ملابسات وتبعات الهجوم على حفل موسكو

2024.03.26 | 06:13 دمشق

آخر تحديث: 26.03.2024 | 06:13 دمشق

54524523424524
+A
حجم الخط
-A

جاء الهجوم الدامي الذي شهدته قاعة للحفلات الموسيقية، في مجمع تجاري بإحدى ضواحي موسكو، بعد أيام قليلة على إعلان السلطات الروسية فوز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بولاية خامسة، الأمر الذي أطلق العنان لتكهنات وتقديرات عديدة، وألقى ظلالاً قاتمة على هذا الفوز، ذلك أن هذا الهجوم الإرهابي أزهق أرواح أكثر من 133 شخصاً، فضلاً عن عدد كبير من الجرحى والمصابين.

المرجح هو أن الهجوم سيلقي تبعات وإرهاصات على المشهد في الداخل الروسي، وقد تفيض عنه، كي تمتد إلى الخارج الروسي أيضاً، وذلك مع مسارعة عدد من المسؤولين الروس إلى محاولة توظيفه، عبر توجيههم أصابع الاتهام إلى أوكرانيا، والإيحاء بوجود صلة ما لها بمنفذيه، وذلك على الرغم من ظهور مؤشرات على تبني تنظيم الدولة "داعش" له. إضافة إلى أن الرئيس بوتين، الذي وصف الهجوم بالعمل "الدموي البربري الإرهابي"، لم يتردد في القول إن من نفذوه "حاولوا الفرار إلى أوكرانيا"، في حين أعلنت السلطات الأمنية الروسية من جهتها، أن جميع المشتبه بهم ينحدرون من أصول طاجكستانية، وكان يدير نشاطاتهم شخص ما، قام بتجنيدهم وتوجيههم عبر منصة تلغرام! أما على مستوى الداخل الروسي، فقد شددت السلطات الروسية إجراءاتها الأمنية، وألغت العديد من الحفلات، في حين تحوّلت عدد من الجامعات إلى نظام الدراسة عن بعد، إضافة إلى إلغاء مباراة ودية للمنتخب الروسي مع الباراغواي. وبالنظر إلى الاتهام الروسي الرسمي لأشخاص من طاجكستان بالتورط في تنفيذ هجوم موسكو، فإن التقديرات تشي بأن روسيا ستشهد حملة اعتقالات واسعة ضد العمال والمهاجرين القادمين من بلدان وسط آسيا.

غير أن معارضين روساً وسواهم، ركزوا على دعوة بوتين الروس إلى الاستنفار والحيطة في خطابه الذي ألقاه بعد فوزه بالانتخابات، وربطوها بالهجوم الإرهابي، في حين أعاد بعضهم إلى الأذهان الهجمات على مبان سكنية في موسكو ومدن أخرى في أيلول/ سبتمبر عام 1999، واتهمت السلطات الروسية، في ذلك الوقت، أشخاصاً من الشيشان بتنفيذها، لكن المعارضة الروسية لم تقتنع بذلك، بل وجهت أصابع الاتهام إلى أجهزة المخابرات الروسية بالوقوف وراءها، واعتبرتها بمثابة المطيّة التي ركب عليها بوتين للوصول إلى السلطة، لذلك ترى المعارضة أن هناك ترابطاً بين الحدثين، وتحمّل المسؤولية للأجهزة الأمنية، التي لا تتردد في قيامها بشتى الأعمال القذرة، ولا يهمهما أن يكون ثمن ما ترمي إليه مقتل وجرح مئات المدنيين الروس، وبالتالي فإن أوساط المعارضة تتخوف من أن يكون الهجوم، الذي استهدف الحاضرين لحفل موسيقي في أكبر مركز تجاري في موسكو، مقدمة لأعمال أخرى، تهدف إلى إدخال روسيا في أتون مرحلة قاتمة العنف والقمع، وممارسة مزيد من التضييق على الحريات بغية إحكام الإمساك بمختلف مفاصل السلطة في روسيا، خاصة بعد أن اعتبر المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن روسيا باتت في حالة حرب. وهي عبارة من شأنها أن تجعل السلطات تتخذ إجراءات أكثر تشدداً في الداخل والخارج، باعتبارها باتت في حالة حرب، في حين كانت تصرّ في السابق على تسمية ما تقوم به في أوكرانيا، "عملية عسكرية خاصة"، وكانت ترفض تسميتها حرباً، بل إن النظام الروسي كان يحظر استخدام كلمة حرب في وسائل الإعلام، ويفرض غرامات وعقوبات بالسجن على كل من يستخدمها وفق قانون "المعلومات وتكنولوجيا المعلومات وحماية المعلومات".

