تخلَّص من المعارضة.. لكن لا تشبهها بالنظام(1)

2021.12.13 | 05:10 دمشق

18766521-079b-47bb-b337-70a1679d66b2.jpg
+A
حجم الخط
-A

في تاريخنا الحديث، لم يبذل نظامٌ الجهدَ الذي بذله نظام الأسد - على ذاته كسلطة مؤبَّدة في حكم سوريا - وعلى الشعب كمحكوم بالحكم المؤبد، وعلى سوريا كملعب لممارسة السلطة الاستبدادية، - وتجاه الخارج كحاضنة محصِّنة لهذه السلطة.

  • أيديولوجياً، وبعد تصحير الحياة السياسية واعتماد الفساد والإفساد منهجا، أسس المأفون منظومته كتوليفة غريبة عجيبة مبنية على التضاد قومياً ودينياً ومالياً، لخدمة سياساته الشيطانية. بنى منظومة تزايد بالقومية، لتلغي الوطنية؛ تتحدث بالعلمانية، لتمارس الطائفية؛ تبتلع موارد البلد، لتضعها في حساباتها الخاصة، وتفرض التقشف على الرعية تحت يافطة "المقاومة والممانعة".
  • تعليمياً وثقافياً وإعلامياً، كرّست المنظومة التسبيح باسم القائد، الرمز، الملهَم، الملهِم، الناسك، الأول، البطل، المحرر، رائد القومية والتحرير والمقاومة والوحدة والتضامن. فقط صفة "الخالق" هي الوحيدة التي هربت من قاموس ألقابه. كثير من هراواته في وجه شعب سوريا تعاملوا بناء على تعليماته غير المكتوبة: "جوّع كلبك، وادعسه؛ يتبعك". فكانت خيرات سوريا في حسابات العائلة، وفتات الموائد لكل الشعب كمِنّةٍ وعطاءات من القائد.
  • أمنياً وعسكرياً هو الآمر الناهي؛ بيده كل الخيوط؛ وكل فعل يصبُّ في بحيرته؛ ويخرج من عنده؛ ويعود إليه. يبطش، يقتل، يعتقل؛ ولا مخرج إلا الطاعة المطلقة.
  • ضَمِنَ الخارج باستراتيجية متعددة الرؤوس: *حمى إسرائيل من الشمال باعتبار الشمال مصدر قلقها الأساس، مقابل استمراره؛ * وضع القلب مع أميركا، واليد في جيب روسيا، والروح في حوزات الخميني؛ * وتجاه العرب لعب دور رأس الفتنة تحت اسم التضامن العربي، فزايد عليهم، وابتز أموالهم؛ * تحالف مع إيران، وفي الوقت ذاته قدَّم نفسه رائداً للعروبة والقومية العربية.

سكة المسار التي زرعها المأفون كانت متجذرة ومُصَخرة في الحياة، بحيث لا يمكن تغييرها أو اهتزازها، ولو قيد أنملة. ومن هنا كانت مواجهة صرخة الحرية الشعبية السورية بالحديد والنار؛ وكانت ترجمة كل ذلك الوسخ والحقد والأمراض المذكورة أعلاه، خلال العقد المنصرم من انتفاضة سوريا، ناراً وقتلاً وتدميراً وتشريداً ورُخصاً وكذباً واستخداماً للأسلحة المحرمة، وصولاً للخيانة الوطنية بتسليم سوريا للاحتلالات. من هنا كل هذا الحقد والاقتصاص من كل مَن سُمع صوته أو قال: "لا"؛ ومن هنا كانت الطائرات والبراميل وميليشيات حزب الله وحرس خامنئي وترسانة بوتين، باستثناء النووي.

بعد كل هذا يأتيك من يقول إن النظام والمعارضة مثل بعضهما البعض. ويرى في أن طريق الحرية في تقرير المصير، لا يكون إلا برجم المعارضة. وهذا صحيح في الوضع المثالي والطبيعي

بعد كل هذا يأتيك من يقول إن النظام والمعارضة مثل بعضهما البعض. ويرى في أن طريق الحرية في تقرير المصير، لا يكون إلا برجم المعارضة. وهذا صحيح في الوضع المثالي والطبيعي؛ ولكن إذا كانت أمنية النظام أن تكون ضحيته سيئة وتشبهه، أو تحمل وتُحَمَّل ما يحمل؛ وهو في الوقت ذاته أمنيته، ولا يوفر جهداً للعمل عليه؛  أليس من الإجحاف وضعف الرؤية أن يتحقق للنظام ما يصبو إليه بكل ما بقي لديه من طاقة؟! السوري بالنسبة لمنظومة الاستبداد إما موالٍ أو ميت؛ فهي لا تعتبره أو تسمح له أو حتى تقبله مفاوضاً لها؛ وتعمل على نسف مصداقيته بما أوتيت من أبواق. ليس تلك المنظومة فقط من ناصب المعارضة العداء، وحاصرها، وسعى إلى خنقها ونسف مصداقيتها؛ بل الروس فعلوها، وكذلك أوباما؛ إضافة إلى رهط من الأبواق المأجورة.

ومن جانب آخر وللإنصاف، وقبل أن يتبادر لأحد أن يعتبر هذا استعراضاً لأوصاف منظومة الإجرام بغية المرافعة أو التخفيف من سوء المعارضة؛ أقول، وعلى رؤوس الأشهاد: مَن يكون فاسداً أو مفسداً أو أنانياً أو إقصائياً أو طائفياً أو مرتزقاً أو بلطجياً؛ ومن يضع مصلحته الشخصية ومنفعته فوق الشأن العام والحق السوري الذي يقف كالرمح؛ فهذا لا علاقة له بثورة، ولا بمعارضة، ولا بشرف أو بنبل قضية هي الأعدل في التاريخ الحديث؛ ولا بد من رميه في مزبلة التاريخ. الثورة موجودة وحيّة؛ وما من قوة تميتها أو توقفها، ولا بد منتصرة؛ وإذا ما ابتُليتْ بهكذا مواجع وثغرات وسقطات، لا يمكن إيقافها أو كسرها. إنها كالطلقة، لا تعود. إنها كدعوة المظلوم، التي لا بد أن تصل.

بإمكان السوري بناء على كل ما تقدَّم، أن يجيّش أهل الثورة، ويسهم بتنظيم صفوفها من  جديد، ويتواصل مع مَن يشاء، وكيفما شاء، ويوثّق إجرام العصابة، وينشيء ما يشاء من مجموعات ومؤسسات ومنظمات، ويجرّم كل من أساء من المعارضة أو الثورة. وليذهب مَن يرتكب من المعارضة القائمة إلى الجحيم؛ لكن وضعها ومنظومة الاستبداد بخانة واحدة،  فيه ظلم للذات ولقضية عظيمة لا تحتمل عراكاً بين أهلها؛ وخاصة عندما يكون نظام الإجرام المستفيد الأساس من ذلك؛ فمنظومة الإجرام لا تشبه إلا ذاتها. تخلّص من المعارضة؛ لكن لا تشبهها بمنظومة الاستبداد.

{في الجزء القادم من هذا المقال، ما يمكن للسوري أن يقوم به بغض النظر عن الضفة التي يقف عليها}.