حزب الله بين سوريا وفلسطين

2023.11.06 | 06:35 دمشق

حسن نصرالله
+A
حجم الخط
-A

منذ أسبوع أعلن حزب الله عن كلمة لأمينه العام حسن نصر الله يوم الجمعة الثالث من نوفمبر، بعد قرابة شهر من انطلاق معركة طوفان الأقصى.

منذ الأيام الأول كثرت الأسئلة حول موقف حزب الله الرسمي وأفق حركته. عبّر عدد من ممثلي الحزب عن موقفه، ولكن ظل انتظار الأمين العام طاغيا على المشهد. كثرت الأسئلة حول موعد خطاب نصر الله. أعلن عن الخطاب بشكل مبكر وتجهزت المناطق الموالية لحزب الله بشكل غير مسبوق لاستقبال الخطاب، فأقفلت المدارس وارتفعت أصوات المقربين من الحزب مؤكدين بأن نصر الله سيخرج بخطاب الفصل.

تجهزت الساحات في لبنان وبعض الدول المجاورة كما أطلقت مجموعة فيديوهات قصيرة متتالية كل يوم تزيد الهالة الإعلامية للخطاب.

هذه الأجواء الإعلامية أوحت بما لا يظهره التحليل الهادئ الذي مال إلى الاعتقاد بخطاب لا يتجه نحو التصعيد الشامل في المنطقة انطلاقا من لبنان.

بالفعل جاء الخطاب المنتظر ليثبت ما توقعه التحليل الهادئ على حساب الضخ الإعلامي السابق الذي أضر بالخطاب أكثر بكثير مما أفاده. كان الساخطون على نصر الله بعد خطابه أكثر من الراضين بكثير- إذا تكلمنا عن الجمهور غير الحزبي.

بشكل نظري وبغير تحليل دقيق يمكن اعتبار السخط سببه ارتفاع التوقعات مقارنة مع ما قدمه الخطاب، خاصة أن المتعاطفين مع غزة يريدون دعمها بكل الطرق وتوقعوا أن يأتي الدعم من حزب الله الأقرب للأراضي المحتلة.

لكن المدقق في الواقع والمتابع لآراء الجمهور يعرف بأن ردة الفعل لا تتعلق فقط بوتيرة الخطاب المنخفضة عن المتوقع، ولكنها مرتبطة بالصورة التي تشكلت عن حزب الله في الخمس عشرة سنة الأخيرة.

هذا السخط الشعبي العارم على كلام نصر الله وعدم تقدير أي جهد يقوم به حزب الله يجب أن يدفع الحزب لمراجعة حقيقية بما كسبه وخسره في موقفه تجاه الثورة السورية

ففي معركة الدفاع عن فلسطين بما تمثل بالنسبة للأمة العربية والإسلامية والإنسانية العالمية، يعتبر حزب الله أن سمو القضية سيدفع الجماهير الداعمة لها للوقوف خلفه باعتباره الداعم الوحيد لها على الصعيد العسكري ومن خلفه إيران ولكن الواقع أنبأ عكس ذلك!

حتى هذه القضية الإنسانية السامية لم تسهم في وضع الخلافات السابقة جانبا في النظر لحزب الله. هذا السخط الشعبي العارم على كلام نصر الله وعدم تقدير أي جهد يقوم به حزب الله يجب أن يدفع الحزب لمراجعة حقيقية بما كسبه وخسره في موقفه تجاه الثورة السورية. فموضوع الاستهجان بالتأكيد غير مرتبط بالخطاب، بل مرتبط بمواقف ومجازر حزب الله في سوريا ولبنان والتي جعلت الجمهور الأعرض من الأمة العربية والإسلامية لا يقبل منهم أي وقف بالمطلق لأن الثقة فقدت بل أكثر من ذلك.

ربح حزب الله في سوريا تثبيت خط الإمداد الاستراتيجي، حتى إشعار آخر، ولكنه خسر حاضنة الأمة وأبعد من ذلك. وإن ربح عسكريا، ولكنه خسر الأهم استراتيجيا وهو الامتداد الشعبي الذي لم تستطع تليينه حتى أكبر القضايا الإسلامية والعربية. ولو أن حزب الله لم يتخذ الطريق الذي اتخذه لوجد الأمة اليوم تدافع عن خطاب أمينه العام مهما كان فيه. فكما يقال في المثل الشعبي "القصة مش قصة رمانة، القصة قصة قلوب مليانة".

لا يعتبر الموضوع الشعبي نظرياً ومرتبطاً بالتأييد والكلام على مواقع التواصل الاجتماعي، بل مرتبط حتى بالأمور الميدانية فعلى سبيل المثال: في حرب تموز فتحت كل القرى أذرعها للنازحين من الجنوب أما اليوم فإن المناطق المنفتحة على استقبال بيئة حزب الله الحاضنة متراجعة، وحتى إعلان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن فتح بيوت الجبل للنازحين لقي صدى محدوداً فارتفعت الإيجارات في جبل لبنان الجنوبي للضعف ووصلت الإيجارات العادية إلى 2000$، وهذا للعوائل التي رضخت أساسا لتوجيهات جنبلاط. إضافة إلى ذلك فإن المجموعات المقاومة غير المنضوية في إطار الحزب لا تكفّ عن الإعلان عن عدم تنسيقها مع حزب الله في عملياتها كتكرار الجماعة الإسلامية التبرئة من التنسيق مع حزب الله لخوفها من الأثر الشعبي عليها. ليس ذلك فحسب، بل إن بعض المناطق الحدودية التي لا تتبع لحزب الله تقوم بحواجز تفتيش لمنع دخول مسلحي الحزب إليها.

لا تعتبر مواقف الشعوب تفصيلا في الصراع، بل معيارا سياسيا مؤثرا في عملية اتخاذ القرار والمعيار الاستراتيجي الأول في توسع أو انحسار أي مشروع

الواقع لم يكن كذلك بتاتا في حرب عام 2006. فعلى الرغم حينها من كون الحرب أتت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وارتفاع الاحتقان السني-الشيعي إلا أن الأمة بما فيها من طوائف اصطفت خلف الحزب في حربه فكان التسابق على استقبال الجنوبيين في كل المناطق.

لذا، تشكل الأزمات اللبنانية والموقف العام من حزب الله تعقيدا إضافيا في حساباته في الحرب، وحاجزاً رئيساً من غير المتوقع أن ينهار أو يخرق حتى. لذلك لا تعتبر مواقف الشعوب تفصيلا في الصراع، بل معيارا سياسيا مؤثرا في عملية اتخاذ القرار والمعيار الاستراتيجي الأول في توسع أو انحسار أي مشروع.

يعتبر البعض أن فتح الملفات السابقة لحزب الله اليوم يضر ب"واجب الوقت" وهو فلسطين ومقاومتها إلا أن التمييز هنا مهم بين الرأي الشعبي العام الذي يميل للمبدئية وبين مواقف الكيانات السياسية الذي يميل ويجب أن يميل للموازنة بين المصلحة والمفسدة. فالسياسي مجبور على الموازنة بين الإيجابية والسلبية على عكس العوام الذين يعبرون عن النبض ويذكرون بالأسس. وإن كانت سهام اللوم ستوجه في المسألة فلن تكون للشعب صاحب ردة الفعل بل ستكون باتجاه الفاعل الذي قرر بملء إرادته خسارة الجمهور لمصلحة رآها.