هل دخلت المواجهة بين إسرائيل وإيران مرحلة الرد بالرد؟

2024.04.22 | 06:20 دمشق

آخر تحديث: 22.04.2024 | 06:20 دمشق

هل ستضرب إسرائيل إيران؟
+A
حجم الخط
-A

يعتبر مراقبون أن مواجهات "حرب الظل" التي كانت سائدة، منذ عدة سنوات، بين إسرائيل وإيران قد خرجت إلى العلن، وبات "الرد بالرد" عنواناً لمرحلة جديدة من المواجهة الدائرة بينهما في المنطقة.

وتجسدت آخر حلقاته في الهجوم الإسرائيلي على مواقع عسكرية بمحافظة "أصفهان" الإيرانية، الذي جاء ترجمة لما توعدت به حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل بالرد على الاستهداف الإيراني لإسرائيل بموجة من الطائرات المسيرة والصواريخ في 14 من نسيان/ أبريل الجاري، وذلك رداً على هجومها في الأول من الشهر نفسه على القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي أسفر عن مقتل سبعة من كبار القادة العسكريين في "فيلق القدس" الإيراني.

غير أن قراءة فاحصة لطبيعة الردّ الإيراني، وردّ الردّ الإسرائيلي عليه، تظهر أن الطرفين أرادا إرسال رسائل معينة، وتسجيل نقاط على الآخر ضمن حدود اللعبة المحسوبة، ودون أن يوجه أحدهما أي ضربة موجعة له، بل على العكس بذل كل ما بوسعه من أجل إظهار أن ما يقوم به هو مجرد إجراء اضطراري، وغايته الأساسية هي حفظ ماء وجهه لا أكثر.

لم يكن لافتاً عدم اعتراف إسرائيل بالهجمات التي قامت بها على أصفهان في الداخل الإيراني، فقد دأبت على اتباع هذه السياسة خلال كل تاريخ حروب الظل، أو ما يسمى حروب الوكالات..

لم يكن لافتاً عدم اعتراف إسرائيل بالهجمات التي قامت بها على أصفهان في الداخل الإيراني، فقد دأبت على اتباع هذه السياسة خلال كل تاريخ حروب الظل، أو ما يسمى حروب الوكالات، والهجمات السرية التي كانت تقوم بها قواتها ضد أهداف ومواقع إيرانية من الجوّ البّر والبحر وعبر الفضاء السيبرياني، لكن الصمت الإسرائيلي الرسمي، هذه المرة، كان قراراً سياسياً بامتياز، غايته عدم إثارة النظام الإيراني، أو التسبب في جره إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

بالمقابل، كان الرد الإيراني على قصف إسرائيل قنصليتها في دمشق علنياً واستعراضياً، وافتقد عنصر المباغتة المحدد لمدى نجاح أي هجوم جوي، وهو ما لم يتوفر في الرد الإيراني، فضلاً عن تأخره ما يقارب الأسبوعين، ونفّذ بشكل أتاح للدفاعات الجوية الإسرائيلية، ولقوات من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، اتخاذ كل الإجراءات والاحتياطات للتقليل من أضراره، عبر تمكنها من إسقاط أغلب المسيرات والصواريخ، وبالتالي لم يكن الهجوم مؤثراً أو موجعاً، الأمر الذي يشي بأن الإيرانيين اختاروا رداً محسوباً بدقة، و"منضبطاً" و"غير تصعيدي"، وبحيث تكون ارتدادات مفاعيله عليهم أقل ضرراً.

ولعل اللافت هو أن النظام الإيراني قام بتبرئة الولايات المتحدة الأميركية من الاتهامات بالمشاركة في الهجمات الإسرائيلية، وخاصة تلك التي استهدفت قنصليته في دمشق.

في الجانب الآخر، لم يقابل ملالي إيران وعسكرها الهجوم الإسرائيلي على أصفهان بالصمت فقط، وعدم اتهام إسرائيل بشنه مباشرة، بل وصفوه بأنه أشبه بـ"ألعاب الأطفال"، وأنكروا حتى قوع أي هجوم إسرائيلي على الأراضي الإيرانية، وحاولوا تسويق رواية "محاولة تسلل من داخل إيران!" على الرغم من أن بقايا من الصواريخ الإسرائيلية قد سقطت في العراق، وجرى تصويرها ونشرها للعلن.

