عقابيل سباق التطبيع مع الاستبداد

2022.02.07 | 05:36 دمشق

tdwyr2.jpg
+A
حجم الخط
-A

سباقٌ محموم تقوده بعض الدول لإعادة تكرير منظومة استبدادية قتلت شعبها، واعتقلت مئات الآلاف منه، وأزهقت أرواحهم في معتقلاتها، واستخدمت الأسلحة المحرّمة دولياً، واستدعت الاحتلالات، وشرّدَت الملايين، وجوّعت وأذلّت من بقي في الداخل؛ واستمرت بعنجهيتها وادعائها النصر ببهلوانية وانفصام كامل عن الواقع. فأي غاية لتلك "الدول"، وأي صفات تليق بها إلا الرخص والعمالة و"الدياثة" عندما تسعى لسحق حقِ شعبٍ جريمته أنه أراد أن يحيا بكرامة وحرية وإنسانية! وأي مفاعيل وعقابيل ستكون لإعادة تكرير هذه المنظومة الاستبدادية، التي تكشّف إجرامها حتى للحجر؟

أولئك الذين يتسابقون لإعادة "النظام" يتذرعون بضرورة إنقاذ الشعب السوري من المعاناة، وفك ارتباط النظام بإيران، وضرورة وجود سوريا في الجامعة العربية كقوة ومنعة للعرب. وللأسف عكس ذلك تماماً هو الأمر الطبيعي؛ وخاصة أن الأسباب التي أدت إلى نبذ النظام وتعليق عضويته في الجامعة ما تزال قائمة وتتفاقم، رغم انخفاض منسوب سفك الدماء. ما مِن عاقل إلا ويرى أن "فكَّ ارتباط النظام بإيران" مسألة مستحيلة، فالتوءم السيامي ينتهي بفصله. ولو كان هذا النظام متأكداً أن هاجس المتسابقين "رفع معاناة الشعب السوري"، لمًا التفت إلى المتسابقين المحمومين، رغم حاجته الماسة حتى لالتفاتةٍ من مسؤول دولي، مهما صغر شأنه؛ أمًا بخصوص ذريعة "قوة العرب ومنعتهم"، فعار المنظومة وإجرامها لا يمكن أن يولّد قوة ومنعة لأحد.

النظام لم ينتظر إعادة تكريره، ليتحوّل إلى ميليشيا انتقام مباشرة أو بالأدوات، وتصبح تصفيات الحساب الخفية علنية؛ فما بالك عندما تتم إعادة التكرير!!

في ذريعة رفع المعاناة، يشهد السوريون الآثار الجانبية وعقابيل التسابق الشائن بأم أعينهم؛ حيث يتحوّل الموت أحياناً إلى أمنية؛ فالنظام لم ينتظر إعادة تكريره، ليتحوّل إلى ميليشيا انتقام مباشرة أو بالأدوات، وتصبح تصفيات الحساب الخفية علنية؛ فما بالك عندما تتم إعادة التكرير!! وها هو الفقر والفساد الإداري والاجتماعي يتحوّل سلفاً إلى نمط حياة؛ وها هي عصابات الخطف والمخدرات والتعفيش والتهجير تعيث فساداً، بترتيب علني منه.

مع تباشير إعادة تكرير منظومة الاستبداد، ها هو الفقير يزداد فقراً وذلاً، والعصابات الحاكمة ومن يلوذ بها تزداد غنى وغطرسة وتوحشاً؛ والدمار الأخلاقي والتهتك الاجتماعي والمعرفي يضرب أطنابه. ومع سقوط المنظومة الأخلاقية، ومفاهيم الحق والواجب، وكل المعايير الوطنية؛ تتحوّل سوريا إلى دولة فاشلة بامتياز، بوجود واستمرار هذه المنظومة الاستبدادية.

أولئك الذين تأخذهم منظومة الاستبداد رهينة طوعاً أو خوفاً أو إكراهاً، ويُطلَق عليهم "حاضنة النظام"، ليس بمقدورهم فعل شيء، بسبب انسحاقهم الطوعي أو الإجباري؛ وما جهات يخدعها "حكمها الذاتي" بقادرة أن تكون إلا أداة معتمدة على قوى الاحتلال؛ ولا المعارضات لديها مشروعها الوطني لإنقاذ البلاد من هكذا آفة؛ ولا بعض القيادات العربية مدركة أبعاد استمرار سموم الأسدية في عالمها وبين ظهرانيها.

