icon
التغطية الحية

قراءة في تصريحات أنقرة الرسمية حول إعادة السوريين لمناطق يطولها قصف "قسد" وروسيا

2022.04.27 | 06:20 دمشق

12.png
إسطنبول - تيم الحاج
+A
حجم الخط
-A

لا يمكن ربط التطور الأخير بين تركيا وروسيا بشأن وقف السماح بعبور طائرات الأخيرة العسكرية فوق أراضي الأولى فقط بالملف الأوكراني أو بالتصعيد الذي شهده شمال شرقي وغربي سوريا وما رافقه من حديث عن دعم تلمّسته أنقرة من موسكو لـ "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، فالتطور إزاءه يأتي خلفه ستار يخفي جملة من الأحداث ذات الدلالات المستقبلية، سواء على الساحة السورية أو حتى التركية الداخلية.

ماذا يريد مسؤولو تركيا من إشاراتهم إلى إعادة السوريين؟

كان الحديث الرسمي التركي عن إمكانية إعادة السوريين إلى ما تصفه أنقرة بـ "المناطق الآمنة" في سوريا، بالون اختبار، برأي البعض، فقد جذب أنظار الداخل التركي، فعمل على تطمين شريحة واسعة من المعارضين للوجود السوري من أنصار "حزب العدالة والتنمية"، بعد أن باتوا يعرفون أن موقف حزبهم الحاكم قد يتغير تجاه السوريين يوما ما، فقد سمعوا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يقول "سنبني لهم بيوتا مصنوعة من الطوب في سوريا وسنؤمن عودة اللاجئين إلى بيئة آمنة"، ووزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو يؤكد أنه بدأ بمشروع لإعادة السوريين بالاشتراك مع 4 دول أخرى.

ولعل أكثر المواقف الرسمية وضوحا في هذا السياق جاءت على لسان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في أثناء إجابته على أسئلة الصحفيين حول ذهاب اللاجئين السوريين إلى بلادهم في إجازة العيد، إذ قال إن الوزارة ستفرض قيوداً على الذاهبين إلى ما سماها بـ "المناطق الآمنة" في سوريا خلال الإجازة.

وأشار صويلو إلى أنه استمع إلى كلمة زعيم حزب الحركة القومية التركية دولت بهتشلي، أمام كتلته النيابية في البرلمان، حيث تحدث عن زيارة اللاجئين السوريين لبلدهم خلال إجازة العيد قائلاً: إن "طالبي اللجوء السوريين الذين يمكنهم الذهاب إلى بلادهم خلال العطلة لا يحتاجون إلى العودة".

لا يقف الهدف من هذه التصريحات عند أنصار الحزب، إذ يبدو أن المسؤولين الأتراك كانوا يريدون سحب هذا الملف من يد المعارضة التي يبدو أنها جعتله الأول في سلم أولوياتها في حربها الانتخابية، التي يبدو أنها بدأت مبكرا، حتى إن أطرافا من المعارضة ظهروا مدافعين عن الوجود السوري في وجه الحكومة، كـ أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي السابق ورئيس "حزب المستقبل" المعارض، الذي قال إنه "من غير الممكن إعادة السوريين في تركيا إلى بلادهم من دون تشكيل حكومة مشتركة بين النظام والمعارضة"، وتطرق داود أوغلو إلى قضية اللاجئين السوريين، مشيراً إلى وجود مشكلات في جميع أرجاء العالم في قضايا اللاجئين والهجرة العامة وتركيا إحدى هذه الدول.

وفي هذا السياق، يرى الباحث في مركز "عمران للدراسات" معن طلاع في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن ملف اللاجئين السوريين بات يأتي في سياق الشأن المحلي التركي، وقال "ملف اللاجئين السوريين في تركيا تحول إلى ترند استحقاق سياسي يطرح قبل الفاعلين السياسيين ضمن أمور متعددة منها إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري أو إعادة اللاجئين إلى المناطق المحررة".

أستاذ العلاقات الدولية التركي، سمير صالحة، قال إن قيادات حزب "العدالة والتنمية"، تعرف أنه لا يمكن معالجة ملف اللجوء بقرار إداري أو أمني بل بحلول سياسية مضمونة إقليميا ودوليا تنهي الأزمة في مكانها الأصلي، مضيفا في مقال نشره على موقع تلفزيون سوريا أن "خطة العدالة والتنمية في المرحلة المقبلة ستتركز أكثر على معالجة ملف الأزمة السورية بشقها السياسي مستفيدا من التوازنات الإقليمية الحاصلة أكثر مما ستركز على موضوع بحث سبل عودة اللاجىء من أجل حسابات انتخابية أو مادية".

أما مدير "معهد إسطنبول للفكر"، بكير أتاجان المقرب من الحزب الحاكم، فبعث برسائل طمأنة للسورييين بتركيا عبر "تويتر"، إذ اعتبر أن تصريحات المسؤولين الأتراك لا تعني إرسال السوريين بالقوة إلى بلدهم وأن أنقرة ستبقى على سياستها كالسابق، وقال "غاية التصريحات الأخيرة التي صدرت هي لتهدئة المعارضة وتغير الأجواء لديها".

