سوريا الجريحة واللجنة "غير" الدستورية

2019.10.03 | 03:00 دمشق

2023099605.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد أن أثخن النظام السوري وإيران وروسيا جراحهم في سورية وحولوا بلداً بأكمله إلى جثة متعفنة ودولة فاشلة ليس لها مقومات النهوض أو الأمل بالحياة، هاهم يدعمون تشكيل لجنة دستورية تكتب دستوراً جديداً للسوريين ويجبرون الأمم المتحدة بمن فيها الأمين العام للأمم المتحدة على دعم هذه المهزلة، فالملهاة السياسية مستمرة والتي يطلق عليها "الحل السياسي" ودائماً هناك من يشارك باسم المعارضة مهما بخس الثمن أو صغر الهدف وقلت قيمة الهدية، فصغار النفوس يكثرون عندما يصبح الثمن أبخس وأبخس.

صور الدمار الذي تركته روسيا من حلب إلى الغوطة إلى درعا لا تفتح أي مجال للشك بأن مناورة أستانا فعلت فِعلها واستطاعت ليس فقط تحييد قوى المعارضة المسلحة وفصائلها ضد بعضها وإنما تحييد الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا.

تحتفظ روسيا اليوم بكامل الحقوق السورية بثرواتها وبشرها، وكي تخفف تكاليفها تسلم جزءاً من ذلك لبشار الأسد الذي لا تعني له سورية إلا كقطعة أرض يريد امتلاكها ولو حوَّلها إلى مقبرة كاملة لأبنائها، قصص الموت والألم تبهجه، قصص التعذيب واللجوء والنزوح تبهجه.

هذه سورية اليوم التي سيستمر بحكمها الأسد على رأس عصابة طائفية لم تمتلك انتماء يوماً لوطن أو حضارة، نظام يذكرك بأسوأ أنظمة التاريخ، سورية مرتبتها اليوم بين أكثر الدول فشلاً في العالم، ولن يذكر السوريون إلا هذه القصص، ستصبح ذاكرتهم معبأة بالدم والألم، وأجيالهم ستطرد شبح وطن اسمه سورية من ذهن أولادهم، فلا شيء يدعو للفخر، إنها مشبعة بذكريات الألم.

كيف تأتي روسيا وتفرض على السوريين الاتفاق على لجنة دستورية قبل الاتفاق على شكل النظام السياسي الذي من شأنه أن يعكس الدستور القادم وفقه

فكيف بكل هذا الانهيار يطلب من السوريين المشاركة في حفلة اللجنة الدستورية، ثم كيف تأتي روسيا وتفرض على السوريين الاتفاق على لجنة دستورية قبل الاتفاق على شكل النظام السياسي الذي من شأنه أن يعكس الدستور القادم وفقه، أعتقد أن كل السوريين الذين يتابعون أخبار هذه اللجنة بكثير من الإهانة، فروسيا اليوم لا تتدخل لحساب نظام الأسد وإنما تتصرف بوصفها قوة احتلال، وتستخدم القوة لفرض رغبتها العسكرية والقوة ذاتها لرغبات أحلامها السياسية.

قررت روسيا عدم احترام مناطق خفض التصعيد التي أقرتها هي في أستانا، وفي جميع أنحاء سوريا حيث كشفت روسيا أن هذه المناطق مؤقتة وأن روسيا تستطيع أن تقرر متى تنتهي صلاحية هذه الاتفاقات من عدمها.

وبدل التركيز على ذلك فضلاً عن قضايا أخرى تشكل أولوية للسوريين اليوم من مثل اللجوء والوضع الإنساني فإن روسيا قفزت وعملت على لجنة لاقتراح دستور سيكون مصيرها مثل مصير اتفاقات أستانا لعب على الوقت تحت القوة العسكرية من أجل تحقيق السيطرة العسكرية الكاملة لنظام الأسد.

روسيا لم تعد داعماً لنظام الأسد أو راعياً له، وإنما أصبحت في الحقيقة مالكة له وبالتالي عليها "إنقاذ سورية" من أجل الخروج بشرف وكرامة من تدخلها العسكري

مع الذكرى الرابعة للتدخل الروسي في سورية في نهاية الشهر الماضي، روسيا لم تعد داعماً لنظام الأسد أو راعياً له، وإنما أصبحت في الحقيقة مالكة له وبالتالي عليها "إنقاذ سورية" من أجل الخروج بشرف وكرامة من تدخلها العسكري، لكن في الحقيقة تطورت الأمور على غير هذا المبدأ كلياً، إذ تدخلت روسيا في كل الأماكن مع تركيز عسكري وقوة نارية هائلة ضد المعارضة السورية المسلحة بما دعم نظام الأسد، ثم تحول تدخلها العسكري الأخير في الغوطة فدرعا إلى قدرة تدميرية هائلة خارج إطار القانون الدولي ومكَّنها موقعها الدائم في مجلس الأمن وامتلاك حق النقض الفيتو من حمايتها من أي مسائلة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في حلب ودرعا والغوطة عبر استهداف المشافي والمناطق المدنية المأهولة بالسكان. 

يذكر تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة أنه قد قُتل المئات من المدنيين منذ بداية عام 2019. وبالإضافة إلى القتلى والجرحى، شُرد ما لا يقل عن 000 330 شخص من النساء والرجال والأطفال حتى نهاية حزيران/يونيو 2019 إلى مجتمعات محلية مختلفة في إدلب وجنوب غربي حلب ومحافظة حماة. وفرَّ المدنيون إلى مناطق مكتظة بالسكان كانت الموارد فيها شحيحة بالفعل، الأمر الذي زاد من الإجهاد الواقع على قدرات الإغاثة المحدودة لدى المنظمات الإنسانية. ويضيف التقرير ويوحي نمط الهجوم إيحاءً قوياً بأن القوات الموالية للحكومة تستهدف المنشآت الطبية على نحو منهجي. وترقى هذه الهجمات إلى مستوى جريمة الحرب المتمثلة في الهجوم المتعمّد على الأعيان المحمية ومهاجمة العاملين الطبيين عن قصد" كما أن اللجنة لاحظت نشوب عدد من الحرائق التي أثّرت على المحاصيل الزراعية التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. وفي بعض الحالات، ربما تكون الحرائق قد حدثت نتيجةً لاستخدام القوات الموالية للحكومة لأسلحة حارقة بالقرب من المناطق الزراعية".

لم تعد هذه الحقائق الدامغة بارتكاب الحكومة السورية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بشكل يومي تقريبا تعني أحدا اليوم، ورغم أن هذه اللجنة تجري عملها باتساق ضمن تكليف مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن الأمين العام يتجاهل كل هذه الحقائق كي يرحب بتشكيل اللجنة الدستورية التي لن يكون لها أي معنى سوى أن تضيف للسوريين أملا كاذبا اختبروه كثيرا وما زالوا يختبرونه بشكل يومي.