اللجوء.. المنطق التركي المنطق السوري

2022.04.24 | 06:47 دمشق

0rty0we8.jpg
+A
حجم الخط
-A

يتصدر موضوع اللاجىء السوري مرة أخرى أجندة الحياة اليومية والسياسية في تركيا جنبا إلى جنب مع ملفات الأزمات الاقتصادية والمعيشية في البلاد. كلما اقتربت صناديق الاقتراع من الناخب التركي ازداد الاحتقان والتوتر والشحن بين الأحزاب السياسية في الحكم والمعارضة حول هذه القضايا التي باتت اليوم متداخلة ومتشابكة.

أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا 14 شهرا لتسجيل اختراق سياسي حقيقي في التعامل مع موضوع الأزمة السورية إذا ما كان يريد فعلا الخروج من ارتدادات هذا الملف على وضعه السياسي والانتخابي قبل توجه المواطن إلى الصناديق في حزيران 2023. نجاحه بهذا الاتجاه سيقدم له الكثير سياسيا وشعبيا لأنه سيسهل أولا عودة مئات الآلاف من السوريين إلى وطنهم في إطار تسوية سياسية لأزمة عمرها أكثر من عقد. ولأنه سينهي مسألة بالغة التعقيد في الداخل التركي ثانيا. غير ذلك من حلول جزئية مبتورة لن تقدم وتؤخر كثيرا.

الصعوبة حتى لا نقول المستحيل في هذه المرحلة ولأكثر من سبب، هي الجمع بين إرضاء المواطن السوري وإقناعه بالعودة من الدول التي لجأ إليها، وبين تقديم الضمانات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الكفيلة بتشجيعه على قبول خطوة بهذا الاتجاه

أعلن وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو قبل أيام أنه يمكن بحث ملفات الإرهاب واللجوء مع نظام الأسد دون الاعتراف به. شاووش أوغلو يؤكد أيضا على "إننا عندما نتحدث عن عودة كريمة للاجئين، علينا ضمان عودتهم بشكل آمن إلى بلادهم، وعلينا القيام بذلك بحكمة، وبما يتوافق مع مبادىء حقوق الإنسان، والقانون الدولي، والدستور التركي". لكن وزير الخارجية التركي يكاد يعيدنا إلى خط البداية وهو يقول إن "نظام الأسد بما هو فيه اليوم لا يمكنه تقديم ضمان حماية السوريين العائدين وتأمين احتياجاتهم الأساسية".

واضح أن "تحالف الجمهور" الحاكم يريد التحرك باتجاه مرحلة جديدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم لأكثر من سبب سياسي واجتماعي ومادي. لكنه يريد أن تكون هذه العودة برضى المواطن السوري وبشكل طوعي وآمن ومشرف في الوقت نفسه. الصعوبة حتى لا نقول المستحيل في هذه المرحلة ولأكثر من سبب، هي الجمع بين إرضاء المواطن السوري وإقناعه بالعودة من الدول التي لجأ إليها، وبين تقديم الضمانات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الكفيلة بتشجيعه على قبول خطوة بهذا الاتجاه.

يتحمل أكثر من طرف محلي وإقليمي ودولي مسؤولية ترك ملف الأزمة السورية يتفاعل ويتفاقم ليصل إلى ما هو عليه بعد 10 سنوات من عمر المأساة. هناك من ساهم في تحويل مسار الملف من حالة ثورية مطلبية إصلاحية إلى أزمة لاجىء يعبر الحدود باتجاه دول الجوار السوري ليستقر حيث هو بحثا عن الملاذ الآمن. لم تكن هذه مواقفنا ووعودنا للمواطن السوري عندما ترك أراضيه في العام 2011.

أصل المشكلة شيء وما نجح النظام وحلفاؤه في فرضه علينا من نقاشات شيء آخر. السوري يقول أريد حلا للأزمة السورية ونحن نقول إننا نبحث عن حل لأزمة اللجوء في إطار تنسيق إقليمي وأممي.

إلى أين سيعود اللاجىء السوري؟ إلى أرضه طبعا. لكن الأرض السورية مقسمة اليوم إلى 3 مناطق نفوذ واللاجىء أو النازح السوري هو الضحية الأولى والأخيرة فيها. عودة اللاجئ الآمنة والمشرفة تتطلب أن يواكبها تسوية سياسية للأزمة في البلاد وهذا هو المخرج الوحيد الذي سيطمئنه ويعيده معززا مكرما إلى أرضه.

تعرف قيادات حزب العدالة والتنمية، حتى ولو كانت خيارات الحليف حزب الحركة القومية تذهب باتجاه آخر في موضوع اللجوء والملف السوري، أنه لا يمكن معالجة ملف اللجوء بقرار إداري أو أمني بل بحلول سياسية مضمونة إقليميا ودوليا تنهي الأزمة في مكانها الأصلي. حلول ظرفية مؤقتة ترضي البعض أو تهدف لامتصاص ردة فعل حزبية أو إعلامية تقودها أحزاب صغيرة في المعارضة لا قوة تمثيل شعبي أو سياسي لها، لن تقدم وتؤخر في مواقف وقرارات الحزب الحاكم.

