حقد لافروف وإمبراطورية المرتزقة

2020.01.26 | 23:02 دمشق

lafrwf.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما كان تحيّز لافروف ضد الثورة السورية خفياً. وما كان نَفَسَه الطائفي خفيّاً، عندما قال غير مسموح لفئة دينية معينة أن تحكم سوريا. ولم يكن تفننه برمي اللوم على الآخر في عرقلة أي حل سياسي للمسألة السورية عصيّاً على الاكتشاف. فرغم أنه غير مغرم ببشار الأسد ونظامه، ولا بإيران وملاليها؛ إلا أنه لم يجد مشكلة بدعم الإجرام الأسدي والخامنئي مترجماً حقده المكنون على الإسلام والعروبة.

تلك الروح العنصرية الاستبدادية الموسيلينية تتجذر في نفوس تلك الطغمة الحاكمة في روسيا؛ وما فعلتها في "غروزني" وسوريا إلّا الدليل. فإذا عدنا إلى الجذور، وأجرينا مقارنة بسيطة بين تاريخ فرنسا وتاريخ روسيا، نرى أنه نتيجة تعرض الشعبين الفرنسي والروسي إلى أسوأ أنواع التعسف والجور الطبقي، انتفض الشعبان؛ فكانت الثورة الفرنسية، ثم جاءت ثورة اكتوبر "الحمراء". ولكن شتان بين الاثنتين: الثورة الفرنسية كانت "صرخة " حرية أوصلت فرنسا إلى الحالة الراهنة من الحرية والمساواة الاجتماعية والاقتصادية؛ أما في روسيا الاشتراكية، فإن ثورتها الحمراء جعلت أغلبية القِنان الروس يلعنون اللحظة التي قامت فيها تلك الثورة، لأنهم انتقلوا من جور الإقطاع وحكم القياصرة المستبد إلى ظلماء الحكم الشيوعي، الذي أورثهم كلاً من ستالين الحقيقي، وستالين المعاصر، وهو بوتين، الذي لم يشذ عن قواعد لعبة الحكم الروسية، التي دائما تفصّل القوانين على مقاسها؛ حيث كانت آخر موضة يوم أمس، عندما وافق ما يسمى بالبرلمان الروسي على منح صلاحيات أبدية وبلا حدود للقيصر بوتين. 

تلك كانت نظرة لافروف لسوريا على الدوام. لقد شهدنا ترجمة لذلك في مجلس الأمن، حيث تجاوز عدد المرات التي استخدم مندوبه في مجلس الأمن فيتو العار أربع عشرة مرة لعرقلة أي حل سياسي حقيقي، أو إدخال مساعدات، أو لجان تفتيش. لقد عمل وزير خارجية لروسيا بوتين / المنسحق أمام إسرائيل/، ووزير خارجية لمنظومة الاستبداد الأسدية مرافعةً وتزويرَ حقائق.

كانت آخر تجليات تزويره لحقيقة القضية السورية يوم الجمعة الفائت أثناء استقباله للمبعوث الدولي بيدرسون في موسكو. بداية، كان هذا اللقاء مطلوباً من بيدرسون، منذ أكثر من شهر؛ ولكن لم تتم تلبيته. أتى اللقاء إثر عرقلة روسيا -قبل نظام الاستبداد- لعمل اللجنة الدستورية في جولتها الأخيرة، حين أتى "وفد روسيا وإيران" إلى جنيف بجدول أعمال محتواه الكشف عن "وطنية" أو "لا وطنية" وفد السوريين من المعارضة. ولم يتم اللقاء مع بيدرسون إلا لأن روسيا قد استشعرت أخيراً ان اللجنة ربما تكون الثمن السياسي الوحيد الذي يمكن أن تحصل عليه بعد سنوات من الفعل العسكري الإجرامي في سوريا؛ بحيث يحقق لها استمرار سلطة قد بات مصيرها في مهب الريح. 

