icon
التغطية الحية

فريدريك هوف.. الأميركي الذي حاول جمع الأسد بنتنياهو والوصول إلى الجولان

2023.01.09 | 22:29 دمشق

الأميركي فريدريك هوف الذي حاول جمع الأسد بنتنياهو والوصول إلى الجولان
الأميركي فريدريك هوف الذي حاول جمع الأسد بنتنياهو والوصول إلى الجولان
+A
حجم الخط
-A

في عام 1964 وصل إلى سوريا شاب أميركي يدعى فريدريك هوف كان عمره آنذاك 16 عاما، أي بعد انقلاب حزب البعث بعام واحد، الحدث الذي كان مفصليا في تاريخ سوريا الحديث.

ولعل ذلك الفتى لم يتوقع أن يعود إلى دمشق بعد أكثر من أربعة عقود كدبلوماسي يمثل بلاده ويجلس مع بشار الأسد، ليبحث معه واحدا من أكثر الملفات تعقيدا في الشرق الأوسط، العلاقات السورية الإسرائيلية ومفاوضات السلام.

 تجربة غنية سرد أحداثها في كتاب "الوصول إلى المرتفعات: القصة الداخلية لمحاولة سرية للتوصل إلى سلام سوري - إسرائيلي"، الذي نشره قبل نحو عام، نعود اليوم لنحاوره في تلفزيون سوريا ويروي لنا تفاصيل مثيرة ستبقى في الذاكرة السورية.

فريدريك هوف

طالب أميركي في بلاد البعث

بدأ السيد فريدريك هوف حديثه باستحضار زيارته الأولى لدمشق، آنذاك كان طالبا في الثانوية، تقدم بطلب لبرنامج مخصص للطلبة من أجل الخدمة الميدانية الأميركية، وبعد قبوله تلقى خطابا يبلغه بأنه تم اختيار أسرة سورية تناسبه في دمشق، هي أسرة آل لطفي، الوالدان عيسى وروز والإخوة إيلي وفريد لطفي.

 لم يكن هوف آنذاك يعرف بالضبط عن المشرق كثيرا، يقر أنه بالنسبة لشاب مثله، كان عليه أن ينظر إلى الخارطة ليعرف أين تقع سوريا، يتحدث هوف عن الكثير من الأمور التي بدت غريبة عليه في ذلك الوقت وعلى رأسها المناخ السياسي السائد في سوريا خلال فترة رئاسة أمين الحافظ بعد انقلاب حزب البعث الذي مهد لسيطرة حافظ الأسد على البلاد لاحقاً في عام 1970.

وتلك التجربة في منزل آل لطفي كانت إيجابية للغاية وغيرت حياته برمتها، إذ تعرف على أصدقاء سوريين وحاول التعرف إلى وضع سوريا في المنطقة والعلاقة مع إحدى دول الجوار المهمة أي إسرائيل وفق تعبيره، ومن هناك ومضت في ذاكرة الرجل فكرة، كم سيكون الأمر رائعا لو حدث في يوم من الأيام أن يتمكن من تقديم شيء لبلد وشعب عشقهما من كل قلبه.

An aerial view of a city

Description automatically generated

الحلم يتحقق

يقفز فريدريك هوف إلى العام 2009، حين تم تنصيب باراك أوباما رئيسا لأميركا، حيث جاءه اتصال هاتفي بعد ليلة أو ليلتين من الزعيم السابق للغالبية في مجلس الشيوخ جورج ميتشل، يدعوه للانضمام إلى فريقه بعد أن عيّن مبعوثا خاصا للسلام في الشرق الأوسط، وافق هوف على الفور، لكنه طلب من ميتشل أن يركز في عمله على عملية السلام بين سوريا وإسرائيل لأنه كان مهتما في ذلك الملف منذ صغره.