حتى ولو تعالت بين الحين والآخر أصوات تتحدث عن ضرورة حسم ملف اللجوء في صفوف حزب العدالة. وحتى لو شعر أنها قد تكون بمنزلة مغامرة انتخابية وسياسية مكلفة له أن يتردد في حسم موضوع إعادة اللاجئ إلى بلاده، فهو لن يقبل الدخول في نقاشات تحمله أعباء مسؤوليات إنسانية وسياسية أكبر في الملف الذي قاد كل تفاصيله منذ عقد وحتى اليوم. خطة العدالة والتنمية في المرحلة المقبلة ستتركز أكثر على معالجة ملف الأزمة السورية بشقها السياسي مستفيدا من التوازنات الإقليمية الحاصلة أكثر مما ستركز على موضوع بحث سبل عودة اللاجىء من أجل حسابات انتخابية أو مادية. فهل ستتحرك قوى المعارضة السورية لدعمه والوقوف إلى جانبه في حراك المرحلة المقبلة أم هي ستواصل لعبة الانشقاق على المنشقين وحرب بيانات تصحيح المسار الذي قدم نفسه على أنه تصحيحي أساسا؟

يقول وزير الداخلية التركي سليمان صويلو ألغينا قرارات السماح للاجئين بالدخول إلى سوريا خلال عطلة الأعياد والعودة مجددا إلى تركيا. من يغادر سيبقى في المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية.

ويتابع صويلو 450 ألف سوري تم الحؤول دون دخولهم إلى تركيا في العام المنصرم. خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي تم منع دخول 120 ألفا. لو لم نتخذ تدابير حدودية إضافية لكان عدد اللاجئين وصل إلى 10 ملايين اليوم. ما يقوله الوزير صويلو يعني باختصار أن الرغبة بالانتقال إلى الجانب التركي ما زالت قائمة بالنسبة للكثير من السوريين الموجودين بعشرات الآلاف أمام الشريط الحدودي.

لن تكفي طمأنة اللاجىء السوري عندما نقول له إنه لن يعود دون رضاه. ما يطمئنه أكثر هو أن نقول له إن عودته ستكون مرتبطة بحل سياسي للأزمة يضمن له هذه العودة

في سوريا هناك مدن مدمرة وهناك أزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية تتفاقم يوما بعد آخر تنتظر الحلول. وهناك بالمقابل نظام يتاجر بكل هذه الملفات مستقويا بالحليفين الروسي والإيراني. فكيف سنقنع اللاجىء السوري في دول الجوار بالعودة وسط كل هذه التجاذبات والمخاطر والتهديدات؟

لا يمكن الفصل بين ملف اللجوء وبين أسبابه وتفاعلاته داخل سوريا. ولن تكفي طمأنة اللاجىء السوري عندما نقول له إنه لن يعود دون رضاه. ما يطمئنه أكثر هو أن نقول له إن عودته ستكون مرتبطة بحل سياسي للأزمة يضمن له هذه العودة.

بدأ التراشق الكلامي والسياسي بين القيادات التركية في الحكم والمعارضة باكرا جدا هذه المرة بسبب موضوع اللاجئ السوري. المعارضة تعد نفسها للعب بكل ما تصل إليه أيديها من أوراق في الطريق إلى صناديق الانتخاب، لكن القيادات السياسية التركية كررت أكثر من مرة أنها لن تلقي باللاجئين السوريين في أحضان القتلة، ما دام حزب العدالة والتنمية في السلطة. يلخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الموقف بالنسبة لسياسات وخيارات حزبه في السلطة بقوله "لسنا من يبعد اللاجئ السوري رغما عنه. أنفقنا المليارات وبمقدورنا أن ننفق مليارات أخرى طالما أننا قررنا احتضان اللاجئ كأنصار نستقبل المهاجرين". هذه هي ثوابت الحزب الحاكم حتى لو كان هناك متغيرات في الأسلوب.

بقي التذكير أن المشكلة هي ربما في إعادة الملايين من السوريين المنتشرين في دول الجوار السوري إلى أرضهم، لكن المشكلة هي أيضا في خسارة من سيعيد بناء سوريا والفشل في إقناع الآلاف من الشباب والكوادر المتخصصة بالتخلي عن إصرارهم إبقاء حقائبهم جاهزة وهم يبحثون عن بدائل تنقلهم إلى الشمال البعيد في العواصم الغربية، دون أن نعرف متى وكيف سنعيدهم مرة أخرى إلى الجنوب والجغرافيا الشامية.