سوريا.. مسلسل الأكاذيب الروسية

2022.01.02 | 05:04 دمشق

1640612344.jpg
+A
حجم الخط
-A

تصريحات مندوب الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، حول عدم ضرورة صياغة دستور سوري جديد، وأن بشار الأسد باق في السلطة، أقفلت باب التفاوض مع النظام السوري على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي ينص في صورة واضحة على "التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012"، والخاص بـ "إنشاء هيئة حكم انتقالية" تتولى نقل السلطات من الأسد، وسبق لموسكو أن خرقت هذا القرار الذي تقف وراء صياغته عام 2015، وسمحت له في العام الماضي بالترشح لولاية رئاسية جديدة، وتم إجراء انتخابات في المناطق التي تسيطر عليها. وبالتالي صارت "هيئة الحكم الانتقالية" أمرا منسيا وأن الأسد سوف يمضي على الأقل سبعة أعوام في الحكم، وما جاء على لسان لافرنتييف لوكالة "تاس" من رفض أي نقاش حول وضع الأسد، هو تثبيت لموقف موسكو الذي لم يتغير منذ تدخلها العسكري في عام 2015.

في آخر جولة من اجتماعات أستانا (17) اختصر لافرنتييف عدد المعتقلين إلى أقل من 500، في حين أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت 149 ألف حالة اختفاء قسري لدى النظام منذ قيام الثورة

أفرغت روسيا القرار 2254 من كل حمولته السياسية ومضامينه، وما نص عليه من إجراءات لبناء الثقة، وتصرفت على عكس ما جاء فيه لعدة نقاط مهمة في سياق الحل عبر الأمم المتحدة. أولا، ما يتعلق بالإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، وجاء في النص "الإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال، ويدعو دول الفريق الدولي لدعم سوريا إلى استخدام نفوذها على الفور تحقيقا لهذه الغايات". ولم يتحقق من ذلك شيء حتى اليوم، بل على العكس يواصل النظام هذا النهج، وفي آخر جولة من اجتماعات أستانا (17) اختصر لافرنتييف عدد المعتقلين إلى أقل من 500، في حين أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت 149 ألف حالة اختفاء قسري لدى النظام منذ قيام الثورة.

والمسألة الثانية، هي إدخال المساعدات الإنسانية، ويدعو القرار "الأطراف إلى أن تتيح فورا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا، ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فورا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها". وقد لعبت موسكو على هذه النقطة وحولت الحاجة إلى سلاح ضغط لتجويع المهجرين، ووسيلة ابتزار سياسي من أجل المزيد من التنازلات من تركيا والفصائل السورية المتحالفة معها.

أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بعودة المهجرين، ومما جاء في القرار "يؤكد الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقا للقانون الدولي". وإلى اليوم لم يتم تنفيذ ولو قسط بسيط من هذه الفقرة من القرار، بسبب عدم وجود ضمانات وتوافر شروط آمنة للعودة الطوعية، في طل اختفاء وابتزاز الأعداد القليلة التي عادت من لبنان.

في ما يتعلق بالمرافق الطبية فإن معارك العامين الأخيرين تشهد على تدمير كامل لها في أرياف حماة وإدلب وحلب

والمسألة الرابعة تختص بوقف إطلاق النار واستهداف المدنيين، وكان القرار صريحا في هذه النقطة "يطالب بأن توقف جميع الأطراف فورا أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي". ومن المعروف أن النظام لم يمتثل لذلك ولا حلفاؤه الروس والإيرانيون حتى اليوم، وفي ما يتعلق بالمرافق الطبية فإن معارك العامين الأخيرين تشهد على تدمير كامل لها في أرياف حماة وإدلب وحلب، وقامت صحيفة "نيويورك تايمز" بتحقيق استقصائي حول ذلك وتوصلت إلى نتائج بالأدلة المسجلة حول قيام روسيا بتدميرها مع سبق الإصرار.

ويظهر هذا العرض لبنود القرار أن موسكو اختارت منه بندا واحدا وهو "تحديد جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، فـي غضون 18 شهرًا تحـت إشراف الأمم المتحدة"، وجرى تشكيل اللجنة الدستورية التي تحولت بعد عامين من الجلسات في جنيف إلى متاهة "كافكاوية". وجاء تصريح لافرنتييف ليحيلها إلى التقاعد وإقفال الملف. ومن المؤسف هنا هو رد هيئة التفاوض الذي جاء على لسان رئيسها أنس العبدة، والتي أراد منها إحراج الروس من خلال التمسك باللجنة الدستورية، بدل أن يدعو إلى بدائل تقوم على تصليب موقف هيئات المعارضة في وجه المسار الروسي للحل، والقائم على تثبيت الأسد. والأمر لا يقف عند موقف العبدة الباهت، بل يرجع إلى سلسلة طويلة من التراجعات من قبل هيئة المفاوضات.