كان لدى هوف تصور كامل حول جذر المشكلة، بين المطالب السورية منذ أوائل التسعينات التي تنص على استعادة كامل الأراضي المحتلة في حرب 1967، مقابل أي معاهدة سلام مع إسرائيل، أما الموقف الإسرائيلي فقد أصبح في نهاية الأمر يقوم على الموافقة على النظر بهذا الأمر والاستعداد للبحث بفكرة إعادة الأراضي لسوريا، لكنها طالبت دمشق بالمقابل بتغيير توجهها الاستراتيجي بشكل كامل، وتحديدا في مسألة العلاقات العسكرية مع إيران وحزب الله وكذلك مع حماس في ذلك الحين، وقد تحول ذلك لمعيار أساسي للوساطة التي بدأ هوف العمل عليها في عام 2009.

واستعرض هوف المحاولات الفاشلة التي سبقت محاولته خلال أيام إدارة كلينتون في هذا الملف، حيث تحدث عن الإخفاق في تحديد الأمور التي يجري التفاوض عليها بشكل واضح وهي المتصلة بخط الرابع من حزيران 1967، وقد شملت آخر محاولة للوساطة الأميركية سفر حافظ الأسد إلى جنيف للقاء كلينتون أوائل العام 2000، كانت صحة الاسد متردية في ذلك الوقت، لكنه سافر رغما عن ذلك، وهو يعرف بأن كلينتون سيقدم له خارطة قد يبدو تفسيرها لخط الرابع من حزيران 1967 مقبولاً بالنسبة له، ولكن كما تبين لاحقا، قوبلت الخارطة برفض صريح من الأسد، إذ كان خط الرابع من حزيران يمر عبر المنطقة الواقعة شمال شرقي ضفاف بحيرة طبريا، أما الخارطة التي قدمها الرئيس كلينتون فقد كانت تبعد مئات الأمتار عن شرقي تلك البحيرة، ولوهلة صرخ الأسد: ما هذا؟ إن كان الأمر كذلك فلن يقوم أي سلام.

A group of soldiers standing on a hill

Description automatically generated with low confidence

ومن وجهة نظر هوف فإن الفشل في تحديد القضية هو السبب بعدم قيام مفاوضات أكثر جدية، كما حمل هوف إيهود باراك الذي كان رئيس وزراء إسرائيل آنذاك المسؤولية الكبرى لفشل المفاوضات، الذي لعب دورا أساسيا في تحويل لقاء القمة بين الأسد وكلينتون إلى كارثة حقيقية حسب قوله، لتكون تلك النهاية الحتمية، وآخر محاولات حافظ الأسد قبل وفاته بعد ذلك بثلاثة أشهر.

Two men in suits shaking hands

Description automatically generated with medium confidence

حجر جديد في الماء الراكد

تحدث السيد فريدريك هوف عن الوساطة الأميركية التي تمت في خريف عام 2010 عندما اتفق الطرفان على على أن تقوم واشنطن ممثلة بشخص هوف بصياغة مسودة معاهدة سلام مع ترك المجال بشكل واضح لإضافة تفاصيل ومعلومات أخرى، ولكن عند تداول هذا الملف المكتوب، جيئة وذهاباً بين الطرفين، تبين لهوف بأن الجانبين شرعا بالتفاوض من خلاله بنية طيبة من دون تسريب أي شيء حول هذا الموضوع للصحافة، كان ذلك بحد ذاته بالنسبة لهوف مؤشراً جيداً حول مدى الجدية.

وذكر هوف أن نقطة الاتصال المعتادة بالنسبة له في سوريا كانت متمثلة بشخصية وزير الخارجية السابق وليد المعلم، وتحدث هوف عن الدور الذي كان يلعبه جون كيري آنذاك، الذي كان يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، حيث كانت تربطه مع زوجته علاقة اجتماعية مع بشار وأسماء الأسد، وقد عقد كيري في أيار 2010 اجتماعا مع الأسد بعدما طلب البيت الأبيض منه ذلك يركز على المشكلات التي يخلقها الدعم العسكري السوري لحزب الله، وبالطبع أنكر الأسد ذلك كما هي عادته وفق تعبير هوف، الذي تحدث عن وثيقة وضعها فريقا كيري والأسد ذكر فيها استعداد سوريا ورغبتها بإنهاء كل التهديدات التي تمثل خطراً على أمن إسرائيل مقابل استعادة الأراضي التي خسرتها بشكل كامل، بيد أن هذه الوثيقة بقيت بلا توقيع، لكنها كما يروي هوف كانت بالنسبة له نقطة تحول في عملية الوساطة.

