icon
التغطية الحية

كيف يؤثر إغلاق مراكز الدعم النفسي في تركيا على اللاجئين السوريين؟

2022.06.01 | 12:49 دمشق

dm-nfsy-fy-astnbwl.jpg
إسطنبول ـ يامن مغربي
+A
حجم الخط
-A

يتعرض اللاجئون السوريون في تركيا للعديد من الضغوطات في حياتهم اليومية، سواء كانت ضغوطات اجتماعية أم سياسية أم اقتصادية، تُضاف إلى ما عاناه كثير منهم في سوريا، كالتعرض لانتهاكات النظام السوري بدءاً بالاعتقالات، ومعايشة المعارك وقصف الصواريخ والطائرات الحربية لمدنهم وقراهم، عدا عن الحصار والجوع، والظروف الصعبة التي خاضوها قبل لجوئهم إلى تركيا، من خسران وفقد وما نتج عنها من صدمات نفسية متتالية. 

ومنذ عام 2013 تقوم منظمات متخصصة بتقديم الدعم النفسي للاجئين السوريين في تركيا، استفاد منها مئات السوريين في مختلف المدن التي شهدت وجودا سورياً كثيفاً، كإسطنبول وغازي عنتاب وأورفا وغيرها.

تعتمد هذه المنظمات على دعم مالي من منظمات دولية، أميركية وأوروبية لتقديم هذه الخدمات، حالها حال مئات المنظمات الأخرى في مختلف التخصصات، إلا أن الظروف الدولية الحالية، السياسية والاقتصادية، وجمود الملف السوري سياسياً من جهة والتعقيدات التي يواجهها ملف اللاجئين السوريين دولياً أدت إلى توقف الدعم عن هذه المنظمات، ما أدى لإغلاق العديد منها، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على كثير من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.

ويعيش في تركيا، وفق الأرقام الصادرة عن دائرة الهجرة التركية، في أيار الماضي، ثلاثة ملايين و762 ألفا و686 سورياً، يعيش منهم 542 ألفا و602 شخصاً في مدينة إسطنبول.

ما تأثير إغلاق مراكز الدعم النفسي على اللاجئين السوريين؟

يؤدي إغلاق هذا النوع من المنظمات إلى آثار سلبية كبيرة على اللاجئين السوريين، خاصةً وأن هذه المنظمات تقدم خدمات الاستشارات والأدوية المختصة بالطب النفسي، والعلاج النفسي اللادوائي، وخدمة الدعم النفسي غير التخصصي من خلال جلسات جماعية وفردية التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة النفسية، مع الأخذ بعين الاعتبار فارق الخدمات المقدمة بين منظمة وأخرى.

كما أن تقديم هذه المنظمات لخدماتها باللغة العربية، يجعل إقناع المحتاجين للعلاج، ومدته وتفاصيله أسهل على المتلقي بطبيعة الحال.

المنسق التقني للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في منظمة "سامز"، سامر السيد علي، قال لموقع تلفزيون سوريا: إن "توقف الدعم سيؤثر سلباً على محتاجي الدعم النفسي، وسيقلل فرص تلقيهم للخدمات الأساسية والضرورية التي يصعب وجود بديل مناسب لها".

وأضاف "سينعكس هذا الأمر على نطاق واسع لأنه سيزيد من أعباء المؤسسات الحكومية في استقبال المستفيدين من هذه الخدمة، ومن جهة أخرى سينتج عنه بعض المشكلات المتعلقة في إنتاجية هؤلاء الأشخاص على المدى البعيد فكما نعلم فإن بعض أشكال الاضطرابات النفسية تؤثر على الأداء الوظيفي للأفراد وبالتالي ينتج عن ذلك مشكلات اقتصادية واجتماعية".

