تغيرات الشارع الاحتجاجي السوري

2023.08.30 | 06:20 دمشق

آخر تحديث: 30.08.2023 | 06:20 دمشق

تغيرات الشارع الاحتجاجي السوري
+A
حجم الخط
-A

الحراك الاحتجاجي الذي تشهده محافظة السويداء، في أيامنا هذه، يختلف كثيراً عما شهدته خلال الأعوام القليلة الماضية، فهو الأكثر زخماً في فعالياته، والأكثر جذرية في مطالبه، والأخطر على نظام الأسد، كونه يعيد التأكيد على عدم انفصاله عن الحراك الشعبي السوري العام، الذي انطلق مع الثورة السورية في منتصف آذار/ مارس 2011، حيث استعاد المحتجون في وقفاتهم ومظاهراتهم شعارات الثورة الأولى، التي رفعها الناشطون في بداياتها السلمية، وهم على دراية هذه المرّة، بأن حراكهم يستعيد "سيرتها الأولى"، فأطلقوا العنان لحناجرهم، كي ترتفع أصواتهم، وتصدح بشعارات سياسية واضحة، ركزوا فيها على تجديد مطالبة غالبية السوريين برحيل بشار الأسد وإسقاط نظامه، في حين حملت بعض اللافتات، التي رفعوها في الساحات، شعارات ضد مختلف قوى الاحتلال في سوريا، وخاصة الروس والإيرانيين.

يمكن القول إن تغيرات مهمة حصلت في الشارع الاحتجاجي السوري، ليس فقط من جهة المطالبة برحيل بشار الأسد وإسقاط نظامه، ولا إحراق صوره والدوس عليها، وإغلاق مقارّ حزب البعث، فهناك معطيات عديدة دفعت أهالي السويداء للخروج باحتجاجاتهم، وتقاطعت مع بدايات الثورة السورية، وأفضت إلى رفع شعاراتها التي تركز على الحرية والكرامة ووحدة الشعب السوري ونبذ الطائفية، وتزامن ذلك مع ما تشهده مناطق سيطرة النظام السوري من انهيار اقتصادي وأزمات معيشية غير مسبوقة، لذلك كان لافتاً عدم رفع المحتجين مطالب معيشية، مثلما كانوا يفعلون في مرات سابقة، وذلك على الرغم من أن الأوضاع المعيشية الكارثية، الخانقة والمدمرة، شكلت دافعاً أساسياً لحراكهم الاحتجاجي، الذي انطلق منذ أكثر من أسبوع، على خليفة قرار سلطات الأسد رفع أسعار بعض المواد الأساسية كالمحروقات إلى مستويات غير مسبوقة، وإقرارها زيادة جديدة على أسعار الخبز، فضلاً عن ارتفاع معدلات التضخم، وتواصل تدهور قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية.

ما يسجل للحراك الاحتجاجي الحالي هو أنه شمل بشكل أساسي محافظتي السويداء ودرعا، أي منطقة حوران بسهلها وجبلها، التي يسيطر عليها نظام الأسد وقواته، إلى جانب قوات روسية وحلفائها وميليشيات إيرانية

بالمقابل، لم يتأخر الناشطون السوريون في مختلف مناطق وجودهم، سواء داخل سوريا المقسمة أم خارجها في دول الشتات والمهجر، عن إطلاق حملة تضامن واسعة مع حراك السويداء، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتمايزت فعاليات التضامن بحسب وضع أماكن وجودهم، فقد خرج متظاهرون دعماً لحراك السويداء السلمي في مختلف الساحات السورية، من درعا جنوباً إلى الرقة ودير الزور شرقاً، وصولاً إلى محافظتي حلب والحسكة شمالاً، وعبّروا عن تضامنهم رغم الاختلاف المذهبي والطائفي، وعن مواصلتهم سعيهم من أجل العيش بحرية والخلاص من النظام، وأظهروا الشجاعة والإرادة في مواصلة حراكهم الاحتجاجي مهما كان الثمن. واختلف الأمر في المناطق التي تشتد فيها القبضة الأمنية والعسكرية للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين، وخاصة في مناطق وبلدات في ريف دمشق والقلمون، حيث انتشرت منشورات مطبوعة على شكل وريقات، كتبها متضامنون أكدوا فيها دعمهم للحراك الاحتجاجي وتضامنهم معه، وكتبوا فيها عبارات تطالب بإسقاط النظام، وتؤكد على تجدد روح الثورة، ووحدة السوريين، وتحثهم على التضحية من أجل الحرية والكرامة.