بسبب وجود إيران وبدفع منها، وبكل بجاحة يقدّم نظام الاستبداد نفسه كمنتصر، يستحق الاستمرار. ورغم أن سوريا الآن تحت خمسة احتلالات، وعدد من ميليشيات الأمر الواقع؛ ومنظومة الاستبداد ليست إلا مجرد واحدة منها، فالتصاقه بإيران يهبه هذه المنعة التي يحلم المطبّعون فصمها. ألا يرى هؤلاء أن التغيير الديموغرافي أضحى علنياً، حيث يحتل بيوت السوريين أفغان وباكستانيون وإيرانيون، تمّ منحهم الهوية السورية؟

مع إعادة تكريره أو تدويره، وفي ظل جملة من الاحتلالات؛ سيكون نظام الأسد المشرعن للاحتلال والتقسيم، شاهداً على ضياع سيادة سوريا، مبرراً لاستمرار حالة الدمار والضياع فيها. وجوده سيحول دون عودة ملايين السوريين الذين تبعثروا في أصقاع الأرض؛ ولن تتجرأ أو تقدِم جهة على إعادة الإعمار، لأن من دمّر أول مرة، سيدمّر مرة أخرى.

باستمراره ستستمر العقوبات، التي يعمل على جعل مَن تبقى حوله ضحية لها؛ كي يبقوا عبيداً له، متمسكين به. بوجوده، سيكون التقسيم أقل المآسي؛ وهو يريده، علّه يبقى متسلطاً، ولو على شبر واحد، ليشبع غريزة حيوانية في التسلّط قلَّ نظيرها. استمراره شرعنة للجريمة حتى دوليا، بحكم غياب العدالة وعدم محاسبة المُدان على الجرائم التي اقترفها بحق شعبه. بوجوده سيضيع مزيد من الأجيال دون علم أو تربية أو أخلاق. 

بحكم تحوّل عالمنا إلى ما يشبه القرية، فإنه باستمرار هكذا علّة في جسد هذه القرية، فالسلام العالمي في خطر حقيقي

ليبشر المتحمسون والمحمومون المتسابقون لإعادة منظومة الاستبداد إلى الجامعة العربية، تحت ذريعة أن (العرب سيكونون أكثر قوة ومنعة بوجود سوريا)، بأنه بوجود المنظومة سيزداد التبعثر والضعف العربي، والتوترات والمآسي الجديدة ستلد، والأمراض البينية ستتفاقم، والاستباحة الخارجية ستزداد. إقليمياً لن يكون الحال أفضل؛ فالتوترات الإقليمية لا تحتاج إلى مزيد من تنابذ وتضارب المصالح اللازمة إلى اشتعال حروب، الكل فيها خاسر. وبحكم تحوّل عالمنا إلى ما يشبه القرية، فإنه باستمرار هكذا علّة في جسد هذه القرية، فالسلام العالمي في خطر حقيقي. فلا يغيب عن الأذهان عودة ظلال الحرب الباردة التي لا يمكن عدم اعتبار التنافر الحاصل بين القوى الموجودة على الساحة السورية خارج المسببات أو السياق.

أخيراً، عندما تتطلع بعض القوى إلى الجنى المؤقت من استمرار منظومة تزرع الموت لا الحياة، غير محتسبة أن الموت سيطولها أيضاً؛ وعندما تحسب بعض القوى العالمية أن الجنى ينتظرها، فإن عليها أن تتأكد من أن خسارتها القادمة ستكون بلا حدود، إن لم تسحب هذا الصاعق. طريق الخلاص يستلزم جهود الجميع، والبداية باقتلاع هذه الآفة. ولا يكون ذلك عبر البدعة القديمة - الجديدة والفاشلة سلفاً /"خطوة – بخطوة"/ بل بالاستمرار بنبذ ورفض عضوية هذه العصابة الإجرامية المارقة؛ ليس فقط في "الجامعة العربية"، بل في كل محفل دولي.