icon
التغطية الحية

قضايا عالقة تزيد من الشكوك بشأن إخفاء "الأسد" لأسلحته الكيماوية

2020.12.01 | 12:04 دمشق

0_nfsz4mrroonuz2z9.jpg
برايان وايتيكر - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عند انتهاء كل شهر يقوم المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بنشر تقرير بعنوان: "سير العمل في برنامج القضاء على السلاح الكيماوي السوري" وقد صدر خلال السنوات السبع الماضية 86 تقريراً من هذا النوع، إلا أن ما كشفته تلك التقارير لم يكن حول سير العمل في ذلك البرنامج بل حول عدم وجود أي عمل في ذلك البرنامج أصلاً.

إذ بعد أكثر من 20 اجتماعاً مع مسؤولين سوريين لم يتم حل كل الأسئلة التي ظلت بلا جواب، وخلال هذا الأسبوع ستقوم الهيئة الناظمة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية والتي تعرف باسم مؤتمر الدول الأطراف بمناقشة ما الذي يجب فعله حيال هذا الموضوع.

فقد تخلت سوريا (نظام الأسد) عن أسلحتها الكيماوية في عام 2013 عقب هجوم بغاز الأعصاب على الغوطة والذي وجهت فيه أصابع الاتهام إلى نظام الأسد. وفي وجه الاحتجاج الدولي العنيف، وقعت سوريا على معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، فبات لزاماً عليها أن تعلن عن استعدادها لتدمير أو تفكيك كل ما لديها من ترسانة أو ما يتصل بذلك من مصانع للإنتاج تحت إشراف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

وفي البداية بدت الأمور بأنها تسير بشكل جيد بطريقة معقولة ومنطقية، إذ قدم النظام تصريحاته ضمن الفترة الزمنية المحددة، وبحلول عام 2014 تمت إزالة كل المواد الكيماوية المحرمة التي أعلن النظام عن امتلاكه لها من سوريا ثم تدميرها. وقد تحققت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية من عملية التدمير التي شملت كل مصانع إنتاج الأسلحة الكيماوية البالغ عددها 27 والتي أعلن النظام عن وجودها.

اقرأ أيضا: "المقداد لم يرد".. مواجهة قريبة في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية

ولكن بعد ذلك ظهرت هجمات كيماوية أخرى في سوريا عزتها الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية لقوات الأسد. وفي حال ثبتت صحة تلك النتائج، فإن النتيجة الواضحة هي أن النظام لم يكشف عن كل برنامجه الكيماوي عند التصريح عن ذلك.

فقد أعلنت سوريا في بداية الأمر عن وجود أربعة أنواع مختلفة من الغازات التي تستخدم في الحرب الكيماوية، ولكن عقب مشاورات مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أضافت غازاً خامساً إلى القائمة. وبعد مرور ثلاث سنوات تقريباً من بداية تلك العملية، أوردت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أنه ما يزال هنالك أربعة أنواع من الغازات الكيماوية التي تم الكشف عنها عبر أخذ عينات دون أن يشرح النظام بشكل كاف سبب وجودها.

اقرأ أيضا: دفاعا عن النظام: روسيا تهدد بالانسحاب من"حظر الأسلحة الكيماوية

وفي الوقت الذي يمكن أن تعزى فيه بعض حالات الإهمال أو الحذف إلى زلة أو هفوة أو ضعف في عملية حفظ السجلات من قبل المسؤولين السوريين، زادت عمليات التدقيق الأخرى التي أجراها فريق تقييم التصريح التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالإضافة إلى موقف النظام غير المتعاون من الشكوك التي تدور حول الإخفاء المتعمد لتلك الأمور.

ثغرات وتناقضات وفروقات

خلال السنوات القليلة الماضية أجريت العديد من التعديلات على التصريح الأساسي على ضوء ما اكتشفه المحققون وأصرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على عدم قبوله ومراجعته من وثائق واعتبارها أنها وثائق كاملة، وذلك لوجود "ثغرات وتناقضات وفروقات" حسب تعبير أحد المسؤولين في تلك المنظمة.

