icon
التغطية الحية

حكومة النظام السوري تنسى مرضى الزهايمر

2022.09.26 | 06:52 دمشق

مرضى الزهايمر في سوريا
الصورة: good therapy
اللاذقية ـ علي أحمد
+A
حجم الخط
-A

"أخاف أن أموت قبل أختي فتضيع من بعدي أو تموت وحيدة كجارنا أبو أيوب"، تتحدث مفيدة عن حزنها لوفاة جارها أبو أيوب وحيداً في منزله وتكشف خوفها على أختها المصابة بمرض الزهايمر.

ويقول طبيب اختصاصي في الأمراض العصبية لموقع تلفزيون سوريا "نتيجة الحرب أولت الحكومة السورية وكل منظمات المجتمع المدني تركيزها على الجرحى والمصابين والأطفال وغفلوا بقصد أو دونه عن أهمية كبار السن وإدراجهم ضمن نشاطاتهم" على حد قوله.

دور المسنين في سوريا

وشهدت مناطق سيطرة النظام السوري خلال السنوات الأخيرة، قصصاً حزينة عن تخلي الأبناء عن آبائهم وأمهاتهم، حتى أصبحت دور المسنين لا تتسع لهم، بسبب التفكك الأسري والاجتماعي نتيجة للتدهور المعيشي والاقتصادي.

وتضع دور رعاية المسنين في مناطق سيطرة النظام عدداً من الشروط قبل الموافقة على قبول أي مسنّ، ومن بينها ألا يتخطى عمر المتقدم 70 عاماً، إضافة إلى دراسة كل حالة على حدة.

ويبلغ عدد دور المسنين المفعلة حالياً 20 داراً، تُدار بالتعاون مع المجتمع الأهلي، إضافة إلى دارين حكوميتين، الأولى دار "الكرامة لرعاية المسنين والعجزة"، والثانية "مبرة الأوقاف لرعاية المسنين" بحلب، بحسب ما قالته هنادي خيمي، مديرة الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام السوري، لصحيفة "الوطن".

وتصل كلفة الإقامة في دور رعاية المسنين الخاصة إلى 250 ألف ليرة في الشهر من دون ثمن الأدوية، وفي حال الحاجة إلى مرافق يزيد المبلغ، وفقًا لخيمي.

مفيدة، امرأة سبعينية تعيش مع أختها رويدة التي تقاربها في العمر بمفردهن في منزل في اللاذقية تركه لهن والدها وإخوتها، لم تتزوجا وعاشتا حياتهما سويةً. وقد شخص الأطباء إصابة رويدة بمرض الزهايمر منذ خمس سنوات ومنذ ذلك الوقت ومفيدة تهتم بها كما تهتم الأم بطفلها كما كانت سابقاً تهتم بجارهم "أبو أيوب" الأرمل الثمانيني المصاب أيضاً بالزهايمر، ونتيجة للحرب في سوريا وهجرة أولاده اضطر أن يعيش وحده ورفض كل محاولات أبنائه لتسفيره خارج البلاد.

مفيدة كانت تقوم بدور الأم مع أختها وجارها، تزور جارها كل يوم وتنظف منزله وتطعمه وثم تعود لمنزلها وتهتم بأختها وتقضي نهارها كله في قلق وتوتر دائم من أي تصرف تقوم به أختها يعود بالأذى عليها، فأختها رويدة غير مدركة لتصرفاتها وناسية تماماً كل شيء كطفل صغير بالضبط.

مرضى زهايمر وحيدون في سوريا

مايقلق مفيدة دوماً أن تموت قبل أختها وأن تعيش رويدة وحيدة من دون أي شخص بجانبها كما حصل مع جارهم أبو أيوب، الذي وبسبب عدم قدرة أبنائه على العودة إلى سوريا توفي في فراشه وحيداً ودفن وحيداً من دون أهل أو أصدقاء، فقط من تبقى من أفراد العائلة البعيدة هم من تكفلوا بإجراءات الدفن والعزاء.

تقول مفيدة بوجود دار لرعاية المسنين في كل محافظة في سوريا ولكنها ترفض الذهاب إليه مع أختها، رغم أن كل التوصيات العالمية لمرضى الزهايمر تؤكد على ضرورة وجود هؤلاء المرضى بمن في عمرهم لسهولة وجود تواصل مع من في عمرهم ووجود اهتمام دائم ومراقبة دائمة فمريض الزهايمر غير مدرك للمخاطر ووعيه كوعي طفل صغير، لكن مفيدة لا تقبل إلا أن ترعى أختها بنفسها وتهتم بها.

وهكذا تعيش اليوم مفيدة ورويدة وحيدتان في منزلهما، رويدة لا تعرف عن العالم الخارجي إلا ذكريات طفولتها ومفيدة تقوم مقام الأم والأخت والعين التي تبصر بها مفيدة العالم الخارجي.

