلق عليه "المدرسة المثالية" في العلاقات الدولية، التي على ما يبدو هي من تشكل الواقع أو على الأقل تتفاعل معه، ما حدث في النموذج السوري شيء من الخيال والطوباوية والحلم بمثاليةٍ غير متوقعة، وهذا يدفع للقول إنّ إهمال المثاليات بما فيها الشعارات التي تشكل حالة إنسانية نموذجية قد يؤدي لقصورٍ في التفكير، قد لا أتفق مع جون لوك بالمطلق حول طبيعة الإنسان الخيرة وأحمل ذات الموقف من توماس هوبس حول عدوانية الإنسان، لكن على الأقل يمكن إدراك أنّ الإنسان بطبيعته صاحب خيال، الخيال ذاته الذي جعل حركية المجتمعات الأوروبية نحو المجتمع المدني غير مسبوقة ساهمت بتأسيس دول متقدمة، أو بمعنى أقرب ألهم أمانويل كانط لحديث عن عالمٍ واحد فقط.

ربما من سبب انحراف مسار الثورة بعد اندلاعها هو الفعل السياسي للثورة، مع تقديري لضرورته بوصفه حاجة وليس رفاهية، لكن هذه الحاجة أدرك النظام في سوريا حيثياتها ومدخلاتها وهو بالعموم ماهر بها بطبيعة الممارسة على عكس معارضة ذات طبيعة متمردة أكثر من كونها منضبطة وتحمل مكنونات براغماتية، لا سيما أنّها أمضت إمّا في المعتقلات أو في المنفى مما جعلها بعيدة عن الاحتكاك بالشارع غير مدركة لحركة الجماهير، وفي المجمل المعارضة قبل الثورة كانت نخبوية للغاية لا يربطها مع الشعب السوري أي شيء، وإمّا معارضة ذات خبرة ضعيفة أي تلك التي انبثقت عن شبابٍ كان همه الوحيد الثورة بمفهومها العام غير المفسر، أكثر من تحمل مسؤوليات غير متعود عليها مثل؛ بناء مؤسسات دولة.

ومما لا شك به، الثورة السورية بعد مرور عقدٍ ونيف ليست في أحسن أحوالها على صعيد المجتمع لكنها على الأقل في مستويات متقدمة من ناحية الوعي، لدى سوريا شباب جديد واعد يملك أدوات مؤثرة في المجتمع لا تعرفه المعارضة، ولا الثورة لكنه تشرّب مبادئها بانضباط أكبر بحكم احتكاكه بمجتمعات غربية ذات طبيعة مختلفة عمّا كانت عليه في سوريا، قد يدفع ذلك للقول إن كانت معركة الثورة لأجل الحرية فالإنسان السوري تحرر بالفعل، وإن كانت لأجل إسقاط النظام فهذا يحتاج إلى عقول جديدة وأدوات أكثر فعالية أي جيل جديد.

الحقيقة، مؤخراً بات هناك نموذج سوري واعد من المهم التركيز عليه، وهو "اتحاد طلبة سوريا" هذا النموذج الذي استطاع بناء حالة تنظيمية غير مسبوقة ربما في المشهد السوري أكثر من 17 ألف طالب سوري منضبطين ضمن كيان طلاب شبابي متوزعين على عدة دول، يتعاملون مع الواقع مع فهم سياقاته والهوامش المتوفرة آخذين بعين الاعتبار أهمية التحرك ضمنها بحذر ودقة وانسيابية عالية وبعض المهارة السياسية.

يمكن القول إنّ طلبة سوريا خاضوا معركة مناصرة بأدواتهم وبما يملكونه من وعيٍ في الإطار الوطني، أكثر من كونها معركة سياسية مع مسؤول

ثمة موقف أبداه الاتحاد مؤخراً خلال سجاله مع القنصل التونسي "حمادي اللواتي" على هامش مؤتمر اتحاد طلبة تونس يعبر عن وجهة النظر هذه، أي وعيٍ جيد ويعكس القدرة على لعب أدوارٍ مهمة في القضية السورية، الأهم في الموقف ليس تهديد منصب سياسي عربي بسبب تهجمه على الثورة السورية، بقدر التضامن غير المسبوق الذي أبدته الحوامل الاجتماعية ولا سيما الطلبة في 50 جامعة بين سوريا وتركيا وطلبة متفرقين في دول العالم، أضف إليها المؤسسات السورية التي كانت مهتمة بشكل غير مسبوق بما قام به الاتحاد حتّى باتت تلك القضية ضمن أهم القضايا الاجتماعية ضمن السياق السوري.

في الواقع، الأهمية تكمن في قراءة ما بين السطور أكثر من الموقف، فيمكن القول إنّ طلبة سوريا خاضوا معركة مناصرة بأدواتهم وبما يملكونه من وعيٍ في الإطار الوطني، أكثر من كونها معركة سياسية مع مسؤول، هذا الفعل يجب أن يدفعنا للتفكير بجدية طرح تأثير الثورة السورية في الإنسان السوري، لكن ليس من المنظور التقليدي المعتاد والأهم يجب أن يذكرنا الحدث بأنه لا خوف على مستقبلٍ يصنع شبابا يعاند الظروف ويعمل على توسيع الهوامش لتصبح مساحات.