A picture containing person, indoor, suit

Description automatically generated

لقاء نتنياهو والأسد

تحدث فريدريك هوف عن شخصية كان لها باع طويل بالمفاوضات بين سوريا وإسرائيل والمقصود هنا هو دينيس روس، الذي وصلته نسخة من وثيقة كيري، ليهاتف هوف ويقترح عليه السفر إلى القدس للقاء رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، حيث كان يعتقد روس بأنه يمكن فعلا التوصل إلى اتفاق سلام، وهذا ما كان يعتقده هوف أيضا، نظرا لمناقشاته مع وليد المعلم الذي كان يشدد على ما ورد في وثيقة كيري.

 ويروي هوف تفاصيل أول لقاء جمعه بنتنياهو، حيث شكك الأخير بما ورد في وثيقة كيري، وباستعداد سوريا لفعل كل ذلك، يضيف هوف أن المطلب والشرط الأساسي لنتنياهو كان يركز على مدى استعداد سوريا لتغيير توجهاتها بشكل كامل واستراتيجي مقابل استعادتها لأراضيها على مراحل من خلال عملية قد تستغرق ما بين 3 إلى أربع سنوات، ويتحدث هوف عن تحضيراته للسفر إلى دمشق للتحضير لجمع الأسد بنتنياهو بعد موافقتهما على الاجتماع، ويذكر هوف أن لقاءه بالأسد كان في آخر يوم من أيام شهر شهر شباط عام 2011 في القصر الرئاسي، أي في ذروة احتجاجات الربيع العربي التي كانت رياحها تتجه إلى دمشق بعد موعد الاجتماع بأسبوعين.

A picture containing person, necktie, person, suit

Description automatically generated

 ويروي هوف تفاصيل الاجتماع الذي استمر لمدة 50 دقيقة تقريبا: "سألني الأسد بصراحة: كيف يمكنني إقامة سلام مع إسرائيل في الوقت الذي أتمتع فيه بعلاقات تهدد إسرائيل؟ وأخبرني أنه تكلم مع الإيرانيين حول هذه النقطة وقال: لقد أوضحت للإيرانيين بأن هذه القضية تتصل بمصالح سوريا، ثم قال لي: لا تقلق حيال حزب الله، وأخبرني بأن الأمين العام للحزب حسن نصر الله ليس فارسياً  بل لبناني وأخبرني بأنه على استعداد تام لأن يطلب من الرئيس اللبناني وقتها ميشال سليمان حتى يقوم بتمهيد الطريق أمامي للتفاوض مع نصر الله، حيث قال للرئيس اللبناني: أنت التالي لأننا سنمضي قدماً مع إسرائيل"، يقول هوف إنه لم يكن ذلك هو الجواب الذي يتوقعه من بشار الأسد بالضبط، لكنه كان واضحا حيال كل تلك الأمور، بيد أنه اعترض على شيء واحد في الوثيقة، وهو إيراد كلمة لبنان، ضمن سياق النزاع حول مزارع شبعا، حيث قال الأسد لهوف إن الأمر هنا لا يتعلق بأراض لبنانية وإنما أراض سورية تابعة للجولان، لذا ينبغي عدم ذكر لبنان في هذه الوثيقة، وهو اجتماع لافت توقف عنده هوف والأميركيون والإسرائيليون كثيرا، هل كان الأسد جادا فيما يقول آنذاك؟!

 

يتبع في الجزء الثاني..