فعلى سبيل المثال، تظهر السجلات السورية بأن سوريا (نظام الأسد) أنتجت بعض المواد الكيماوية بكميات أكبر مما هو وارد في التصريح، وقد سعى النظام جاهداً لتفسير هذا الفرق وشرح سبب وجوده. حيث ادعى تارة بأنه استخدم 15 طنا من غاز الأعصاب و70 طنا من خردل الكبريت من أجل البحث العلمي، إلا أنه كان من الصعب على المفتشين تصديق أن تلك الكميات استخدمت لهذا الغرض، وذلك لأن الأبحاث العلمية لا تحتاج إلا لكميات ضئيلة.

أما بالنسبة للذخيرة، فقد ظهرت صعوبات ممائلة تمثلت بوجود ألفي قذيفة كيماوية أو أكثر أعلنت سوريا (نظام الأسد) أنها إما استخدمتها أو دمرتها، وذلك بعد ادعائها أنها قامت بتعديلها لأغراض غير كيماوية. وهنا شكك المحققون مرة أخرى في حقيقة ذلك لأن تحويل القذائف إلى أسلحة تقليدية بالكاد يمكن تبريره من خلال النفقات والجهود التي بذلتها سوريا.

اقرأ أيضا: منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تفند ادعاءات نظام الأسد

إذ لاحظ المفتشون خلال إحدى الجولات الميدانية اختفاء بقايا من الذخيرة الكيماوية التي تم تدميرها ومعدات إنتاج وافقت سوريا (نظام الأسد) على الاحتفاظ بها من أجل التحقيق بشكل أوسع، ليأتي مسؤول عسكري ويخبر المفتشين لاحقاً بأنه أرسل كل ذلك إلى شركة صهر محلية وبأنها صهرت جميعها.

وفي مناسبة أخرى أوردتها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في تقريرها خلال العام المنصرم، لاحظ مفتشون أثناء زيارة لهم لمعمل مخصص لصنع الأسلحة الكيماوية سبق التصريح عنه وجود بعض أسطوانات الغاز ضمن طريق فرعي يقع خلف المعمل، فذكرت سوريا (نظام الأسد) أنها سبق أن أعلنت عن كل ذلك، ولكن بحلول تلك المرحلة كان من المفترض أنه تم تدمير كل المواد التي تم التصريح عنها، مما أثار تساؤلات حول سبب بقاء تلك الأسطوانات هناك.

أعمال بناء جديدة

مع اقتراب نهاية عام 2018، زار مفتشون فرعي برزة وجمرايا لمركز الأبحاث والدراسات العلمية (الذي أجرى أبحاثاً على الأسلحة الكيماوية وغيرها من الأمور) فاكتشفوا وجود أنشطة بناء متواصلة في كلا الموقعين، ما دفع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى توجيه سوريا (نظام الأسد) إلى ضرورة إخطار المنظمة مستقبلاً حول طبيعة ومجال أي نوع من تلك النشاطات قبل بدء عملية الإنشاء والتعمير.

وأثناء زيارة موقع برزة قام المفتشون بأخذ عينات أيضاً، فكشفت إحدى العينات عن وجود مادة كيماوية من الجدول 2 ( ethyl ethylphosphonate ) والتي أورد حولها المخبر تقريراً عن أنها "قد تكون منتج التحلل المائي الأساسي" للمادة الكيماوية المدرجة في الجدول 1. إلا أن السلطات السورية ذكرت أنها ستنظر في الأمر، ولكن بعد مرور عامين أوردت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في تقرير لها بأن سوريا (نظام الأسد) "لم تقدم بعد أي معلومات أو تفسيرات فنية وافية" حول هذا الموضوع.

وبالرغم من التعديلات والتنقيحات التي طرأت على التصريح الأصلي الذي قدمته سوريا، إلا أن تقرير سير العمل لهذا الشهر الذي أصدره المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية يكرر على أن العملية "لا يمكن اعتبارها دقيقة ومكتملة"، إذ ثمة 19 قضية عالقة لم يتم حلها بعد.

