icon
التغطية الحية

فليجع السوريون ولترض إيران.. بشار الأسد يجهز على ما تبقى من الزراعة

2023.10.25 | 06:16 دمشق

فليجع السوريون ولترض إيران.. بشار الأسد يجهز على ما تبقى من الزراعة
لا تقف أزمات القطاع الزراعي في سوريا عند استيلاء الإيرانيين على الأراضي إنما تمتد إلى عقود طويلة من القرارات الكارثية - NRC
إسطنبول - محمود الفتيح
+A
حجم الخط
-A

شكل قطاع الزراعة 17،6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 وبلغت قيمة الصادرات الزراعية نحو 30 في المئة من قيمة الصادرات الإجمالية لسوريا، وذلك على الرغم من سياسات بشار الأسد عام 2005 بالتوجه نحو ما سمي بـ "اقتصاد السوق الاجتماعي"، وهي سياسات نجم عنها رأسمالية المحسوبيات التي تركز على الربح السريع في القطاعات "الذهبية"، وبالتالي تلقى قطاع الزراعة الضربة الأولى.

وفي سوريا عثر علماء الآثار على أدلة حول استخدام الحضارات القديمة في المنطقة استراتيجيات فعالة لحماية المجتمعات من المجاعات، أي قبل 5 آلاف عام من "حضارة آل الأسد"، التي تسببت في تجويع أكثر من 90 في المئة من المواطنين وبيع أراضيهم الزراعية لإيران، مما جعل سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.

ويعزى هذا التدهور الشديد في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، من بينها متوسط الأجر الشهري في سوريا، والذي لا يغطي احتياجات الأسرة الغذائية لأكثر من يومين، بسبب التضخم الناتج عن فقدان الليرة لقيمتها بشكل متواصل، بالإضافة إلى الاعتماد الشديد على الواردات الغذائية، بعد انهيار القطاع الزراعي والثروة الحيوانية في البلاد، التي تعاني من أسوأ إدارة موارد في التاريخ، إذ قلة هي البلدان التي تضاهي سوريا في إمكانيات اكتفائها الذاتي، لكن دون جدوى.

ويعاني القطاع الزراعي، منذ حقبة رئيس النظام السابق حافظ الأسد (1971 – 2000)، فشلاً كبيراً في إدارة هذا الملف، وانعكس جفاف نهر الخابور في منطقة الجزيرة بداية التسعينات بشكل سلبي على المزارعين، في ظل عجز حكومي عن إيجاد حلول جدية لمواجهة المشكلة، ولاحقاً ازداد الوضع تدهوراً نتيجة الأزمات البيئية والجفاف، فضلاً عن انتشار ظاهرة التملح التي طالت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في المنطقة الشرقية، التي تعتبر سلة سوريا للزراعات الاستراتيجية، إذ تنتج هذه المنطقة أكثر من 70 في المئة؜ من القمح والقطن في البلاد.

رضا إيران أهم من جوع السوريين

ولم يعد خافياً على أحد أن الأزمة الغذائية والزراعية التي نمر بها ليست وليدة الثورة أو "الأزمة" بحسب قاموس النظام، وإنما كانت موجودة بالفعل منذ سيطرة حافظ الأسد على الحكم، إلا أنها تفاقمت بشكل حاد ومتسارع في عهد نجله بشار الأسد، حيث ألقى الشعب بكامله في هاوية المجاعة، يُضاف إلى كل ما سبق ملف مهم وهو التنافس الروسي – الإيراني على ما تبقى من موارد سوريا، لتحصيل ما يمكن تحصيله من ديون مترتبة على النظام.

ومن هنا فلم يكن مستغرباً ما نشره الصحفي السوري كنان وقّاف، المنحدر من الساحل السوري، من وثائق رسمية تتحدث عن بدء الشركات الإيرانية بالاستيلاء على أراضي الفلاحين والمزارعين في طرطوس، بدعمٍ من حكومة النظام السوري.

وبحسب وقّاف، فإنّ الشركة الإيرانية اعتمدت على حجة مزعومة وهي أنّ "هذه المساحة تتبع لمبقرة زاهد كأراضٍ مخصّصة لزراعتها بالبرسيم والعلف من أجل تغذية القطيع"، ولذلك وضعت علامات وأعمدة بيتونية لبناء سور إسمنتي وضم الأراضي إلى حرم المبقرة، ويدحض هذا الزعم وجود نزاع قضائي بين المزارعين ووزارة الزراعة في حكومة النظام السوري، كونها أراضي غير مفرزة ويستثمرها الفلاحون منذ 60 عاماً (وضع يد).

وأكد وقاف أن مبقرة زاهد استُثمرت بمبلغ زهيد قدره 200 ألف دولار، بما يشبه التنازل القسري، لأنّ أحد التجار السوريين عرض على حكومة النظام استثمار المبقرة بمليون دولار سنوياً قابلة للزيادة مع نسبة في الأرباح، ورُفض طلبه.

