حقوق الطفل والتربية العربية

2022.02.16 | 05:24 دمشق

alnf_dd_alatfal_watharh_alnfsyt_walajtmayt.jpg
+A
حجم الخط
-A

في المادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل التي أدرجتها الجمعية العامة العامة للأمم المتحدة في القانون الدولي في نوفمبر عام 1989 ورد البند التالي: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مرآز (مركز أو أصل) والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة وأنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم" وتكفل الاتفاقية حقوق الطفل في الحياة والبقاء والنمو والصحة والماء والغذاء والبيئة النظيفة والمأوى الآمن والاسم والجنسية والهوية والتعبير عن الرأي وتبادل الأفكار وحرية اختيار الفكر والدين والانضمام إلى جماعات مجتمعية وحماية خصوصيته وحمايته من العنف والاستغلال الجنسي والعقاقير الضارة والعمل المؤذي ومن البيع والتجارة به إلخ.

تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل يلزمه بيئة سياسية مناسبة، يلزمه قوانين علمانية تلغي أي تمييز عرقي أو جنسي أو ديني

وقد صدقت على هذه الاتفاقية كل دول العالم تقريبا، بما فيها الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث، (معظمها أبدى تحفظات متعلقة بالدين والهوية)، وبالطبع ليس مفاجئا القول إن ما تم تنفيذه من بنود الاتفاقية كان فقط في دول العالم الأول، بينما لا الدول العربية ولا الإسلامية ولا دول العالم الثالث كلها التزمت بتلك البنود، شأن كل الاتفاقيات الدولية التي تم إقرارها سابقا، ذلك أن تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل يلزمه بيئة سياسية مناسبة، يلزمه قوانين علمانية تلغي أي تمييز عرقي أو جنسي أو ديني، وتعلي من شأن المواطنة لتكون في رأس الهرم السياسي والاجتماعي، ويلزمه أنظمة ديمقراطية مستندة إلى قضاء مستقل ونزيه وغير خاضع للسلطة الحاكمة أيا كانت، ويلزمه دول حديثة تمنح لمواطنيها ما يلزمهم لعيش كريم وآمن، ويلزمه مجتمعات معافاة من أمراض الاستبداد الديني والسياسي، بحيث يؤمن الجميع بأن لكل فرد في المجتمع حقه في النشوء على الإيمان بالحرية الفردية دون مبدأ القوامة الاجتماعية على أساس الجنس أو السلطة السياسية أو الاقتصادية التي تغذيها الأنظمة الشمولية، والتي تعرّض الكثير من أفراد المجتمع للعنف والاضطهاد والتمييز، وطبعا الطفل والمرأة هما الأكثر تعرضا لذلك لكونهما الأضعف في التراتبية المجتمعية في بلدان العالم الثاني والثالث.

والحال أن العنف ضد الأطفال في بلادنا يمارس كما لو أنه أمر مسلم به وحق من حقوق الأكبر سنا سواء أكانوا أفرادا في العائلة أو في مكان آخر من أمكنة المجتمع، كما أنه يمارس بوصفه جزءا من تربية الطفل، ولا يتوانى (المربون) عن استخدام أدوات للتعنيف تعتبر في الأعراف الدولية أدوات بالغة الإيذاء، كالأحزمة الجلدية الشبيهة بالسوط الذي كان يستخدم لجلد (العبيد) أو الضرب بالأحذية، وفي ذلك تحقير  لشخصية الطفل فضلا عن الأذى الجسدي، أو الضرب بقطعة خشب حادة (مسطرة) كما يحدث في المدارس، أو الصفع على الوجنتين والذي يمارسه الجميع ضد الأطفال وأمام الجميع دون أن يكترث أحد بتلك النظرة المكسورة التي تظهر في عيني الطفل المعنف، طبعا كل ذلك يترافق مع الأذى النفسي الذي يحفر في شخصية الطفل نتيجة التحقير اللفظي والتكسير المعنوي والتقليل من أهمية الطفل وأساليب العقاب المتمثلة في الحرمان، الحرمان من الحرية عبر حبس الطفل في غرف صغيرة مغلقة، أو الحرمان من الطعام أو الحرمان من مصروفه اليومي أو الحرمان من اللعب، أو الحرمان من الحنان، أساليب مختلفة من العقاب عبر الحرمان بكل أشكاله تضاف إليها ظروف معيشية سيئة في الغالب، فقر وتخلف وقمع عنفي يمارس ضد أفراد المجتمع كله، وحرمان جمعي من أبسط الحقوق الإنسانية، مما يجعل من مجتمعاتنا تنتج أجيالا معنًفة ومعنِفة في الوقت ذاته، بحيث يصبح العنف سلوكا عاديا وطبيعيا في المجتمع دون أن يعني ذلك أن المعنِف يحمل مشاعر ضغينة ضد من يقع عليه العنف، وهذا لا يشمل عنف الأنظمة وأجهزتها ضد الشعوب، إذ لا يمكن لأحد أن يزايد على حب الأم لأولادها حتى لو مارست عليهم عنفا جسديا أو لفظيا، كذلك حب الأب نحو أولاده، وفي مجتمعاتنا يمتلك الأب سلطة تبيح له أن يفعل ما يشاء بأولاده تحت اسم التربية والتأديب، سلطة مدعمة بتقاليد وعادات مجتمعية متراكمة ومدعمة بقوانين تشريعية تحميه من العقوبة في حال التعنيف ضد الأبناء، حتى لو وصل الأمر إلى حد القتل بداعي الشرف، أو حد بيع البنات صغيرات السن تحت اسم ( زواج)، أو حتى لو وصل إلى حد الاعتداء الجنسي على بناته وأبنائه، سيجد منفذا قانونيا يمنحه عقابا مخففا، ذلك أن القوانين لدينا تقر بتفوق الذكر في التراتبية المجتمعية، وتمنحه السلطة المطلقة وهو ما سعى الطغاة دائما لترسيخه، لكون تلك التراتبية تتوافق مع السلطة الشمولية، وتتفق مصالحها مع مصالح المؤسستين الدينية والسياسية.

