icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: بوتين يستعين بـدليل الحرب في سوريا خلال غزوه لأوكرانيا

2022.03.02 | 19:07 دمشق

kkkkkkk.jpg
أبينة وسيارات مدمرة جراء القصف االروسي على العاصمة الأوكرانية كييف ـ رويترز
فورين بوليسي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تتساقط القنابل العنقودية كالمطر على المناطق المأهولة بالمدنيين في خاركيف، وتصيب الانفجارات برج التلفزيون ونصب الهولوكوست التذكاري القريب منه في العاصمة كييف، تلك المدينة التي أصبحت عرضة لخطر الحصار اليوم، في حين استحالت المباني السكنية فيها إلى ركام.

بعد أقل من أسبوع على غزو أوكرانيا، لجأت روسيا إلى الدليل الوحشي ذاته الذي تسبب بارتفاع كبير في عدد القتلى ونسبة الدمار خلال حملاتها العسكرية السابقة، سواء عند قصف الشيشان بشكل مكثف في تسعينيات القرن الماضي أو عبر تشديد حصارها على سوريا كما حدث منذ فترة قريبة. ولهذا يحذر الخبراء من تحول تكتيكي خطير في مستوى العنف العشوائي للهجمات الأخيرة التي وقعت في أوكرانيا، في الوقت الذي يتحمل فيه المدنيون وطأة المزيد من الهجمات الروسية على جبهات عديدة.

عدم اكتراث بأرواح البشر

يقول بول سترونسكي وهو عضو رفيع لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "إننا نشاهد حالة عدم الاكتراث بأرواح البشر ذاتها، وإننا نرى ذلك بشكل أسرع مما اعتقدنا أن يكون عليه. لا أعتقد أنهم ليست لديهم القدرة أو الرغبة على الاستهداف بصورة أدق وأشد حذراً، بل أرى أنهم يجمعون بين تلك الحالتين معاً".

يوم الإثنين الماضي، قصفت صواريخ روسية منطقة سكنية في خاركيف، التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، ضمن ما يراه باحثون في مجال حقوق الإنسان هجوماً جمع بين الصواريخ والذخائر العنقودية، إذ شوهدت جثث المدنيين وقد تناثرت في الطرقات، أما الناجون فقد تقطعت أطرافهم أو تعرضوا لتشوهات، في حين واصلت حمم الصواريخ ضربها للمدينة بلا رحمة حتى مساء يوم الثلاثاء.

ويقول ستيف غوز مدير شعبة الأسلحة لدى منظمة هيومان رايتس ووتش: "تم حظر الذخائر العنقودية على المستوى الدولي لأنها عشوائية بطبيعتها، ولأن الأخطار غير المقبولة التي تطول المدنيين تظهر خلال الهجوم وتمتد لسنوات بعده. ولهذا ينبغي عدم استخدام تلك الذخائر من قبل أي أحد في أي وقت من الأوقات، خاصة إن كان الهدف من استخدامها ضرب المناطق المأهولة".

وفي صباح يوم الثلاثاء الماضي، أصيبت ساحة الحرية وسط العاصمة كييف بصاروخ تسبب بقتل ما لا يقل عن عشرة مدنيين، وجرح عشرة آخرين على الأقل، مع تعرض مبنى البلدية لدمار كبير. حيث يظهر أحد مقاطع الفيديو حدوث انفجار عنيف خارج مقر الحكومة بعد الساعة الثامنة صباحاً، مع تسبب حمم من النيران بتفحم السيارات والأبنية المجاورة. ورداً على ذلك الهجوم العنيف الذي دفع العاملين في مجال الطوارئ للتنقيب بين أكوام الركام والمعادن المنصهرة، خاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي البرلمان الأوروبي وذكر بأنه لا مفر من اعتبار روسيا "دولة إرهابية"، حيث قال: "إنه إرهاب مورس على مدينة خاركيف، إنه إرهاب ضد أوكرانيا".

تكتيكات لا تضمن النجاح في كل مرة

في الوقت الذي حفظت فيه الأساليب العنيفة التي طبقتها روسيا أهدافها في الشيشان وسوريا، حيث تمكنت من سحق الثوار المنادين بالاستقلال في الشيشان، ونجحت بدعم الديكتاتور الحاكم في سوريا، لا يرجح لتلك التكتيكات أن تقود روسيا اليوم إلى تكرار نجاحها في أوكرانيا، بحسب ما يراه الخبراء.