هل تغيرت النظرة السائدة إلى الطب النفسي بين السوريين؟

قدمت المنظمات المختصة بالصحة النفسية خدمات كثيرة للسوريين الذين لجؤوا إليها لمقاومة المشكلات والاضطرابات التي تعرضوا لها، وذلك بالنظر إلى الخدمات التي من المفترض لهذه المنظمات تقديمها، والتي تتراوح بين تقديم الاستشارات النفسية، وصولاً إلى منح الوصفات الطبية لمحتاجيها.

وأوضح "سيد علي"، لموقع تلفزيون سوريا، إن "هذه المنظمات تقدم جلسات توعية حول مواضيع متعلقة بالصحة النفسية، وتوفر بعضها خدمات نوعية كإعادة تأهيل الأطفال الذين يعانون من اضطرابات نمائية".

من جهتها قالت الدكتورة والباحثة في الإرشاد النفسي، ثناء فتال، لموقع تلفزيون سوريا، إن "أهمية هذه المنظمات يكمن في الوجود الإنساني، وتغذية الفطرة الإنسانية، وتلعب دور صلة الوصل بين المختصين النفسيين والمحتاجين للدعم النفسي".

وأشارت فتال إلى خدمة مهمة كانت تقدمها هذه المنظمات والمراكز، تتعلق بـ"توفير الحماية المعنوية التي تشعرهم بالأمان ثم إحالتهم إلى أطباء أكثر تخصصاً بسرية كاملة".

ومن الجدير بالذكر أن منظمات الدعم النفسي لعبت دوراً مهماً في تغيير النظرة السائدة لدى شريحة كبيرة من المجتمع السوري باتجاه الطب النفسي، وربطه بفقدان العقل أو الإدراك فقط، دون النظر إلى عشرات التخصصات الموجودة في الطب النفسي، ومئات المشكلات الكبيرة أو الصغيرة التي قد يتعرض لها أي إنسان بغض النظر عن إمكانية حلها من جهة، أو أسبابها من جهة أخرى والتي من الممكن أن يتعرض لها الإنسان في أي مكان نتيجة ظروف مختلفة.

وفي هذا الصدد قال سامر سيد علي لموقع تلفزيون سوريا، "هناك تصورات ثقافية اجتماعية مسبقة عن الصحة النفسية والطب النفسي تربط بين الاضطرابات النفسية والجنون وهو مصطلح اجتماعي- أدبي ليس له وجود في علم النفس والطب النفسي".

وأضاف "لذا فهناك وصمة اجتماعية متعلقة بالاضطرابات النفسية، وتلعب المنظمات دوراً كبيراً في التقليل من حدة هذه الوصمة من خلال التوعية التي تركز على تقديم تفسيرات علمية للاضطرابات النفسية، وهو أحد الأهداف التي تعمل عليها خدمات الصحة النفسية".

وأشار سعيد إلى أن "هذه التوعية تخفف من اللجوء إلى التفسيرات الخرافية والسحرية ويجعل الناس أكثر تقبلاً للعلاج النفسي".

بدورها لفتت الدكتورة والباحثة في الإرشاد النفسي، ثناء فتال، إلى أن "كثيرا من أفراد المجتمع لا يؤمنون بجدوى العلاج، وذلك بسبب أفكار مسبقة عن الطب النفسي باعتباره يرتبط لدى البعض بالجنون، ولعب القائمون على المنظمات دوراً في إقناع هذه الشريحة بجدوى العلاج عبر تقديم نماذج ناجحة تحدثت عن تجربتها، والأهم استهداف الفئة المحتاجة للدعم بشكل حقيقي".

للوهلة الأولى، ربما يبدو القلق من إغلاق منظمات مختصة بالصحة النفسية لأبوابها، وسط كل الأزمات التي يعيشها السوريون في تركيا في الوقت الحالي "ترفا"، في ظل انسداد أفق وجود حل حقيقي لمعاناتهم على جميع المستويات، إلا أن دور الطب النفسي في حياة السوريين آخذ في التغير، ولا يمكن إنكار دوره اليوم في تحسين حياة السوريين إلى الأفضل، أو على الأقل مساعدتهم على الصمود في وجه الضغوطات التي يتعرضون لها.