قنبلة إيران التي ستسبق الاتفاق النووي أو تولد معه

2022.09.01 | 07:29 دمشق

إيران
+A
حجم الخط
-A

يجتهد الرّئيس الأميركي الدّيمقراطيّ جو بايدن في التّأكيد لجميع حلفائه الغاضبين من مساعيه المحمومة لإنجاز الاتّفاق النّوويّ مع إيران بأنّه لن يسمح وتحت أيّ ظرف بأن تمتلك  سلاحًا نوويّا.

يأمر كذلك بتنفيذ عمليّات محدّدة ومحدودة ضد أهداف إيرانيّة في سوريا لخلق ثقة في نيّته عدم التّساهل مع إيران، ولكنّ كلّ المعلومات المعلنة حول مشروع إيران النّوويّ تقول إنّها اقتربت للغاية من إنتاج سلاح نوويّ ما لم تكن قد نجحت في إنتاجه بالفعل.

المماطلة الطّويلة خلال الفترة السّابقة المقرونة بتفعيل التّدخل الميليشيويّ في المنطقة، ورمي شروط فرعيّة ثم التّراجع عنها، بينما يتم في الوقت نفسه تفعيل النّشاطات المتعلقة بالتّخصيب يؤكد أنّ إيران لن تجري اتّفاقّا نوويّا من شأنه تقليص نفوذها وحرمانها من القدرة على اللّعب ضمن استراتيجيّتها الدّائمة المبنيّة على التّفاوض بالتّصعيد.

الحرب الأوكرانيّة فرضت تقليص النّشاطات الرّوسيّة في سوريا  وكذلك الأمر بالنسبة للأميركيّين، ولم تكن الضّربة الّتي جرت منذ أيام سوى محاولة لتحريك الملفات وإطلاق الرّسائل

وكانت الحرب الأوكرانيّة فرضت تقليص النّشاطات الرّوسيّة في سوريا  وكذلك الأمر بالنسبة للأميركيّين، ولم تكن الضّربة الّتي جرت منذ أيام سوى محاولة لتحريك الملفات وإطلاق الرّسائل.

إيران هي المستفيد الأكبر من انسحاب القوى الكبرى من السّاحة السّوريّة، حيث عملت على تعزيز مواقعها فيها بشكل أثار حفيظة حليفها بشار الأسد، وكشف عن بروز خلافات عميقة بينها وبينه تمثّلت في مطالبته بتسليمه الأسلحة الثّقيلة التي كانت قد صادرتها بحجة استعمالها  في الأعمال الحربيّة، ولكنّها  بقيت سليمة وترفض إيران وميليشياتها إرجاعها، ويبدو أن من ضمنها ترسانة من السّلاح الكيميائيّ ما يؤكد على رغبة إيران في امتلاك أسلحة غير تقليديّة.

تسعى إيران إلى تمكين نفوذها بكل الطرق ليس في سوريا وحسب ولكن أيضا في اليمن الّذي يشهد خروقات يوميّة للهدنة، وفي العراق الّذي ينفجر فيه صراع، يشكّل نفوذها عنوانه الأبرز. الأمر نفسه في لبنان الّذي تحتلّه أبرز ميليشياتها الّتي تحمل اسم "حزب الله" وتحوّله إلى مستودع سلاح ومعمل مخدّرات.

الاتّفاق النّوويّ بصيغته المعلنة والمطروحة يمكن أن يؤمن لها انتعاشّا اقتصاديًّا ما، ولكنه من ناحية أخرى سيضعها تحت المجهر الدّولي بشكل مكثّف، وسيحد من نشاطاتها كما أنّ شبكة العقوبات التي لا تتّصل به مباشرةً ستبقى قائمة.

يضاف إلى ذلك تناقض النّظرة إليه بين السّلطة وبين النّاس. نظام الولي الفقيه يحرص على تصويره على أنّه انتصار في الأيديولوجيا والشّعارات بينما لا يهتم الشعب الإيراني به إلا لناحية كونه يساهم في تخفيف وطأة الانهيار الاقتصاديّ الحاد الّذي دفع بقسم كبير من الإيرانيّين إلى حافة الجوع والبطالة.

من هنا فإنّ قنبلة إيران النّوويّة الّتي يمكن المغامرة بالاستنتاج أنّها ستظهر قريبا إلى النور تشكل روح الأيديولوجيا الإيرانيّة لشّحن الأيديولوجيّ منذ فترة طويلة يقوم على ربط المشروع النّوويّ بوجود إيران وقوتها، وتحوّل إلى نوع من العقيدة، وإلى صيغة نهائيّة من الصيغ الولائيّة الّتي يقارب من خلالها مشروع الولي الفقية الشّأن العام.