إذ يقول سترونسكي وهو محلل رفيع سابق مختص بالملف الروسي لدى وزارة الخارجية الأميركية: "حتى لو استخدموا هذه الأساليب للاستيلاء على هذه المدن، ما الذي سيتركونه عندئذ؟ يبدو أن الأمر برمته يحمل نتائج عكسية، فهم يحاولون ويفشلون في إحداث ثغرات في عزيمة الغرب، إلا أنهم دعموها بالفعل. ففي أوكرانيا، يقوم الروس بتدمير أي قوة ناعمة استبقوها هناك، حيث أثاروا غضب الناس الذين قد لا يكون لديهم أي موقف سياسي، وذلك بعد قصفهم لمنازلهم وبيوتهم".

لقد دفعت المشاهد المرعبة المزيد من الناس إلى الهروب، وذلك ضمن موجة نزوح واسعة دفعت بأكثر من 600 ألف أوكراني للخروج من البلاد، حيث ذكر أب معيل لثلاثة أطفال عرف عن نفسه باسم دانييل، يبعد بيته في خاركيف عن موقع التفجير الذي حصل في ساحة الحرية مسافة تقل عن كيلومترين: "حاولت بأقصى ما لدي أن أبقى في المدينة حتى اليوم، فأنا أحب بلدي، وأعشق مدينتي، وهي مدينة جميلة جداً"، وذلك في أثناء سفره متوجهاً إلى مولدوفا أو بولندا برفقة زوجته وولديه الصغيرين، في الوقت الذي بقيت فيه والدته ووالدة زوجته في المدينة التي يخبرنا عنها فيقول: "لقد أصبحت مدمرة الآن".

تسبب القصف العنيف بلا رحمة بموجة إدانات دولية، بدأها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي قارن ما يجري بالهجمات الصربية على سراييفو خلال تسعينيات القرن الماضي، وذلك عندما قال: "لدي الإحساس ذاته بأن هنالك جريمة قد ارتكبت عمداً بحق مركز مدني".

ففي كييف، أصابت القوات الروسية برج التلفزيون ومقار البث القريبة منه، ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص، وانقطاع جزء من البث المباشر. وفي تلك الأثناء، هددت موسكو بشن المزيد من الغارات على العاصمة، وحثت السكان على مغادرتها من أجل ضمان سلامتهم، ما دفع بحشد خائف من الناس للتجمع عند محطة القطارات الرئيسية.

الحصار قادم

إلى جانب ذلك القصف المدفعي المدمر ما يزال شبح الحصار يلوح في الأفق، إذ من الممكن أن تقوم القوات العسكرية الروسية بتطويق المدن والقرى ومنع وصول الطعام والدواء وغير ذلك من السلع الأساسية لإجبار تلك المدن على الاستسلام. ولهذا هرع الآلاف ممن تبقى من السكان في كل من كييف وخاركيف وفي مناطق أخرى إلى تخزين تلك المواد قبل بدء أي حصار مرعب، ما أدى إلى ظهور طوابير طويلة تقف على أبواب المتاجر التي نفدت تلك المواد لديها.

تقول إيما بيلز وهي مستشارة رفيعة لدى المعهد الأوروبي للسلام: "شاهدنا صور الرفوف الفارغة في كييف اليوم، إلا أن الدخول في حالة حصار بوجود رفوف فارغة أمر لا يمكن لأحد أن يتصوره".

مشاهد سورية تتكرر في أوكرانيا

إن التلويح بعملية حصار وتطويق، لا سيما بوجود قوافل تمتد لأميال من العربات المصفحة الروسية التي تشق طريقها بصعوبة نحو العاصمة الأوكرانية، يعيد إلى ذاكرة من يراها من السوريين مشاهد مأساوية، وذلك لأن فكرة العقاب الجماعي الناجم عن الحصار تخلف معاناة كبيرة بين صفوف المدنيين بسبب اختفاء الأغذية والماء والأدوية والوقود وغير ذلك من الضروريات الأساسية في ظل قصف عشوائي وتحول التركيز من دبلوماسية إنهاء النزاع إلى مفاوضات دقيقة حول السماح بوصول العاملين في مجال الإغاثة وفتح طرق للإجلاء.

