icon
التغطية الحية

بين "مسبل" العرس وليرات الذهب: كيف يتزوج السوريون؟

2024.01.07 | 04:53 دمشق

بين "مسبل" العرس وليرات الذهب: كيف يتزوج السوريون؟
عرس في دمشق (فيس بوك)
+A
حجم الخط
-A

لم تثنِ الحرب السورية بسنواتها العشر وما حملته من فقر وغلاء معيشي، بعض العائلات في دمشق وريفها عن التمسك بالعادات والتقاليد الموروثة في الأعراس وعند التقدم لطلب فتاة.

وعلى الرغم من استغناء فئة كبيرة من السوريين عن حفلة العرس أو "ملبوس البدن" والعزائم والولائم، فإنّ بعض الأهالي يجدون في التخلي عن ذلك انتقاصاً من قيمة ابنتهم أو غياباً لـ"فرحة عمرها"، ولا مشكلة لديهم في رفض العريس غير المقتدر على هذه التكاليف أو حتى الاستدانة لإقامة هذه العادات وإتمامها على أكمل وجه.

تجهيز العرائس بين مليون و150 مليون ليرة سورية!

تزوجت رهام محمد (اسم مستعار) قبل ستة أشهر من زميلها في كلية الهندسة المدنية، وكانا قد قررا الزواج بعد التخرج مباشرةً، علماً أن زوجها يحمل على عاتقه مسؤولية والدته المُقعدة وأخته الصغيرة، تقول رهام في لقاء مع موقع تلفزيون سوريا: "لا تهمّني المظاهر، وكنا قد اتفقنا على عدم إقامة حفلة عرس أو حجز في الصالة منذ بداية علاقتنا، الحب أولوية على الماديات؛ فالماديات قابلة للزوال، وهو كريم معي كلما سمحت ظروفه المادية بذلك".

استطاعت رهام إقناع أهلها بزوجها وبعدم تحميله فوق قدراته، رغم أن والدتها كانت معترضة على تنازلات ابنتها –على حسب قول رهام- لكنها اقتنعت عندما أدركت أن الشاب "محترم"، تقول رهام: "قمت بتجهيز نفسي بمليون ونصف مليون ليرة سورية فقط، وأقمنا حفلة صغيرة في منزل أهله، أمي اعترضت في البداية لكنها أحبته عندما تعرفت إليه وصارت تناديه بـ (صهري الكدع)".

وعلى الجانب الآخر، قد تصل كلفة العرس بين حجز الصالة وتجهيز العروس وتقديم الضيافة إلى ما يزيد على مئة مليون ليرة سورية. في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يخبرنا أحمد الذي دخل "القفص الذهبي" الشهر الفائت، أن حجز الصالة وتقديم العشاء للضيوف واستئجار فستان العرس وتجهيز العروس، كلَّفه 147 مليون ليرة سورية عدا المهر الذي كُتب بالليرة الذهبية لا بالليرة السورية. يعيش أحمد في منطقة كفرسوسة وهو من عائلة مقتدرة مادياً؛ إذ يملك والده محال ألبسة في منطقتي الشعلان والقصاع، بينما تخرج هو في كلية طب الأسنان في إحدى الجامعات الخاصة في منطقة (غباغب) بريف درعا.

يقول أحمد: "أنا وحيد لأهلي، ووضعنا المادي جيد، ورغم تخصصي في طب الأسنان فإنني لم أفتح عيادتي الخاصة بعد، لكنني أعمل في إدارة محالّنا التجارية، وقد ارتأى والدي أن تكون حفلة العرس ضمن الأصول".

أما عن تكاليف حجز صالة العرس في الوقت الحالي فقد وصلت إلى 50 حتى 250 ألف ليرة سورية عن كل ضيف وبحسب فخامة الصالة وموقعها، إلى جانب تكاليف الموسيقا والزينة ووجبة العشاء أو الضيافة التي تتراوح بين 2 – 25 مليون ليرة سورية.