الشيء الوحيد الذي خرج به المبعوث الدولي هو زيارة إلى دمشق كجائزة ترضية

أتت زيارة المبعوث الدولي متأخرة، وبعد تدخلات مضنية، وبعد تحمُّل تزوير وكذب روسي، بأن المبعوث الدولي وفريقه يتجاوزون الصلاحيات التي منحت لهم؛ حيث جاء ذلك التأنيب المفتعل مع استهلال الجولة الأخيرة للجنة الدستورية في جنيف. في لقاء الجمعة الماضية، سمعنا السردية الروسية ذاتها. الشيء الوحيد الذي خرج به المبعوث الدولي هو زيارة إلى دمشق كجائزة ترضية. في السردية، قال لافروف إثر الاجتماع مع بيدرسون إن الاٍرهاب يعيق إدخال المساعدات الإنسانية ويتسبب بتشريد آلاف السوريين خارج بيوتهم؛ ويحول دون سيطرة السلطة الشرعية على أرضها. 

بغض النظر عن اللجنة الدستورية، لم تتم الموافقة على زيارة بيدرسون إلى موسكو؛ ومن ثم إعطاء الأوامر لنظام الأسد كي يستقبله، إلا لأن السيد لافروف ومعلمه يسعيان بشكل حثيث إلى ترتيب الأوضاع في سوريا قبل نفاذ {قانون قيصر} الذي ينص حرفياً على معاقبة "كل شخص أو مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد بصفة عسكرية داخل سوريا لصالح حكومة سوريا أو باسمها أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران". ومعروف أيضاً أنهما يحاولان إيجاد مخرج من تلك العقوبات القادمة كالقدر. فحسب الجزء الثالث من هذا القانون، لا رفع للعقوبات إلا إذا توقف النظام ومن يدعمه عن استهداف المدنيين، ثم رفع أي حصار، وإيصال المساعدات لمحتاجيها، وإطلاق سراح المعتقلين، ومحاكمة كل من يستهدف المدنيين والمرافق الطبية والمدارس. وروسيا بهكذا حال لا تستطيع حماية نفسها، كي تحمي نظام دمشق.

وهكذا، نرى أن روسيا تسعى حثيثة للعمل مع تركيا، أو رغماً عنها، لحسم الأمور في الشمال. والأخطر، أنها تعمل على ترتيب الأمور في سوريا مع جهات أخرى في ضفة مدّعي المعارضة على مقاسها تماماً؛ وخاصة، مع من يطلب رفع العقوبات كما تشتهي ويشتهي النظام تحديدا. وبذا سيكون لديها من يشرعن وضعها بين الموالاة والمعارضة أيضًا.

ومن هنا؛ ومع قانون قيصر، فإن الفرصة أكثر من مؤاتية للغرب الصامت على الممارسات الروسية الشاذة، وعلى كافة الأصعدة، كي يتوقف عن تغطية عين الشمس بغربال، ويوقف تلك العصابة عند حدها؛ لأن ثمن هذا الصمت المريب حيال سلوك القيصر ضد الداخل الروسي أو في علاقاته الخارجية، سيكون كارثياً. الأمر ذاته ينطبق على تركيا التي لا بد تستيقظ من تأثير مخدر الكذب الروسي. ربما تكون التطورات الميدانية في الشمال السوري، وتصريحات الأتراك حول دعم الفصائل المسلحة في وجه الخيار العسكري الروسي في سورية دليلًا على أن تركيا قد طفح كيلها من مسلسل الكذب والتسويف الروسي وقلة الوفاء للوعود التي قطعتها موسكو لأنقرة. فهل نحن على أعتاب مرحلة جديدة يتم فيها وضع النقاط على الحروف؟ ليعلم لافروف ومعلمه أن ما من حياة تُرتجى لنظام إجرامي متهالك يعيش على الدم. ستكون روسيا واهمة جداً، إذا استمرت بهذا النهج. إن سلوك العصابة المرتزقة لن ينجيها أو ينفعها. إن أفغانستان من نوع آخر بانتظارها.