وحول ذلك تقول بيلز بوصفها صحفية نقلت بشكل موسع ما كان يحدث في المناطق السورية التي يسيطر عليها الثوار وهي تقاوم نظام بشار الأسد: "لقد فرضت حالات حصار في سوريا قبل أن تتدخل روسيا، إلا أن روسيا استعانت بالحصار كأداة، ومع تكرار حالات الحصار وتتابعها، أسهم الروس في تشديد الحصار وضمان عدم دخول أو خروج أي من المساعدات أو المواد الضرورية الأخرى إلا عبر التفاوض، ولهذا يبدو شيء مما يجري اليوم مألوفاً لنا، إلا أن الشيء المقلق برأيي هو ليس الدليل الروسي الذي يجري تطبيقه اليوم فحسب، بل أيضاً عدم وجود جاهزية واستعداد لما يمكن أن يحدث".

إلا أن الخبراء العسكريين يؤكدون بأن الحصار والقصف بوصفهما أداتين من أدوات الحرب تستخدمان من قبل أطراف أخرى، غير روسيا.

إذ يقول بين باري، وهو خبير بالحرب البرية وعضو رفيع لدى المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "إن قيض لك كتابة قائمة بعوامل النجاح في حرب المدن منذ عام 1939، فإن تطويق المدينة المستهدفة يعتبر في أغلب الأحيان عاملاً من عوامل النجاح. وفي بعض الأحيان يسمح المهاجم للمدنيين بالمغادرة عبر طرق محددة، وبالتأكيد يبدو أن روسيا قد وفرت هذا الخيار بالنسبة لكييف، أما مسألة احترام السكان لذلك من عدمه، فلا أعرف عنها شيئاً".

لا انتصار سريعاً ينتظر روسيا

إن المقاومة الأوكرانية الصلبة في وجه العدوان الروسي، بالإضافة إلى اللوجستيات الروسية المخزية بحسب تعبير أحد الخبراء الأميركيين في مجال الدفاع، قد أحبطت مخططات موسكو التي حلمت بتحقيق انتصار سريع. ورداً على ذلك، قررت روسيا ضرب المناطق المدنية لإضعاف الروح المعنوية لدى المقاومة وإجبار أوكرانيا على القبول بشروطها. إلا أن الهجمات المدمرة التي استهدفت خاركيف أتت بعد صد القوات الأوكرانية لتوغل روسي فاشل يوم الأحد الماضي، ما أدى إلى التكهن بأن الهجوم الذي امتد على مدار اليومين الماضيين ما هو إلا عملية انتقامية، والهدف منها هو توجيه رسالة واضحة.

وحول ذلك يقول باري وهو قائد سابق في الجيش البريطاني خدم لدى الأمم المتحدة وشارك في العمليات التي قام بها حلف شمال الأطلسي في البوسنة: "إنهم يحاولون أن يظهروا للأوكرانيين أنهم في حال صمدوا ودافعوا عن هذه المنطقة المدنية فلا مفر من سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين".

وفي تلك الأثناء، بقي الأوكرانيون يواجهون الأخطار والويلات التي تنزلها روسيا بهم وحدهم، ففي يوم الإثنين الماضي، سمعت أصوات هدير الصواريخ والقصف المدفعي في كل أرجاء مدينة خاركيف، أما الطريق المتجه جنوباً والذي يصل إلى خارج المدينة فقد بقي بيد الأوكرانيين، وذلك بفضل الدبابات والجنود والأسلحة الثقيلة التي تمركزت حول الأطراف الجنوبية لصد أي هجوم روسي.

تم تجميع عناصر الميليشيات المدنية في سياراتهم الصغيرة والعائلية على امتداد طريق سريع موحش ومهجور، إذ بعد أن حملوا بنادق حصلوا عليها أخيراً أخذوا يتفحصون الأوراق الثبوتية بعصبية على نقاط التفتيش التي أقيمت على عجل على الطريق المؤدي إلى دنيبرو، وهي إحدى المدن الكبرى القليلة التي لم يطلها القصف الروسي حتى الآن.

وعلى تخوم تلك المدينة، ظهرت اختناقات مرورية طويلة وممتدة بما أن الأهالي هربوا بسبب العنف الدائر في الجهة الشمالية القريبة من هذه المدينة، والتي تعتبر ملاذاً غير آمن بالنسبة للأوكرانيين، حالياً على الأقل.

 المصدر: فورين بوليسي