عيد شبح البعث في مملكة الخوف

2022.04.11 | 07:26 دمشق

21_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ أيام كان عيد "البعث". والبعث مفردة جذّابة لغوياً ودلالياً وحتى دينياً. اختار له مَن أسسه شعارات تدغدغ طموح جماهير خرجت لتوها من نير احتلالات مديدة وأُخرى قصيرة. اعتبر مؤسسوه أهدافه "ثالوثاً مقدساً ". صدّقته وآمنت به نسبة لا بأس بها من الجماهير؛ ولكن تناوب على البعث مَن نفّر جماهير الحزب والجماهير الأوسع من ذلك "المقدس"، وكرّههم به؛ فكانت الارتدادات والنكسات بكل الاتجاهات؛ وكان الدمار والخيبة والتخلف والظلم والاستبداد. وربما كان ذلك هو المطلوب منه.

ربما كان المطلوب أن تكفر الجماهير بمبادئه السامية؛ بحيث يصبح مآل طلب "الحرية"، الاعتقال أو تدمير إنسانية الإنسان؛ والسعي "للوحدة"، يقود إلى التشرذم وضياع أي حلم نهضوي يرفع مقام الأمة؛ ونشدان "الاشتركية"، سواد الظلم والاستبداد والفساد والفقر.

لو استطاعت تلك السلطة أن تنسف وحدة البيت أو الأسرة السورية الواحدة، لما توانت عن ذلك؛ وللأسف أفلحت بفعلتها هذه أحياناً

في "بلاد العُرب أوطاني"، حيث حلَّ البعث، عاش السوريون يحلمون بالوحدة؛ فحوّلها القائمون عليه إلى فرقة وصِدام، حتى ضُمنَ الحزب الواحد في بلدين عربيين متجاورين؛ لتصل الأمور بسلطةٍ سوريةٍ أن تكتب على جواز سفر مواطنها (كل بلدان العالم، إلا العراق). ولو استطاعت تلك السلطة أن تنسف وحدة البيت أو الأسرة السورية الواحدة، لما توانت عن ذلك؛ وللأسف أفلحت بفعلتها هذه أحياناً. وللعلم، مع انطلاق ثورة سوريا 2011، كان الشعار الأكره والأخطر على قَتَلة منظومة الاستبداد: {…الشعب السوري واحد}.

تفنّن حافظ الأسد بتدمير وحدة العرب، فأقنع السوريين بـ "التضامن العربي" نظراً للظروف- حسب ماكينة إعلامه "الغوبالزية"-؛ وسعى بكل ما يستطيع أن يكون هذا "التضامن" حالة من المؤامراتية بين بلد عربي وآخر؛ ليصبح العربي آمنا جانب الأجنبي أكثر من أمانه جانب أخيه. عبر "تضامنه العربي"، هتك الأسد كرامة لبنان، مُنفّذاً تعليمات إسرائيلية- أميركية-، فاتحاً الطريق بدايةً أمام المسؤول "البعثي" الآخر صدام حسين ليغزو الكويت، وليتابعها "القومي العربي الأول" بتآمر دولي مع إيران الفارسية لتدمير العراق، وليستنزف الأمة ويفتح أبوابها خراباً لكل المستبيحين. وكان أول مسيرته التدميرية لهذه الأمة قد ساهم عبر "لجنته العسكرية" بإعدام وحدة مصر وسوريا، وابتدع بعثه الخاص به عبر خلق سلطة عميقه تحوّلَ من خلالها إلى شبه إله مهمته إعدام الوحدة والحرية والإنسانية في سوريا ومحيطها العربي.

باسم الوحدة تبعثر ما كان يُسمى "الوطن العربي"، وتم مسخه سياسياً، وأضحى بلا حول أو قوة أو إرادة. باسم الحرية والتحرير، فلسطين لا تزال مغتصبة، والجولان يقايض عليها رب البعث الجديد "الابن" ليبقى في السلطة أبديا. وباسم الحرية، تم إعدام الحياة السورية، وليس فقط الحرية السورية. وباسم الاشتراكية، أصبح خط الفقر الطبيعي أمنية، والخروج من الوطن أقصى الطموحات.

مهرت قيادة البعث بحافرها دخول الأسد الأب إلى لبنان ليجهز على المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية

لم يكن للبعث قيمة تُذكر في الدولة الأسدية إلا بما يكرّس سلطة الأسد المطلقة؛ فكان المطية الأساس في تنفيذ الاستبداد والإجرام. نصّب الأسد البعث قائداً للدولة والمجتمع في دستوره، ليكون بشخصه الحاكم المطلق "دستورياً"، والمتحكم بالحياة السورية اجتماعياً وثقافياً وتعليمياً وتربوياً ونفسياً واقتصادياً وعسكرياً وسياسياً؛ ولتصبح حياة سوريا وأرواح أهلها ومصيرهم بيده حصرياً؛ والكل منفّذ مطيع؛ وإذا فكّر أو اجتهد أحد، فمصيره الموت. فهو الصانع الأول والمقرر النهائي لكل منحى من مناحي الحياة السورية.

باسم البعث، قتل جيش "حماة الديار" العقائدي شعب سوريا. وكما مهرت قيادة البعث بحافرها دخول الأسد الأب إلى لبنان ليجهز على المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية؛ وكما باسم البعث وأهدافه حمى "حدود" الكيان الصهيوني الشمالية في لبنان والجولان، كي يمنحه الصهاينة وأعوانهم سلطةً أبدية وراثية محصنة في سوريا، وكما باسمه أيضاً يتم ترشيح المستبد للرئاسة؛ يكون السوريون في قتال بينيّ لنشر وتكريس مقولته بأن هناك حرباً أهلية في سوريا، وليس ثورة على الظلم والقهر والاستبداد.

أخيراً، وبحكم مراهنتي على جوهر الإنسان السوري الذي يحمل جينات أهل "مهد الحضارات" و"منزل الديانات" و"فيليب العربي" و"جوليا دومنا" وأحرار سوريا والآباء المؤسسين للحرية والاستقلال، أسأل آلاف الذين لا زالوا على قيود وسجلاّت هذا "الحزب القائد" المسكين في عيد "بعثهم" ألم يكن حزبكم الغائب- الحاضر هذا شاهد زور وأداة قمع وإذلال لذبح سوريا وأهلها؟! ألم يكن الشمّاعة التي عُلّقت عليها كل أسمال الفساد والإفساد والعبث بمصير البلاد والعباد؟! ألم يكن شاهد الزور على أول رصاصةٍ أطلقها سوري على سوري؟! حزبكم ميّت، ولكنكم لا تمتلكون جرأة إعلان وفاته؛ حتى الدفّان لا يريد إعلان نفوقه، وجميعكم ميّال لإبقائه شبحاً في مملكة الخوف، ولكنه إلى زوال محتم هو ومَن ما زال يتمسك بأسماله.