"مسبل" العرس: عادة لم يتنازل الجميع عنها

لم تتنازل بعض العائلات في دمشق وريفها ولا سيما في منطقة "حلبون" التابعة للقلمون عن عادة شراء "مسابل" العرس وهو ما تضعه العروس على سريرها في يوم عرسها وتتباهى به أمام الضيوف. يتحدث أحد أصحاب محال (البياضات) في منطقة الحريقة وسط دمشق لموقع تلفزيون سوريا عن نماذج عديدة من الفتيات اللواتي يشترين من عنده "تجهيزات العروس"، يقول: "قد تدخل محلي فتاة مُنحت مليون ليرة فقط لتجهيز نفسها بما في ذلك شراء الشراشف والبياضات، وقد تدخل محلي فتاة مُنحت ما يزيد على 20 مليون ليرة سورية لتجهيز نفسها. وفي الوقت الذي يظن الناس فيه أن المسبل قد "انتهت موضته" يظهر كضرورة لكثير من العائلات التي رفضت التنازل عنه، وتتراوح أسعار المسابل بين مليونين ونصف و 5 ملايين ليرة سورية وهو يُستخدم مرة واحدة فقط "في ليلة الدخلة" ثم يتم ترتيبه ووضعه جانباً ليُفرد ثانيةً في مناسبات زوجية أو عاطفية معينة".

وفي حديثها لموقع تلفزيون سوريا، تخبرنا (رزان. ن) وهي فتاة تنحدر من النبك بريف دمشق، تزوجت مباشرةً بعد حصولها على شهادة البكالوريا ودون التحاقها بالجامعة: "رفض أهلي التنازل عن المسبل، وحينما أحضروا لي مسبلاً بقيمة 3 ملايين ونصف، قررت والدة زوجي شراء مسبل آخر لي من المحل نفسه ولكن بنقوش مختلفة وبقيمة 4 ملايين ليرة سورية، وبذلك أصبح لدي مسبلان بقيمة 7 ملايين ونصف، فردتهما على سريري ليلة العرس ثم ألقيت بهما فوق خزانة ملابسي!".

مهر بـ600 ألف ليرة سورية وآخر بمئة ليرة ذهبية

لا تظهر التناقضات المعيشية للشعب السوري بعد الحرب فقط في نمط الحياة اليومي ومستوى الرفاهية، بل يظهر جلياً أيضاً في قيمة "المهر" المكتوب والعملة التي يُقدّر بها.

تلجأ بعض العائلات السورية إلى كتابة المهر بالذهب أو بالليرة الذهبية نظراً للانهيار المستمر لليرة السورية وبالتالي خسارة المهر لقيمته مع مرور السنوات، ولا يستطيعون كتابته بالدولار لكون التعامل بغير الليرة السورية ممنوعاً في مناطق سيطرة النظام؛ فكل عقد يُثمَّن بالعملة الأجنبية غير معترف به قانونياً، لذا كانت الحيلة الوحيدة هي صياغة عقد الزواج بعدد من غرامات الذهب أو عدد من الليرات الذهبية (كل ليرة ذهبية تعادل 8 غرامات ذهب).

يقول أبو فراس الذي زوج ابنته الصيدلانية لأحد تجار الأجهزة الكهربائية في منطقة المزة فيلات غربية: "زوجتها بمهر قدره 60 ليرة ذهبية (مقبوضة) من العريس، ولأنها ابنتي البكر فقد منحتها أنا أيضاً 25 ليرة ذهبية، وبذلك أضمن حق ابنتي وأحفظ قيمتها أمام الناس".

وبينما ترى بعض الفتيات وعائلاتهن أن المهر ضمانة للأنثى وحقها، ظهرت في السنوات الأخيرة أصوات أكثر انفتاحاً وانعتاقاً من التقاليد والعادات تقول بأنّ فرض قيمة عالية للمهر أصبح أقرب للتجارة تتبعها بعض عائلات الفتيات، كما أنّه يُسلِّع المرأة ويفقدها إنسانيتها، وبين هذا التيار وذاك يبقى الحكم الأخير للظروف المادية وتفاهم الطرفين.

ولم يعد غريباً أن تطلب بعض الفتيات مهراً لا يتجاوز المليون ليرة سورية (غير مقبوضة)، تقول رهام محمد: "جهزت نفسي بمليون ونصف وطلبت مهراً قدره 600 ألف ليرة سورية فقط، وهذا كافٍ بالنسبة إليّ لأنني تزوجت مَن أُحب ولأنّ الحب يفرض عليّ مراعاة ظروفه والوقوف إلى جانبه".