تخلّي إيران عن طموح إنتاج قنبلة نوويّة يكاد يكون قراءة ساذجة. أيّ متابع للشأن الإيرانيّ يمكنه فهم كيف حرصت الآلة التعبويّة الإعلاميّة الإيرانيّة على نقل هذا الموضوع من العنوان العسكريّ والاستراتيجيّ إلى مجال الرّوحانيّات والإيمان

تخلّي إيران عن طموح إنتاج قنبلة نوويّة يكاد يكون قراءة ساذجة. أيّ متابع للشأن الإيرانيّ يمكنه فهم كيف حرصت الآلة التعبويّة الإعلاميّة الإيرانيّة على نقل هذا الموضوع من العنوان العسكريّ والاستراتيجيّ إلى مجال الرّوحانيّات والإيمان، وتكريسه بوصفه التّعبير الأقصى عن المجد والنّصر.

تلك القنبلة ستولد من رحم اللامبالاة الأميركيّة والانشغال الرّوسيّ والتّشتّت الأوروبيّ والتّفكّك العربي. ظهورها المتوقع لا يخالف السّياسة الأميركيّة الانسحابيّة في المنطقة إطلاقًا بل يكاد يعبّر عنها ويتماهى معها.

قنبلة نووية إيرانيّة ستطلق قبل كل شيء سباق تسلح محموم في منطقة الخليج بشكل عام، ما من شأنه أن يفعّل علاقاتها مع أميركا من موقع جديد، ويحرمها من النّديّة الّتي تسبّبت بها أزمة النّفط العالميّة الّتي انفجرت على خلفيّة الحرب الأوكرانيّة.

كذلك يتوقع أن يعاد إنتاج العلاقات الأميركيّة الإسرائيليّة لناحية سيطرة أميركيّة أكثر فاعليّة على القرار الإسرائيليّ، ولجم أيّ محاولة إسرائيليّة لشنّ حرب على إيران يمكن أن تتوسع وتتسبب بموجة اضطرابات قد تؤثّر على صراعها مع روسيا في أوكرانيا وعلى كباشها الجديّ مع الصّين.

كانت عمليّة ترسيم حدود الاشتباك قد بدأت تتضح مع حرب غزّة الأخيرة حيث استهدفت إسرائيل فصائل تابعة لإيران من دون أن يستجرّ هذا الأمر حربًا واسعة.

هذا المعطى إذا جمعناه مع واقع استهداف أميركا وإسرائيل للوجود الإيرانيّ الصّاروخيّ في سوريا بالتّفاهم مع الرّوس، يقول إنّ أميركا تنظر إلى السّلاح الصاروخيّ كتهديد وحيد لإسرائيل.

مساعي التخلص منه ستتوصل وستحرص أميركا على بيع الموضوع لإسرائيل على أنه الحماية المطلوبة والحاسمة لأمنها،  بينما قد تعتبر  السّلاح النّوويّ غير قابل للاستعمال، ويؤدي وظيفة الضّبط وربط النّزاع.

السّلاح النّوويّ الإيرانيّ قد يكون الوسيلة التي تُرسم من خلالها حدود النّفوذ في المنطقة وتّضبط، ويعاد وصلها بالنّفوذ الأميركيّ من بوابة عريضة.

قد تكون تركيا الدولة المؤثرة في المنطقة والتي لا تمتلك حتى هذه اللحظة سلاحًا نوويًّا الدولة الأبرز الّذي يرجح أن تطولها التّأثيرات المحتملة لهذا المشروع.

العام المقبل يحمل معه انتهاء مدة معاهدة لوزان التّاريخية التي تمنع تركيا من الاستفادة من الممرات الدولية ومن التّنقيب عن النّفط والغاز

العام المقبل يحمل معه انتهاء مدة معاهدة لوزان التّاريخية التي تمنع تركيا من الاستفادة من الممرات الدولية ومن التّنقيب عن النّفط والغاز. تركيا جديدة مرشّحة للولادة ابتداءً من عام 2023 ويرجّح أن تكون قوّة اقتصاديّة فاعلة.

مفهوم الاحتواء المسبق الّذي تلعب من خلاله أميركا مع العالم يجعلها تحت العين الأميركيّة بقوة، ويجعل تاليًا من التفكير في تأثير امتلاك إيران لقنبلة نوويّة على النّهضة التّركية المتوقعة أمرا أقرب إلى الواقع. يعزّز ذلك كلّ ما عرفناه وخبرناه من إدارة أميركا لسياستها وخصوصًا في مرحلة بايدنيّة تشهد إنفاق مئات المليارات على تحسين الوضع الدّاخلي في أميركا وتطوير البنية التّحتيّة والطّبابة.

تلك القنبلة الإيرانيّة المنتظرة قد تكون وسيلة أميركا لتمكين الجنة الأميركيّة الّتي لا تحيا إلا بتحويل العالم الذي يقع خارجها إلى جحيم.