طالبوا بإيقاف الحرب فقط

2024.03.10 | 06:46 دمشق

طالبوا بإيقاف الحرب فقط
+A
حجم الخط
-A

ليس سوى مطبع وعميل وخائن كل من يبرر، من العرب، لدولة الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة التي تشنها ضد غزة وسكانها في الوقت الذي تمتلئ فيه شوارع الدول الغربية بآلاف المتظاهرين الأوروبيين المطالبين بوقف الحرب والمناصرين لقضية فلسطين عموما ولغزة تحديدا في الوقت الحالي. لا يمكن فهم أو تفسير موقف العرب المتهافتين لتبرئة دولة الاحتلال من جرائمها، سوى أنهم (أتباع الزعماء)، أولئك الذين لا يتجرؤون على اتخاذ أي مسار، في أية قضية أو أمر، يتعارض مع مسار الزعيم؛ والزعيم هنا قد يكون رئيس نظام أو ملكا أو أميرا أو حاكما أو زعيم طائفة أو شيخ قبيلة، أو أي سلطة من السلطات السياسية والاجتماعية، وفي بلاد العرب يختلط السياسي بالاجتماعي ليصبح سلطة واحدة تقود رعايا لا يتجرأ معظمهم على عصيانها أو مخالفة أوامرها أو رغباتها؛ يتخذ هؤلاء نفس المسار الذي يتخذه زعماؤهم، اعتيادا أو خوفا من العقاب أو التزاما بالنصوص الدينية والوضعية لإطاعة أولي الأمر؛ بكل الأحوال لا يمكن قبول صمت أي عربي عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي فما بالكم بقبول التبرير له بذريعة أن أهل غزة هم بيئة حاضنة للإرهاب الذي باتت تمثله حركة حماس لدى المجتمع السياسي الدولي المناصر لإسرائيل، ولدى كثر من العرب الذين يتبنون ذات الخطاب وذات الرؤية.

حركات الإسلام السياسي والنظم العسكرية المستبدة يمكن إدراجهما معا تحت عنوان واحد (الثيوقراطية) فالاثنان يستخدمان الدين لفرض سيطرتهما

كاتبة هذه السطور ليست من معجبي الإسلام السياسي بكل أشكاله، وبرأيي الشخصي أن حركات الإسلام السياسي لا تختلف عن الاستبداد السياسي المتمثل في النظم العسكرية العربية الحاكمة، وفي رأيي أيضا أن حركات الإسلام السياسي والنظم العسكرية المستبدة يمكن إدراجهما معا تحت عنوان واحد (الثيوقراطية) فالاثنان يستخدمان الدين لفرض سيطرتهما، الإسلام السياسي بشكل صريح والنظم العسكرية بشكل موارب عبر التحالف مع الأصولية الدينية وتكريسها مجتمعيا لتحل محل الفكر والثقافة والمدنية ما يضمن تسيد الأصولية في المجتمعات وهو تضمن أبدية أنظمة الاستبداد. وحركة حماس لم تخرج عن هذا المسار منذ نشأتها، فهي حليفة لكل الأنظمة المستبدة، وفي مقدمتها النظام الإيراني.

ويمكننا القول إن حركة حماس رهنت وجودها وبقاءها بالدعم الإيراني المادي والعسكري لها، وهذا أمر لا يليق بحق أية حركة مقاومة وطنية، ذلك أن بقاء أية حركة مقاومة يفترض أن يكون مرهونا بحاضنتها المحيطة وبدعم شعبها ورغبته بحمايتها وإعلائها هي مصالح شعبها وقضيتها على أية قضية أو أجندة أخرى. هل تفعل حركة حماس وكل حركات (المقاومة) هذا؟ بكل أسف سوف يكون الجواب بالنفي.

لكن، مع كل المعطيات السابقة، هل يجوز في وضع كالوضع الفلسطيني، وفي حالة الحصار المستمر والانتهاكات والاعتداءات التي تعرض لها الغزاويون على مرور السنوات السابقة إلقاء اللوم من قبل العرب على أي طرف فلسطيني بما يحدث؟ يمكن للفلسطينيين أنفسهم فعل هذا، لأهل غزة تحديدا، لمن يعيش في غزة وينال حصته من الموت والقهر والجوع والعطش والألم، وربما أكثر من حصته بكثير، هؤلاء وحدهم يمكنهم لوم حركة حماس أو تحميلها المسؤولية عن استمرار الحرب وعدم الوصول إلى طريقة لوقف إطلاق النار تراعي فيها ما يحتمله الغزاويون وما يقاسونه من الموت اليومي وتفضله على صورتها كمنتصرة أمام الرأي العام المحلي والعالمي، (رغم أن الانتصار في حروب كهذه هو محض ادعاء سواء أكان من قبل حماس أو من قبل إسرائيل، لا أحد ينتصر في حرب كهذه سوى الموت الذي يحصد الآلاف دون أن يرف له جفن).

ما يحتاجه أهل غزة من العرب هو التعاطف، أقله، والمطالبة بإيقاف الحرب ليعودوا إلى بيوتهم المدمرة وهم كفلاء بإعادة إعمارها بعيدا عن مزيدات الدول والأنظمة العربية

وحدهم أهل غزة يحق لهم القول لقادة حماس توقفوا أو تعالوا وعائلاتكم لتكونوا معنا وتقاسوا ما نقاسيه، وحدهم بوصفهم أولياء الدم والقهر والذل والألم، ووحدهم بوصفهم يحتملون ما لا تحتمله البشرية بأكملها، ووحدهم بوصفهم لا مصلحة لهم بكل ما حدث ويحدث، لم يكونوا قبل 7 أكتوبر يعيشون كما يعيش باقي البشر حياة طبيعية ومستقرة وآمنة، ولا بعدها كان مصيرهم مثل باقي مصائر البشر التي تتعرض لحروب دموية، ذلك أن الفلسطيني منبوذ من قبل الجميع، العرب قبل الغرب، لا مكان لهم في هذه الأرض، لا منافذ يهربون منها فيما لو قرروا الهرب، لا حدود مفتوحة أو شبه مفتوحة يمكنهم التسلل عبرها، لا يمكنهم تقديم لجوء إلى أي مكان، غير مرحب بهم، تغلق المدن والدول أمامهم لينطبق عليهم ما قاله طارق بن زياد لجيشه: "البحر من ورائكم والعدو أمامكم فلا مفر".

ما يحتاجه أهل غزة من العرب هو التعاطف، أقله، والمطالبة بإيقاف الحرب ليعودوا إلى بيوتهم المدمرة وهم كفلاء بإعادة إعمارها بعيدا عن مزيدات الدول والأنظمة العربية، ما يريده أهل غزة من العرب هو ما يفعله ملايين البشر في الدول الغربية الذين لا يتوقفون عن ابتكار الطرق للمطالبة بوقف حرب الإبادة والتوقف عن دعم الاحتلال ماديا وعسكريا ومعنويا. ما يطلبه أهل غزة من العرب هو ما يجب أن يفعله أي بشري تجاه بشري آخر يتعرض لظلم وإبادة، فكيف بالأخ أو الشقيق كما يحلو للعرب تسمية أنفسهم (أشقاء)! أما ما نقرأه ونسمعه ونشاهده من بعض العرب الذين يتماهون مع أنظمتهم من إلقاء اللوم على أهل غزة وعلى المقاومة ومن التهافت على دعم إسرائيل والترويج (لديموقراطيتها وإنسانيتها) مقابل (وحشية) المقاومة وأهل غزة فهو يقع في بند الخيانة والعمالة فقط ولا تسمية أخرى له.