وحسب الدراسات العلمية يعتبر. داء الزهايمر اضطرابا عصبيا متفاقما يؤدي إلى تقلص الدماغ (ضموره) وموت خلاياه، والسبب الأكثر شيوعًا للخَرَف؛ فهو حالة تتضمن انخفاضًا مستمرا في القدرة على التفكير وفي المهارات السلوكية والاجتماعية؛ ما يؤثر سلبًا في قدرة الشخص على العمل بشكل مستقل.

وبحسب الإحصائيات العالمية يعيش في الولايات المتحدة نحو 5.8 ملايين شخص مصاب بداء الزهايمر في سن 65 فما فوق. ومنهم 80% بعمر 75 فما فوق. ومن بين نحو 50 مليون شخص مصاب بالخَرَف على مستوى العالم، يُقدر أن نسبة المصابين بداء الزهايمر منهم تتراوح بين 60% إلى70% وحتى اليوم لا تتوافر في سوريا أرقام دقيقة عن أعداد المصابين بهذا المرض.

خوف مفيدة يكمن في المشكلات التي تصاحب هذا المرض، ففقدان الذاكرة واللغة واختلال الحكم وغيرها من التغيرات المعرفية المرافقة لـ الزهايمر تزيد من صعوبة علاج حالات صحية أخرى قد تصيب المريض، والصعوبة تكمن بعدم قدرة المريض إخبار الآخرين بالألم إن شعر به أو توضيح أي عرض يصيبه، أو الالتزام بخطة علاجية ومع تفاقم داء الزهايمر ووصوله إلى مراحله الأخيرة، تبدأ التغيرات الدماغية في التأثير على الوظائف الجسدية، كالبلع، والتوازن، والتحكم في وظائف الأمعاء والمثانة. قد تزيد هذه التأثيرات من إمكانية التعرض لمشكلات صحية أخرى، مثل استنشاق الطعام ودخوله الرئتين وأذية التنفس، الإصابة بالإنفلونزا وذات الرئة، الإغماء أو التعرض للكسور وتقرحات الفراش وسوء التغذية والإمساك أوالإسهال.

سأرد لها الدين

ريم فتاة في أواخر الثلاثينات تعيش مع والدتها بمفردهن في منزل العائلة، ترعى والدتها وتهتم بها بمشاركة إخوتها، وقد شخص الزهايمر لوالدتها منذ ثماني سنوات وكانت في ريعان شبابها ورفضت كل عروض الزواج التي تقدمت لها وعروض السفر للعمل في الخارج لتبقى مع والدتها كنوع من الوفاء وبر الوالدين.

بالنسبة لريم لا تجد أنها تقوم بعمل بطولي بل هي تؤدي واجبها وترد دين والدتها عليها، فوالدتها تحملت وتعبت من أجل تدريسها في الجامعة وتربيتها بعد وفاة والدها، ولهذا تشعر ريم بأنها مدينة لوالدتها بهذه الرعاية والاهتمام. تقول لموقع تلفزيون سوريا "حرمت والدتي نفسها من كثير من الأشياء لتربيني وأنا صغيرة وامتناعي عن كثير من القصص في سبيل رعايتها لا يقارن بما قدمته لي".

تتناوب ريم وإخوتها على رعاية والدتهم ويقسمون وجودهم في المنزل كمناوبات وخصوصاً عند ذهاب ريم إلى عملها. بحسب ريم تعاني هي وأهلها وأهل جميع مرضى الزهايمر من صعوبة تأمين الأدوية خصوصاً أنه في المراحل الباكرة لهذا المرض يلزم المريض أدوية غير موجودة في سوريا ولا توفرها الدولة السورية لهؤلاء المرضى. وسوريا لم تلحق بركب الدول المتطورة وتعلن يوماً عالمياً لداء الزهايمر، والمشكلة تكمن بعدم تقديم بيانات وإحصائيات عن أعداد المرضى قد يعود لقلة معرفة عموم الشعب بأهمية هذا الأمر أو خجلاً منه وقلة دراية بمخاطره أو لتقصير من حكومة النظام.

تشعر ريم يومياً بالقهر الشديد كلما رأت والدتها تذبل أمامها وتنسى ماتريده أو لا تعرف الشيء الذي تفكر به. فمن أعراض هذا المرض فقدان الذاكرة وصعوبة تذكُّر الأحداث أو المحادثات الأخيرة. ومع تقدم المرض، تتفاقم اعتلالات الذاكرة وتظهر الأعراض الأخرى. ففي البداية، قد يكون الشخص المُصاب بداء الزهايمر واعيا بوجود صعوبة في تذكُّر الأشياء وتنظيم الأفكار. ومن المحتمل جدا أن يلاحظ أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء كيفية تفاقُم الأعراض.