القصف روسيا وهجمات "قسد" تصعيد يؤكد انعدام الأمان شمالي سوريا

يُلاحظ منذ نحو شهر وأكثر وقوع أحدث شمال شرقي وغربي سوريا، تعكس حالة من التوتر بين الأطراف الثلاثة روسيا وتركيا و"قسد". ما يتعلق بروسيا جاء عبر شن طائراتها حملة قصف لمواقع متفرقة من جنوبي إدلب وشمالي وغربي حلب، من هذه المناطق ما تعتبره أنقرة آمنا وتريد إقامة مشاريع إعادة سوريين إليه من أراضيها وفق حديث وزير الخارجية التركي.

فالطائرات الروسية قصفت محيط منطقة دارة عزة غربي حلب، التي توجد فيها نقاط عسكرية تركية، أيضا كما حلقت الطائرات الروسية فوق قواعد عسكرية تركية في عفرين، وقد علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة أن قرار الجانب التركي بعدم تمديد إذن العبور للطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا عبر الأجواء التركية، يعبر عن استياء أنقرة من الضغوطات التي تحاول موسكو ممارستها في سوريا، خاصة التحليق المتكرر فوق القواعد العسكرية التركية دون إخطار مسبق، وقصف المناطق التي تنتشر فيها تلك القواعد.

حدث بارز آخر يعيشه شمالي سوريا، يتمثل بعمليات الاستهداف لآليات ومدرعات الجيش التركي ورد الأخير على ذلك باستهداف قياديين من "قسد"، آخرها تعرض آلية تركية لاستهداف بصاروخ مضاد للدروع قيل إنه روسي الصنع في محيط مدينة مارع بريف حلب الشمالي، انطلق من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، و"قسد"، وأسفر عن مقتل شرطي من القوات الخاصة التركية.

وهنا يبرز تساؤل عما إذا كان تصعيد روسيا و"قسد" في مناطق النفوذ التركي له رسائل بعدة أوجه منها وفق مراقبين أن روسيا تريد القول إن المناطق التي تصفها تركيا بالآمنة هي في الواقع تحت مرمى نيران الجيش الروسي وذلك للتنغيص على المسؤولين الأتراك في هذا الملف، لكن الباحث معن طلاع يرد على هذا الادعاء بالقول إنه لا يجد ترابطا في الوقت الحالي بين قصف روسيا وحديث تركيا عن عودة اللاجئين، وقال "التصعيد الروسي هو ميداني ويبدو بعيدا عن إيحاءات أن المنطقة آمنة أم لا، وهذه المناطق بالأساس لا تحتاج لرسائل كي نقول إنها غير آمنة، فهي حقيقة غير مستقرة أمنيا ويوجد فيها اختراقات مختلفة من تفجيرات وصراعات واغتيالات".

ما بين التصريحات والقصف الروسي.. أجواء تركية مغلقة في وجه موسكو

هناك جانب آخر ممكن من خلاله قراءة التصعيد الروسي و"قسد"، وهو التقارب الأميركي- التركي الذي بدا واضحا في الفترة الأخيرة.

فجميع تلك التطورات (تصريحات الأتراك بشأن اللاجئين، القصف الروسي، استهدافات قسد) تزامنت مع زيارة قام بها وفد من الكونغرس الأميركي إلى أنقرة، التقى خلالها  بنائب وزير الخارجية التركي، ومع المتحدث باسم الرئاسة التركية، وكان من بين وفد واشنطن الجنرال بن هودجز، الذي لفت إلى أن سبب زيارة الوفد هو بحث إعادة ترميم العلاقات مع أنقرة التي تأثرت في السنوات الماضية على خلفية دعم أميركا الخاطئ لميليشيات مرتبطة بالعمال الكردستاني في الشمال السوري بمزاعم الحرب على الإرهاب.

ويمكن القول إن التحركات الأميركية نحو تركيا بدأت عمليا بعد انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية، وظهر ذلك في عدة ملفات حساسة فقد طالبت إدارة بايدن من الكونغرس عدم إعاقة برنامج بيع تركيا طائرات إف 16، مشيرة إلى تركيا كحليف في الناتو والتحديات التي فرضتها الحرب في أوكرانيا، كل ذلك يعكس رغبة أميركية على ما يبدو لبحث اتجاهات جديدة في العلاقات مع أنقرة.

الكاتب السوري المختص بالشؤون الدولية فراس بورزان قال لموقع تلفزيون سوريا، إن روسيا وتركيا قامتا بتطوير مسارات متوازية في العمل في مناطق مختلفة مثل سوريا وليبيا وقره باغ، وتجمعهما شبكة مصالح واسعة جداً، للذلك تحتاج الولايات المتحدة لتعويض تركيا عن ذلك والقيام بإجراءات إعادة بناء الثقة التي تضررت على مدى عقد كامل.