ما يسجل للحراك الاحتجاجي الحالي هو أنه شمل بشكل أساسي محافظتي السويداء ودرعا، أي منطقة حوران بسهلها وجبلها، التي يسيطر عليها نظام الأسد وقواته، إلى جانب قوات روسية وحلفائها وميليشيات إيرانية. ولم يثن أهالي المنطقة الخوف من التهديد الذي يشكله استدعاء النظام لتنظيم داعش الإرهابي فيها. كما أن الحراك أسقط كل محاولات النظام للتفرقة، وزرع الفتنة، وإثارة النعرات، إذ ما يزال الشعار المركزي للحراك الاحتجاجي هو "الشعب السوري واحد"، لذلك لم يتوانَ ناشطوه عن توجيه التحية والتقدير لأحرار الساحل، الذين يصعب عليهم الخروج علناً، وخاصة بشكل جماعي، على الرغم من تزايد نقمة أعداد متزايدة منهم على نظام الأسد، الذي تمادى في تجويعهم وتوريطهم، وإيصالهم إلى أوضاع كارثية، حتى باتوا يعيشون في واقع لا يُحتمل. وهو أمر يتفهمه المحتجون في كل المناطق السورية، بالنظر إلى حساسية وضع الساحل السوري، القابع تحت القبضة الأمنية للنظام وحاضنته الاجتماعية وشبيحته، وبما يشي بأن السوريين قادرون على تجاوز الجراح والمآسي الناتجة عن حرب النظام عليهم. يضاف إلى ذلك أن غالبية السوريين أضحت متسامحة عند رفع رايات محلية، تخص أهالي هذه المنطقة أو تلك، فعلم "الحدود الخمسة"، الذي يرمز إلى الدروز بوصفه الجامع بينهم، رُفع في السويداء، وفي الوقت نفسه رُفع العلم الذي يرمز إلى الثورة السورية للتأكيد على الانتماء إليها، والأمر نفسه انسحب إلى مناطق من شمالي سوريا، حيث رفع ناشطون علم الحدود الخمسة إلى جانب علم الثورة، للتأكيد على التضامن وتفهّم الخصوصية الجامعة لأبناء السويداء.

أما نظام الأسد، فيبدو عاجزاً ومرتبكاً، بالنظر إلى عدم قدرته على إغراء المحتجين بوعدود كاذبة، ولم يعد بإمكانه استخدام نفس الأكاذيب التي استخدمها من قبل

غير أن التقدير باتساع رقعة الحراك الاحتجاجي ضد نظام الأسد في مختلف مناطق سيطرته، لا يعني رفع سقف الآمال، والتسرع في إطلاق الأحكام، وخلطها بالتمنيات، لكنه يشي أيضاً بعدم استحالة انضمام بؤر جديدة أخرى إليه، إذ توحي الوقائع التي تصل من بقية المناطق، بأن حالة من غضب غير مسبوقة تسود كل مناطق سيطرة النظام، بسبب الأوضاع المعيشية الكارثية، خاصة مع ازدياد عدد الموالين له الذين يجاهرون بالمطالبة بتغيير أحوالهم الحياتية والاقتصادية والاجتماعية، وأنه من الممكن أن تتطور تلك المطالب إلى المستوى السياسي، خاصة مع توفر إمكانية توسيع دائرة الاحتجاجات السلمية، وتوحيد إرادة السوريين الساعين للتحرر من الاستبداد والبؤس والواقع الجحيمي، وذلك في ظل الإضراب والدعوات لتنفيذ عصيان مدني. أما نظام الأسد، فيبدو عاجزاً وغاية الارتباك، بالنظر إلى عدم قدرته على إغراء المحتجين بوعدود كاذبة، ولم يعد بإمكانه استخدام نفس الأكاذيب التي استخدمها من قبل، مثل الإرهاب والمؤامرة والهواجس الطائفية، بما يعني فقدانه ذرائع استخدام القوة لإنهاء الحراك الاحتجاجي، إضافة إلى الخشية من انفجار الأوضاع وتوسع الاحتجاجات في سائر مناطق سيطرته.