حراك السويداء ومقولات ساحة الكرامة

2023.09.09 | 06:35 دمشق

حراك السويداء ومقولات ساحة الكرامة
+A
حجم الخط
-A

ما يقرب من ثلاثة أسابيع مضت على انطلاق حراك السويداء الثوري في أواسط شهر آب المنصرم، مكملاً ما بدأته الثورة السورية في آذار 2011، والحقيقة فإن هذا الحراك الواعد لا يكمل ما بدأته الثورة منذ شهورها الأولى فحسب، بل هو يجدد ويظهر بشكل جلي أجمل ما بدأته الثورة السورية في شهورها الأولى أعني بها مشاركة الرجال والنساء معا.. وفوق ذلك أضاف حراك السويداء لمسته المميزة في لافتاته التي رفعت في ساحة الكرامة.

بدأ حراك السويداء منذ سنوات كحراك مطلبي، وهذا لا يعيبه، فهو يذكرنا بمطالب حراك درعا في آذار 2011 التي اقتصرت وقتها على محاربة الفساد وإنهاء احتكار رامي مخلوف وتغوله عبر شركاته لاسيما شركة سيرياتل... لكنه على شاكلة حراك درعا سرعان ما انتهى إلى الإعلان الصريح عن مطالب سياسية هي مطالب الثورة السورية منذ اثني عشر عاما.

وللأسف جرى تجاهل المسألة المطلبية في أدبيات الثورة السورية كما لو أنها عيب أو حرام، وكما لو أن ثمة تناقضاً أصلياً أو جوهرياً ما بين المطلبي والسياسي، والحقيقة أنهما بمثابة كيان واحد يجمع ما بين الجسد والروح، فلن يقنعنا أحد أن إفقار الطبقة الوسطى والجفاف وهجرة مليون مزارع من شرق سوريا إلى ضواحي حمص وحماة ودمشق منذ سنة 2009 وهجرة مزارعي ريف دمشق إلى مراكز المدن في ريفها لأسباب معاشية، واحتكار رامي مخلوف ابن خالة الأسد للتجارة والخدمات والاتصالات ونصف الاقتصاد السوري لم تكن سببا جوهريا لانفجار ثورة آذار 2011 ولن يقنعنا أحد أن ثورات تونس ومصر وليبيا لم تكن الشرارة التي أشعلت كومة القصب السوري الجاف.

حراك السويداء يعيد الثورة السورية إلى مسارها الطبيعي كما لو أنها انطلقت الآن مكملا مسيرتها التي انطلقت في آذار 2011 وتوقفت يوم بدلت أدواتها وشعاراتها وأهدافها منذ منتصف 2013

يعيد حراك السويداء الثورة السورية إلى المسار الطبيعي المفترض كما في كل ثورة مدنية سلمية، والتي كانت الثورة لتعبره بهدوء وسلام لولا توحش نظام الأسد بقيادة وتوجيه إيراني وتناغم عربي حوّلها إلى ثورة مسلحة خطفها وقادها الممول الخليجي وضباط مخابرات بلحى طويلة ورايات إسلامية وشعارات دينية مذهبية استقطبت قسما لا بأس به من الشباب السوري الثائر، بحيث تحول ثوار سوريا إلى حمل السلاح وخاضوا معركة كسر عظم مع ميليشيات إيران.

حراك السويداء يعيد الثورة السورية إلى مسارها الطبيعي كما لو أنها انطلقت الآن مكملا مسيرتها التي انطلقت في آذار 2011 وتوقفت يوم بدلت أدواتها وشعاراتها وأهدافها منذ منتصف 2013، يوم قفزت داعش والنصرة إلى مركب الثورة واستولت على دفة القيادة ورمت القبطان ومساعديه في عرض البحر.

مقولات جديدة ومقولات مستعادة

حراك السويداء هو حراك لا يفرق بين رجل وامرأة ويرفع شعاراته نيابة عن كل السوريين والسوريات.. فمطالب ساحة الكرامة في سويداء سوريا هي مطالب كل سوري وسورية من أقصى شرق سوريا البوكمال والقامشلي إلى أقصى غربها اللاذقية وجبلة، تكرست في هتافات الثورة السورية التي تتمحور حول إسقاط النظام ومطالب الحرية والكرامة والشعب السوري الواحد وإطلاق سراح المعتقلين وتنفيذ القرار الأممي 2254 ومحاسبة المجرمين.

لكن ساحة الكرامة في السويداء أضافت مقولات جديدة غير معهودة خلال السنوات الاثني عشر الماضية، منها مقولة كانت متداولة لدى نخبة من العلمانيين والمثقفين عموما، تعود إلى زمن النهضة العربية في القرن التاسع عشر من مثل مقولة الدين لله والوطن والجميع، وهي مقولة مكثفة لمقولة ترددت عبر لافتات في غير مكان من سوريا الثورة مفادها أنه لا فرق بين طوائف وملل السوريين، وأنهم جميعا شعب واحد.

إن مقولات ساحة الحرية والكرامة في السويداء التي تظهر في اللافتات لا تقل أهمية عن حراك السويداء بمجمله، فهي مقولات تدفع للتفكير في مسلمات موروثة

وهناك مقولات تظهر لأول مرة في الثورة السورية عبر لوحات انتشرت في ساحة الكرامة، بعضها يضع حلا من بضع كلمات لأسئلة طالما أثارت جدلا في صفوف النخب السورية المثقفة، من قبيل أيهما أولى تحرير المجتمع أم تحرير المرأة، إذ كان هناك ميل للقول إن تحرير المرأة أولى من تحرير الشعب من سلطة الاستبداد، وهو ما دأبت أجهزة النظام الثقافية والدعائية على ترداده حدّ الابتذال في سياق نهج خبيث منها يخلط الأوراق ويحرف الصراع بين الشعب والسلطة المستبدة الفاسدة إلى صراع جندري بين رجال ونساء، كأنما هذا الصراع هو المسؤول عن القمع والفقر والنهب والتبعية والهجرة وبيع الجولان.

إن مقولات ساحة الحرية والكرامة في السويداء التي تظهر في اللافتات لا تقل أهمية عن حراك السويداء بمجمله، فهي مقولات تدفع للتفكير في مسلمات موروثة، وفيما هو ليس مفكرا فيه على نطاق واسع في مستوى الشارع، وحتى في مستوى النخب السورية المثقفة، الأمر الذي يضيف وظيفة جديدة للثورة عدا كونها حراكاً تغييرياً جذرياً، ألا وهي حثها لنا جميعاً على التفكير وإطلاق الأسئلة.