إحداها تتصل بالخلاف الذي قام حول ما تشير إليه منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على أنه مصنع لإنتاج الأسلحة الكيماوية، لأن سوريا (نظام الأسد) تنكر استخدامها لهذا المصنع لذلك الغرض، في حين أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أعلنت بعد مراجعة سائر الأدلة ومن ضمنها عينات "تشير إلى إنتاج واستخدام غازات الأعصاب التي تستعمل في الحرب الكيماوية كأسلحة"، بأن تلك العملية حدثت في ذلك المكان.

اقرأ أيضا: منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: نظام الأسد متهم باستخدام السارين

هذا ولم يرد اسم ذلك المصنع في التقرير الذي نشر، ولكن تم التعرف من قبل إلى موقعين في سوريا نظراً لتحولهما إلى موضوع للخلاف، إذ ورد وصفهما في مقالة صدرت في مجلة السياسة الخارجية بقلم كوليم لينتش وهو صحافي تمكن من الوصول إلى التقرير السري الذي قدمه فريق تقييم التصريح.

مصانع تحت الأرض

أحد هذين الموقعين هو عبارة عن مصنع تحت الأرض في ضواحي دمشق ويعرف باسم حفير 1. وحوله كتب الصحفي لينتش: "كشفت العينات التي جمعت من الموقع عن وجود مؤكد للسارين في المعدات المستخدمة لخلط الغاز المحرم الذي يستخدم في الحروب تم صبه في صواريخ سكود التي تعود للحقبة السوفياتية أو صواريخ توشكا البالستية التكتيكية. كما كشفت تلك العينات أيضاً عن آثار تعتبر دليلاً سابقاً لوجود غيرها، بالإضافة إلى وجود غاز أعصاب أشد فتكاً، وهو VX الذي لم تعترف سوريا في بداية الأمر باستخدامه في ذلك الموقع. وقد تم اكتشاف المزيد من آثار السارين في وحدتي تعبئة متنقلتين تم ركنهما فوق الأرض بالقرب من ذلك المبنى".

ولدى مواجهتهم بالأدلة قام المسؤولون السوريون حسبما ذكر لينتش: "بتقديم سلسلة من التفسيرات المتطورة والمتناقضة في أغلب الأحيان" مما أثار مزيدا من الشكوك لدى المحققين.

أما الموقع الثاني الذي تحول إلى مثار خلاف فهو مصنع تحت الأرض يعرف باسم الصايد ويبعد مسافة 40 كلم تقريباً عن حمص باتجاه الغرب. وبحسب ما ذكره السوريون فقد خصص هذا المصنع لخلط السارين ولملء الذخيرة به، إلا أن المشروع لم يكتمل. بيد أن عينات التربة التي جمعها المفتشون من الموقع كشفت عن وجود آثار للمكونات الأساسية للسارين.

وخلال الأشهر التي أعقبت هذا الاكتشاف، خرج المسؤولون السوريون (نظام الأسد) بمجموعة من التفسيرات، لم يقنع أي منها مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية من الناحية العلمية وتشمل ما يلي:

  • بسبب العقوبات الدولية اضطرت سوريا إلى تركيب معدات في موقع الصايد تم تفكيكها من مصانع أخرى ومن المفترض أنها تلوثت هناك.
  • بسبب النزاع، اضطرت سوريا إلى نقل المعدات لأنحاء مختلفة من البلاد خشية أن تسقط بيد مقاتلي المعارضة، ومن المحتمل أن آثار المواد الكيماوية قد نقلت عبر إطارات الشاحنات التي قامت بنقل تلك المعدات.

وعندما لم تتمكن تلك المقترحات من التأثير على هؤلاء المتفشين، استحضر السوريون وبشكل مفاجئ تجربة جرت بغاية السرية قبل عقد من الزمان والتي كانت تهدف إلى الجمع بين السارين وVX  ضمن رأس حربي واحد، إلا أن التجربة فشلت، وسببت تسرباً هائلاً وهذا التسرب قد يكون مصدر المواد الكيماوية التي وجدها المفتشون في العينات بحسب ما ذكره هؤلاء المسؤولون.

اقرأ أيضا: منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تضيق الخناق على النظام

إلا أن المؤسف في الموضوع هو أنهم لم يتمكنوا من تقديم أية وثائق أصلية حول هذه التجربة المزعومة.

المصدر: برايان وايتيكر