الحراك الطلابي السوري خارج سلطة الأسد.. استعادة الانخراط في القضية الفلسطينية

2023.11.23 | 06:56 دمشق

آخر تحديث: 23.11.2023 | 06:56 دمشق

ؤر
+A
حجم الخط
-A

اتسم الحراك الطلابي السوري بخصوص القضية الفلسطينية إبان حكم نظام الأسد بالتوجيه المباشر والسلطوي من قبله عبر تعبئة الجامعات بقرارات هرمية ملزمة لأجل النزول للشارع ونصرة القضية الفلسطينية بهدف الاستثمار بها لصالح تكريس السلطة الشمولية في سوريا، لذلك لطالما كانت القضية الفلسطينية غير معبّرة عن الشارع السوري كما يريد بشكل مباشر خلال تلك الحقبة بقدر تعبير نظام الأسد عنها وفق ضوابط استبدادية وهوامش ضيقة جداً لا تمس السلطة وإنما مكرسة لها وامتداداً لمشروعها السياسي أكثر بكثير من التعبير عن القضية الفلسطينية نفسها، بطبيعة الحال لاختلاف تعبير الشارع السوري عن تعبير الأسد للقضية الفلسطينية.

لحظة الثورة السورية كانت فارقة في تحديد بوصلة الشعب السوري ليس تجاه نفسه وحسب وإنما فيما يتعلق بتحديد موقف مستقل لأول مرّة خاصة حول القضية الفلسطينية التي جعلها الأسد أهم أدواته في صراعه مع الشارع السوري؛ الذي اختار إعادة تعريف موقفه من فلسطين وقضيتها لكن هذه المرّة من دون سلطات توجه وتفرض وبعيداً عن الأسد. كانت النقابات التي نشأت خلال عقد الثورة امتداداً للشارع الذي أصبح شعاره "لا للاستبداد ولا للاحتلال" وهكذا تمايز عن الأسد وربما عن كل أنظمة المنطقة العربية خارج إطار الثنائيات "حكم الشعوب المؤبد في ظل الأنظمة المستبدة".

شهد الحراك النقابي الطلابي في سوريا خارج مناطق سيطرة نظام الأسد عقب حصار غزة نهاية العام 2023 في اختبار أول لنقابة اتحاد طلبة سوريا على الصعيد العربي والتمازج مع القضايا الإقليمية ومناصرتها تضافر وتنظيم غير مسبوق على الصعيدين الداخلي أي في مناطق المعارضة السورية أو حتى في النطاق الإقليمي. حيث نظّم الاتحاد في الجامعات السورية شمالي سوريا بمظاهرات واسعة في الجامعات للتأكيد على مناصرة القضية الفلسطينية بجانب السورية، كذلك طلبة سوريا في تركيا انضموا للحملات الجامعية على صعيد التظاهر أو الاضراب وذلك جاء بعد دعوة عامة قام بها اتحاد طلبة سوريا لاتحاداته الفرعية لنصرة القضية الفلسطينية بالأدوات المتوفرة في السياق الجامعي.

اللافت إطلاق طلبة سوريا في الداخل السوري رغم الظروف الاقتصادية الصعبة حملات مختلفة لجمع التبرعات لأهل غزة مثل اتحاد جامعة الباب؛ الأمر الذي وكّد عمق القضية الفلسطينية لدى الشارع السوري بالتحديد الطلبة الذين لم يحتاجوا لإعادة تقييم المواقف العامة للفاعلين في القضية الفلسطينية الذين وقفوا مع الأسد لمناصرة القضية.

وسّع اتحاد طلبة سوريا عمله بعد نجاحه على المستوى الداخلي بدعم القضية الفلسطينية ونقل نشاطه ليكون جزءًا من حراك عربي واسع تشكّلت أول خيوطه في سوريا ثم من إسطنبول بعدما حضر الاتحاد لقاء مشتركاً مع الاتحادات العربية في تركيا لأجل دعم القضية الفلسطينية بالتوازي مع حملات المقاطعة التي قامت بها اتحادات فرعية طلابية منضمة لاتحاد طلبة سوريا في ريزا، وسرعان ما تعززت تلك الخطوات المهمة من ثقة الاتحادات الطلابية في الوطن العربي بالاتحاد الطلابي السوري الناشئ الذي في الأصل يمثّل صوت الشارع السوري الطلابي بشكل مستقل بعيداً عن نظام الأسد أو حتّى سلطات أمر الواقع.