أوساط المعارضة تتخوف من أن يكون الهجوم، الذي استهدف الحاضرين لحفل موسيقي في أكبر مركز تجاري في موسكو، مقدمة لأعمال أخرى، تهدف إلى إدخال روسيا في أتون مرحلة قاتمة العنف والقمع، وممارسة مزيد من التضييق على الحريات بغية إحكام الإمساك بمختلف مفاصل السلطة في روسيا.

هناك من يعتبر أن الهجوم الإرهابي ستتخذه السلطات الروسية مادة للتوظيف والاستغلال في الداخل والخارج، لذلك اعتبرت أن الفيديو الذي تبنى فيه داعش الهجوم مزور، لأنها تصر على تحميل أوكرانيا مسؤوليته. ولعل إعلانها أن منفذي الهجوم اعترفوا بتلقي أموال من أجل القيام به، يتناقض مع ما دأب عليه عناصر التنظيم في تنفيذ عملياته وهجماته، وبالتالي لا يصمد ما تقوله السلطات الروسية في هذا الصدد أمام حقيقة أن التنظيم يعتمد على إيمان عناصره بإيديولوجيا متشددة، ولا يعتمد على مرتزقة (مثلما يفعل النظام الروسي) يتلقون المال من أجل القيام بها، لذلك يشكك الخبراء فيما قالته السلطات الروسية إن أحد المنفذين اعترف بأن المشرفين على تنفيذ الهجوم عرضوا عليه مبلغ 500 ألف روبل (نحو 5 آلاف دولار) مقابل تنفيذ عملية قتل عشوائي!

يبدو أن كل ما تريد تسويقه السلطات الروسية يدفع إلى القول بأنها تلجأ إلى التلفيق والكذب بغاية التضليل والتوظيف، فالنظام الروسي مثله مثل نظام الأسد، يكذب حتى في نشرات الأحوال الجوية، وقد خَبِرَ المعارضون السوريون لنظام الأسد تماماً التلفيق الروسي، بوصفه نهجاً اعتمده الروس في حربهم إلى جانب الأسد ضد السوريين، حيث قاموا بفبركة وهندسة هجمات وأحداث دامية، واعتمدوا على التلفيق والكذب في نسبها لسواهم. وكانوا يحاولون تسويق أمور شنيعة يتهمون المعارضة بها للتغطية على جرائمهم وجرائم النظام، والأمثلة كثيرة جداً في هذا السياق، ولا تنحصر في قصف مقاتلاتهم الحربية قوافل المساعدات الإنسانية، وإنكارهم له، وفي توجيههم اتهامات للمعارضة، في أكثر من مناسبة، بالتحضير للقيام بهجمات بالغازات السامة وبأسلحة كيميائية، وذلك للتغطية على هجمات بأسلحة كيميائية كان يعتزم النظام القيام بها. وقد أكدت تقارير أممية عديدة أن نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيميائية مرات عديدة، وبتواطؤ روسي متعمد.

النظام الروسي مثله مثل نظام الأسد، يكذب حتى في نشرات الأحوال الجوية، وقد خَبِرَ المعارضون السوريون لنظام الأسد تماماً التلفيق الروسي، بوصفه نهجاً اعتمده الروس في حربهم إلى جانب الأسد ضد السوريين

المشكلة إذاً، هي في عدم امتلاك النظام الروسي أي مصداقية فيما يقول، وفيما يحاول أن يشيع، لذلك يمتلك ما تقوله المعارضة الروسية وجاهة، حين تتساءل عن كيفية قيام الإرهابيين بالقتل والحرق في أحد أكبر المجمعات التجارية على أطراف موسكو، ثم تمكنوا من المغادرة، ولم يتم القبض عليهم إلا في طريقهم إلى أوكرانيا! كما أنهم اختاروا المكان المناسب من حيث وجود أعداد كبيرة من المدنيين، وعدم وجود عناصر أمن أو قوات خاصة، وقاموا بهجومهم دون وقوع أي اشتباك معهم، الأمر الذي مكنهم من تنفيذه بسلاسة، ومن الفرار بسهولة ودون أي عوائق. وعليه كان الهجوم سليماً وسلساً من حيث التوقيت والمكان، ومن التنفيذ والاستهداف، وكأنه نُفذ وفق ما كان مرسوماً على الورق من ظرف أجهزة أمن خبيرة جداً.