أدت الظروف والأوضاع السياسية والمعيشية إلى لجوء كثيرين من سكان العالم الثالث إلى العالم الأول منذ ما قبل 2011، وبطبيعة الحال ازداد عدد اللاجئين أضعافا بعد 2011، وغالبا ما كان يحدث للاجئين ما يمكن أن نسميه صدمة التماس مع العالم الآخر ومع الثقافة المجتمعية الجديدة المغاير كليا لكل ما تربى ونشأ وعاش عليه اللاجئون الجدد، وأول ظواهر هذه الثقافة هي القوانين التي تحمي النساء والأطفال من العنف الأسري والمجتمعي، سيذهل الأباء حتما حين يدركون أنه يحق لأولادهم الاتصال بالشرطة التي ستأتي وستقود الوالد إلى السجن لأنه اعتدى بالضرب على أحد أبنائه، مثلما سيذهل الزوج من السرعة التي ستتخذ فيها زوجته قرار الطلاق وتلجأ إلى القضاء الذي سيمنحها الطلاق والحماية عند تقديمها ولو دليلا واهيا على تعنيف لفظي أو جسدي تعرضت له من قبل الزوج. حدث هذا ويحدث كثيرا للاجئين في دول العالم المتقدم، دون أن يتمكن من تعرض لذلك من فهم الآلية التي تسمح للدولة الجديدة بسجنه أو بمنح الطلاق لزوجته أو بوضع أطفاله تحت الوصاية القانونية أو بتأمين منزل وعائلة بديلة لهم، ذلك أنه لم يعتد حتى على التفكير بشيء كهذا، رغم أنه كان يشاهد أفلاما ومسلسلات أجنبية تتحدث عن مواضيع كهذه تحدث لأبناء وأطفال البلد ذاته حين تعرضهم للعنف أو للعيش في بيئة غير صحية نفسيا، لكنه يعتقد أنه حتى لو انتقل للعيش في تلك البلاد فهو ينتمي إلى مجموعة دينية تحميه من العقوبات، ناسيا أو متناسيا أن القانون في مجتمعه الجديد فوق الجميع، وأنه في بلاد لا تمييز فيها لا لجنسه ولا لعقيدته.

لا حل أمام السوريين اللاجئين والمصابين بصدمة الثقافة الجديدة سوى محاولة الاندماج الحقيقي في المجتمع الجديد، ومحاولة التغلب على الموروث الاجتماعي

يتعرض السوريون حاليا في بلاد اللجوء الأوروبية إلى حوادث مشابهة، طلاق الزوجة وطلبها للحماية لها ولأطفالها، أو أخذ الأطفال من عائلاتهم عبر مؤسسة (السوسيال) أو الحماية المجتمعية، بسبب تعرضهم لعنف غير مفهوم أو مبرر في القوانين الأوروبية، ما يؤدي إلى خلخلة كل البديهيات التي نشأ عليها الرجل السوري أو العائلة السورية عموما، التي لم تستوعب بعد الفروقات المهولة بين الثقافتين، ولم تتمكن من الاندماج لفهم تركيبة هذه المجتمعات والقوانين المسيرة لها، والنتيجة ستكون عنفا مضاعفا أو مزيدا من التقوقع والانغلاق والدخول في مجموعات هوياتية دينية تكرس حالة اللا اندماج، وهو ما سيستغله العنصريون واليمين المتطرف الأوروبي المضاد للاجئين في المطالبة والسعي لترحيل اللاجئين "الساعين لتغيير هوية المجتمع".

لا حل أمام السوريين اللاجئين والمصابين بصدمة الثقافة الجديدة سوى محاولة الاندماج الحقيقي في المجتمع الجديد، ومحاولة التغلب على الموروث الاجتماعي الذي رافقهم في رحلة اللجوء، أي تغيير السلوك المعتادين عليه في التربية والتعامل مع الأطفال والنساء، وإلا فإن مصير عائلاتهم المزيد من التشتت، أو المزيد من العنف، ذلك أن حتى التجمعات الدينية التي يلجؤون لها حاليا لن تستمر طويلا وسوف يتم حلها قريبا، بعد انقطاع مصادر تمويلها إثر التغيرات الدولية التي فرضت على الدول الممولة نمطا جديدا من السلوك الاجتماعي في مجتمعاتها ووضعت أرصدة التمويل تحت المراقبة لمنع وصول المال إلى التجمعت الدينية الأوروبية.