ساعد ذاك التدرج في الوصول إلى المنصات الإقليمية بعد تعاون مشترك انطلق مع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ومن ثمّ تحوّل لفرصة لحضور الاتحاد إحدى أهم اللقاءات العربية الدولية بوجود عشرات الاتحادات العربية؛ حيث مثّل اتحاد طلبة سوريا دولة سوريا عوضاً عن التمثيل الذي لطالما احتكره نظام الأسد واتحاده الطلابي الذي يعتبر أداة أمنية لتطويع العمل النقابي تحت عنوان "ندوة طلابية دولية؛ كيف ندعم طوفان الأقصى ونحارب التطبيع" إذ استهل الاتحاد كلمته في تصويب مناصرة القضية الفلسطينية انطلاقاً من رفض فكرة "المناصرة الاحتوائية" التي تقوم على منح الشارع العربي هامشاً من الحرية لرفض الاحتلال دون الاقتراب من الأنظمة الوظيفية التي تعتبر مصدر مشكلات الشارع العربي.

نوّه الاتحاد لمدى تماهي الاحتلال والاستبداد في تكميم أفواه الشعوب العربية ولا سيما الطلبة الذين يمكن اعتبارهم أصل عصارة تشكيل النضال العربي ضد فكرة الإذلال للمواطنين، ثم انتقل اتحاد طلبة سوريا للإشارة إلى جرائم نظام الأسد في سوريا بحق شعبه؛ كانت هذه الندوة فرصة لطلبة سوريا لإيصال صوتهم للاتحادات الطلابية العربية بحضور اتحادات؛ المغرب، تونس، موريتانيا، الكويت وغيرهم عدة اتحادات طلابية "رسمية" في دول عربية مختلفة، كذلك مساحة جيدة للتأكيد على أحقية النقابات السورية خارج سلطة الأسد بمناصرة القضية الفلسطينية عوضاً عن أجسام نظام الأسد.

كما وقّع الاتحاد على بيان عربي مشترك للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة والتضامن الكامل غير المشروط مع الشعب الفلسطيني. وبالسوية نفسها شارك الاتحاد بدعوة من طلبة الكويت في حملة طلابية عربية واسعة تحت عنوان "جهزوا مفاتيحكم" في مناطق سورية وتركيا.

بينما لم يكف اتحاد طلبة نظام الأسد في الاستثمار في القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي تنتفض السويداء مطالبة الأسد بالرحيل واصل هو تجاهل تلك المطالب، وتحريف الشارع تجاه القضية الفلسطينية خاصة عبر أجسامه المدنية مثل "الاتحاد الوطني لطلبة سورية" الذي كعادته أجبر الطلاب رفع صور الأسد خلال تظاهرات من المفترض أن تكون داعمة لفلسطين وليس الأسد، بينما غابت نقابة الأسد الطلابية بشكل شبه تام عن الساحة الإقليمية أو فقدت التواصل مع الاتحادات الطلابية العربية رغم مسار التواصل التقني مع الأنظمة العربية.

اختارت الاتحادات الطلابية العربية الشرعية عوضاً عن السلطة عندما توجهت للطلاب السوريين الذي قرروا تشكيل نقابة طلابية تمثل تطلعاتهم ممثلاً باتحاد طلبة سوريا في نضال مشابه يخوضه طلبة غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ وبهذا ضاقت مساحة عمل نقابات اتحادات النظام لصالح نقابات الشعب السوري الطلابية التي نالت احترام الاتحادات الطلابية العربية، لتكون هذه المرّة القضية الفلسطينية تعبير طلبة سوريا وحدهم عن القضية الفلسطينية في العمق العربي، عوضاً عن أدوات الأسد.

إنّ تطور أدوات التواصل وانتقالها من السلطة إلى الشارع سبب رئيسي في اتساع قدرة العمل المشترك خارج نطاق تلك السلطات ولا سيما في سوريا، وفي ظل تقليدية أدوات الأسد التي تقوم على منع أي تواصل خارج حدود السلطة فقد اتحاد النظام انسيابية التواصل مع الطلبة العرب الذي بدورهم لم يعبروا هذه المرّة عن أنظمتهم ودولهم بقدر تعبيرهم عن أنفسهم ومطالبهم، وربما هذه أهم آثار الربيع العربي القابلة للقياس كيف فقدت تلك الأنظمة وسائل التحكم بنقاباتها الطلابية على حساب الشارع.