وكان أصحاب الأراضي الزراعية الملاصقة للمبقرة أجروا مراسلات مكثفة منذ عشرات السنين مع وزارة الزراعة في حكومة النظام، مبدين استعدادهم لدفع أي مبالغ مترتبة عليهم -كأجرة- عن استثمارهم لتلك الأراضي، وإنّ عدم وجود مخطّط إفراز وسندات ملكية حتى هذه اللحظة، يثبت عدم إمكانية تبعيتها للمبقرة قانوناً، وفقاً لوقاف.

وبدل وقوف حكومة النظام السوري في صف المزارعين أو انتظار حكم القضاء - على أقل تقدير - وجّهت عدة كتب إلى وزارة الزراعة ودائرة المصالح العقارية في طرطوس، لاستملاك هذه الأراضي وتخليصها من الفلاحين ثم تسليمها للجانب الإيراني.

لماذا سرع النظام السوري عملية تسليم الأراضي لإيران؟

استيلاء إيران على الأراضي الزراعية لم يكن مفاجئاً، ففي نهاية نسيان الماضي، كشف وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهرداد بزر باش، عن اتفاق سابق مع النظام السوري يمكّن إيران من الحصول على أراض في سوريا بدل الديون المالية، لكن اللافت في الأمر هو تسريع وتكثيف الجهود لتسليم الأراضي التي تقع في مناطق تعتبر حاضنة رئيسية للنظام السوري.

مصادر مطلعة في الساحل السوري، قالت لموقع "تلفزيون سوريا"، إن النظام كان يماطل خلال الفترة الماضية بتسليم الأراضي الزراعية لإيران، لخشيته من غضب ظهيره الشعبي، وانقلاب ما تبقى من رأي عام مؤيد عليه، خاصة بعد الغليان الشعبي في الساحل إثر موجة الغلاء الحادة.

وأضافت المصادر أن النظام السوري حاول مناورة الإيرانيين عبر تسليمهم أراضي زراعية تعود ملكيتها لمواطنين مهجرين ولاجئين، تقع في شمالي وشرقي البلاد، عوضاً عن أراضي الساحل، لكن طهران رفضت ذلك بسبب وجودها في مناطق مضطربة، فضلاً عن صعوبة استصلاحها نتيجة تركها لفترات زمنية طويلة.

ويبدو أن إيران نجحت في الضغط على النظام في تسريع تنفيذ الاتفاقيات السابقة، وذلك بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، مطلع أيار الماضي، التي اتخذت طابعاً اقتصادياً.

وكان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، أكد أن زيارة رئيسي تهدف لاستعادة أموال طهران من الأسد والتي تبلغ أكثر من 30 مليار دولار، وحثه على تنفيذ العقود السابقة، كاشفاً عن وجود "5 عقود رئيسية سابقة لسداد الديون، من بينها استخدام مزارع الأبقار، وأرض زراعية، ومناجم الفوسفات، وآبار النفط، ومشروع اتصالات، لكن لم يُنفذ أي منها، في حين أن روسيا تأخذ ديونها بسهولة من سوريا".

غلاء متصاعد وتصدير مستمر

لا تقف أزمات القطاع الزراعي في سوريا عند استيلاء الإيرانيين على الأراضي، إنما تمتد إلى عقود طويلة من القرارات الكارثية، ففي وقت تعاني فيه البلاد من نقص حاد في جميع المنتجات الزراعية، بسبب إحجام المزارعين عن الزراعة لارتفاع تكاليف الإنتاج، تستمر عملية تصدير مختلف أنواع الخضراوات والفواكه إلى الخارج، لرفد خزينة حكومة النظام السوري بالدولار، بالرغم من الارتفاع غير المسبوق الذي تشهده أسعارها في الآونة الأخيرة.

وقبل أيام، قال عضو لجنة تجّار ومصدري الخضار والفواكه في دمشق، محمد العقاد، لصحيفة تشرين التابعة للنظام السوري، إن كميات المنتجات الزراعية التي تصدر تتراوح بين 500 - 600 طن يوميّاً، أي ما يعادل 20 – 25 براداً يوميّاً، مضيفاً أن حجم التصدير تراجع حالياً بسبب انتهاء المواسم.

ولفت إلى أن المواد تصدر إلى دول الخليج وخاصة السعودية، حيث إن 90 في المئة من الصادرات تتجه إليها، كونها سوق استهلاك كبيرة، بسبب جغرافيتها الواسعة وعدد سكانها الكبير.

هذا وتتصاعد التحذيرات في مناطق سيطرة النظام السوري هذا العام من التراجع غير المسبوق في الإنتاج الزراعي، بسبب ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، بدءاً من حراثة الأراضي وانتهاء بأجور النقل، حيث باتت المساحات الواسعة من الحقول "للفرجة" لا أكثر.

15 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية

ويعيش ما يقارب 90 في المئة من السوريين اليوم تحت خط الفقر، ويحتاج أكثر من 15 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وتؤكد أرقام المنظمات الدولية ما أوردته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إذ أفاد تقرير برنامج الغذاء العالمي بأن 12.1 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين يبلغ عدد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد إلى مليونين ونصف المليون، أما الأشخاص المعرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي فقاربوا المليونين.