وقد تظهر الأعراض التالية على الأشخاص المصابين بداء الزهايمر:

  • تكرار العبارات والأسئلة مرارا وتكرارا
  •  نسيان المحادثات أو المواعيد أو الأحداث، ولا يتذكرونها لاحقًا
  • وضع الممتلكات في غير أماكنها المعتادة، وفي كثير من الأحيان يضعونها في أماكن غير منطقية
  •  الضياع في أماكن مألوفة لديهم
  •  نسيان أسماء أفراد الأسرة والأشياء المستخدمة يوميًا في نهاية المطاف
  •  مواجهة صعوبة في العثور على الكلمات الصحيحة لتعريف الأشياء أو التعبير عن أفكارهم أو للمشاركة في الحديث.

إضافة لعوارض أخرى يعاني منها المصاب كصعوبة التركيز والتفكير وصعوبة تنفيذ عدة مهام في وقت واحد إضافة لتقلبات مزاجية واكتئاب وتغير عدواني في السلوك وأحياناً انعزال عن الوسط المحيط والتزام الصمت.

وجهة نظر طبية ومآلات الحرب

يقول الدكتور راشد اختصاصي في الأمراض العصبية لموقع تلفزيون سوريا، إن داء الزهايمر بات يعتبر مرض القرن رغم قلة الحديث عنه محلياً، وبحسب الدكتور راشد فإن مرض الزهايمر من الأمراض التي تحصل في أعمار متقدمة بعد منتصف العمر ونادراً ما يحصل في سن الشباب ويرتبط حصوله بأسباب وراثية في نسب قليلة، ويكون ناجما عادة عن تلف في منطقة من الدماغ تتحكم في الذاكرة ولكن الخلل الأساسي يبدأ قبل ظهور الأعراض الأولى بأعوام وبعدها يترقى المرض وينكمش الدماغ بشكل كبير عند الوصول للمراحل المتأخرة من المرض.

اقرأ أيضا: أكثر من ربع السوريين ذوو إعاقة.. من يدفع كرسي سوريا المتحرك؟

ومن عوامل خطر الإصابة بهذا المرض: السن حيث يحصل بعد عمر 60 غالباً إضافة للتاريخ العائلي والإصابات السابقة في العائلة نفسها، وإصابة الإناث أكثر من الذكور، إضافة لمتلازمة داون والاختلال المعرفي والإصابات الرضية على الرأس وتلوث الهواء والإفراط في تناول الكحول ونمط الحياة السيء مثل:

  • قلة ممارسة الرياضة
  •  السِّمنة
  • التدخين أو التعرُّض للتدخين السلبي
  • ارتفاع ضغط الدم
  • ارتفاع الكوليستيرول
  •  النوع الثاني من داء السُّكَّري الذي يصعب السيطرة عليه وهذه كلها عوامل قد تزيد من فرص الإصابة لكن يمكن تغييرها وتجنب الإصابة، إضافة إلى أن الدراسة والتعلم المستمر والمشاركات الاجتماعية في نشاطات متنوعة تساعد في تجنيب الإنسان الإصابة.

يضيف الدكتور راشد أن سوريا مقلة حقيقة بهذا الشأن، ورغم وجود عدة مراكز لرعاية المسنين فإنه لا يوجد لدينا كوادر حقيقية مؤهلة للعمل في هذا الشأن إلا نتيجة للخبرة في مكان العمل نفسه وليس عن طريق أكاديمي، ففي الخارج يوجد اختصاص طبي قائم بحد ذاته هو طب الشيخوخة واختصاص للتمريض للمسنين، ولكن وزارة الصحة تغفل عن تقديم دعم كافٍ مادي ومعنوي يشجع الكوادر الطبية على العمل والاختصاص في هذه المجالات.

"نتيجة الحرب أولت الحكومة السورية وكل منظمات المجتمع المدني تركيزها للجرحى والمصابين والأطفال وغفلوا بقصد أو دونه عن أهمية كبار السن وإدراجهم ضمن نشاطاتهم". يضيف دكتور راشد.

يقع اللوم بحسب الدكتور على الجميع إذ إن كبار السن هم ذاكرة سوريا التي نخسرها يوماً بعد يوم وكان بإمكان المنظمات إشراكهم في نشاطات ومشاريع تناسب أعمارهم وتساعدهم على إبقاء دماغهم يعمل، ومن أهم طرق مساعدة مريض الزهايمر هو تشغيل دماغه وفكره.

يأسف الدكتور راشد أنه ما من علاج لداء الزهايمر حتى اليوم وإن وجد فلن يصل لسوريا في القريب العاجل، لكنه يعول على "تغير المفهوم المجتمعي حول هذا المرض ويأمل أن تساهم الحكومة في تحسين واقع هؤلاء المرضى وتدخلهم في مجال اهتماماتها" كما يقول.