ومع ذلك لم يعترف النظام الإيراني بالهجوم الإسرائيلي كي لا يترتب عليه القيام بالرد، وبالتالي فإن ساسته أرادوا عدم الاحتكام إلى قواعد جديدة تمليها معادلة "الرد بالرد"، بالنظر إلى عدم قدرتهم على تحمل كلفتها العالية بالنسبة إليهم، خصوصاً وأن إيران تعاني أوضاعاً اقتصادية كارثية بسبب سياساتهم، ويواجه نظامهم السياسي تحديات عديدة، فضلاً عن كونه غير قادر على الدخول في حرب مفتوحة.

أراد الطرف الإسرائيلي من تنفيذ هجوم على أصفهان، التي تحوي مواقع ومنشآت نووية، أن يوصل رسالة إلى الطرف الإيراني، مفادها بأنه ما يزال صاحب اليد العليا في المنطقة، وأنه قادر على الوصول إلى أي موقع داخل إيران، لكنه بالوقت نفسه نفذها بشكل سمح للطرف الإيراني باحتوائها، دون التسبب بإحراجه، حيث لم يسفر عن خسائر بالأرواح، كما أنه لم يستهدف مواقع حيوية، وبالتالي لا يستدعي الحاجة إلى ردّ إيراني عليه. والأهم هو أن هندسته جرت بحيث يكون محدوداً في محاولة لطيّه، بالنظر إلى أن أولوية حكومة الحرب الإسرائيلية في هذه المرحلة هي الاستمرار في حرب الإبادة التي تقوم بها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

لعل حسابات حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية حيال مطالب حلفائها، خاصة الولايات المتحدة التي تطالب بضرورة عدم توسيع الصراع في المنطقة، هي التي جعلت ساستها يخرجون الرد على الهجوم الإيراني بشكل يمكنهم من قبض ثمن غال منهم، ويمكّنهم في الوقت نفسه من المساومة والمناورة، في حال عدم قبض الثمن، من خلال احتفاظهم بإبقاء ملف الرد مفتوحاً، عبر إمكانية تنفيذ هجوم مناسب في المدى القريب، بالنظر إلى عدم اعترافهم رسمياً بالهجوم على أصفهان.

تظهر محدودية الهجمات على أصفهان، أن إدارة الرئيس الأميركي جو تستطيع ضبط معادلة "الرد بالرد" بين إيران وإسرائيل، بل وتثبيطها عبر إلزام ساسة إسرائيل بحدود معينة، وفي الوقت نفسه طمأنة ساسة إيران بعدم توسيع الصراع.

ظهر جلياً أن ملالي إيران لم تحركهم حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، لكنهم قد يتحركون ضدها، ولو بشكل استعراضي، حين تقوم باستهدافهم مباشرة..

وقد ظهر جلياً خلال الرد الإيراني أن إسرائيل غير قادرة على حماية نفسها، وليس بإمكانها القيام بهجمات عسكرية كبيرة في العمق الإيراني دون إشراك الولايات المتحدة. وهو أمر تعارضه إدارة بايدن لأنها لا تريد مواجهة إيران، وتفضل سلاح العقوبات لتغيير سلوك نظامها في المنطقة، فضلاً عن حسابات داخلية تتعلق بالانتخابات الرئاسية وسواها.

إذاً، لم تتغيّر المعادلات في المنطقة، ولم يطرأ أي تغيير في المشروعين الإيراني والإسرائيلي الساعيين للهيمنة عليها، وبالتالي فإن الرد الإيراني ورد الرد الإسرائيلي لم يكرسا معادلة جديدة فيها. وظهر جلياً أن ملالي إيران لم تحركهم حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر، لكنهم قد يتحركون ضدها، ولو بشكل استعراضي، حين تقوم باستهدافهم مباشرة، وليس عندما تستهدف ميليشياتهم في سوريا والعراق ولبنان واليمن.