icon
التغطية الحية

سوريا.. أعراس وخطوبات صامتة

2022.06.16 | 06:12 دمشق

engagement_and_wedding.jpg
يحاول الشبان تخفيض تكاليف الزواج والخطوبة أو إلغاء الحفلات ـ إنترنت
 تلفزيون سوريا - خاص
+A
حجم الخط
-A

وسط أزمة اقتصادية ومعيشية خلفتها سنوات الحرب، ورغم خسارتهم الكثير من أحبابهم وأرزاقهم، يحاول السوريون سرقة الفرح وعيش حياتهم يوماً بيوم، لكن ذلك ليس في متناول كثيرين لا يستطيعون إحياء لحظات جميلة كحفلات الزفاف أو الخطوبة وغيرها.

أعراس وخطوبات من دون حفلة

يحلم كل حبيبين بليلة عرسهما أو خطوبتهما التي يتوجان حبهما بها، ويقضيان كثيراً من الأوقات للتجهيز لمثل هذه الليلة. ولكن الفرحة أحياناً لا تكتمل، "نيرمين" فتاة تزوجت منذ فترة قصيرة بعد خطبة دامت ست سنوات، واستمر تأجيل عرسها من أجل توفير المال لحفل الزفاف وكلما استطاعت مع خطيبها توفير مبلغ من المال ترتفع الأسعار ويضطرون للعمل مجدداً لتوفير نقود إضافية.

وهكذا استمرت معاناتهما حتى قررا أخيراً الزواج من دون حفلة أو أي مظهر من مظاهر الأعراس، وتقول لـ موقع تلفزيون سوريا "لم يعد بإمكاننا تحمل نفقة صالة العرس، وحتى استئجار فستان زفاف أصبح صعباً، وبالنسبة لي تجهيز منزلي بما ينقصه من حاجيات أهم، فلذلك اتفقنا على الزواج من دون حفلة واقتصر زواجنا على عشاء في منزلنا جمع المقربين فقط".

أما زهور وخطيبها واللذان أيضاً اضطرا لتأجيل عرسهما لعدة سنوات بسبب مصاريف الزفاف وارتفاع الأسعار، قررا أيضا إلغاء حفلة الزفاف، ولكنهما لم يقبلا التخلي عن فكرة ارتداء فستان زفاف وبدلة عرس وإجراء جلسة تصوير لتبقى ذكرى جميلة.

وتوضح زهور قائلة "العرس بالنسبة لي كان شيئاً مقدساً، منذ مراهقتي ووالدتي تروي لي عن حسرتها لأنها ما ارتدت فستان زفاف بسبب وفاة جدي وقتها، فقررت من وقتها أن أتخلى عن كل شيء إلا فستان الزفاف الأبيض". وهكذا اضطرت زهور لتتخلى عن فكرة إجراء حفلة زفاف ولكنها أصرت على ارتداء فستان زفاف أبيض وإجراء جلسة تصوير هي والعريس ببدلات الزفاف لتحتفظ بالصور كذكرى جميلة ترويها لأبنائها وأحفادها.

زهور نفسها لم تقم حفلة خطوبة واكتفت بعشاء بسيط في منزلها لأهلها وأهل خطيبها آنذاك، الأمر ذاته يحصل مع كثير من الفتيات فتكاليف حفلة الخطوبة لا تختلف عن تكاليف حفلة الزفاف من ناحية حجز  صالة وما إلى ذلك من مصاريف قلة هم من يستطيعون تحملها.

أعراس اقتصادية في سوريا

في الوقت الذي يضطر فيه كثير من المقبلين على الزفاف لإلغاء الحفل وما يرافقه من عادات لتوفير نقود لدفعها كثمن لفرش المنزل أو إيجاره، يصر كثيرون على إجراء حفلة زفاف ولو بمصاريف قليلة، ولو وصل الأمر للاقتصاد بكل الوسائل الممكنة.

بالنسبة لـ علي وبتول، شابان تزوجا في بداية فصل الربيع من هذا العام، بعد تأجيلهما للزواج حوالي ثلاثة أعوام. لكنهما وعند انتهائهما من تجهيز منزل الزوجية بالأشياء الأساسية من دون مبالغة، باشرا بالبحث عن سبل لإقامة حفل زفاف بمصاريف بسيطة. بداية تخلت بتول عن المقدم من المهر وعن ملبوس البدن المتعارف عليه في سوريا، وهو مبلغ يقدمه العريس لخطيبته لتشتري به ما يسمى "جهاز عرسها" أي أغراض زوجية لا تستخدمها إلا في منزل زوجها بعد الزفاف وبالمقابل قام علي بالعمل في وظيفة إضافية لتوفير نقود، واتفقا على إقامة عرسهما في نهاية فصل الشتاء وذلك لأن أسعار صالات الأعراس ترتفع في فصل الصيف وتصل لأسعار خيالية.

أما فستان العرس فقامت بتول بأخذ فستان عرس والدتها وتعديله بما يتناسب مع الموضة الرائجة واستعانت بأحد صديقاتها لتزينها ليلة العرس، وتبرع أحد أصدقائهما بجلسة تصوير، ولم يطالب أهل بتول علي بشراء ذهبٍ للعروس حتى أنهم ساعدوه في تجهيز منزله ببعض الأدوات الكهربائية وهكذا استطاعا أن يعيشا ليلة عمرها بأقل الخسائر الممكنة.

"حاولنا كثيراً أن نوفر قدر المستطاع، رغم أننا تمنينا لو أقمنا عرساً جميلاً كما كنا نحلم، ولكننا نحمد الله فغيرنا غير قادر على القيام بأبسط هذه الأمور" يقول علي وبتول.

الوضع الراهن في سوريا والارتفاع الجنوني للأسعار يمنع كثيراً من الشبان عن الزواج هذه الأيام، فقد أصبحت كلفة تزيين العروس عند المزين لا تقل عن 300 ألف ليرة سورية، عدا عن فستان الزفاف الذي تصل أجرته ليوم واحد لـ ما لا يقل عن 400 ألف ليرة سورية، إضافة لأجرة بدلة العريس وأجرة تصوير العرس التي تتراوح بين المليون حتى 4 أو 5 ملايين ليرة سورية، هذا كله عدا عن أجرة صالة الأعراس حيث تبدأ كلفة الشخص الواحد في أبسط صالات الأعراس حوالي 30 ألف وتصل لحدود 100 و 200 ألف وأكثر في صالات أخرى، وهذه الأسعار قابلة للزيادة باختلاف سعر صرف الدولار في سوريا ووضع الكهرباء وموسم الأعراس أو خارجه.

محاولة التخلي عن العادات

في سوريا عادات وتقاليد متوارثة فيما يخص حفلات الخطوبة والأعراس وما إلى ذلك، وتختلف هذه العادات باختلاف المناطق واختلاف خلفيتها الدينية أو الشعبية. ولكن أغلب هذه العادات اليوم قد اختفت أو لم يعد يعمل بها مراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة.

فأهل "سوسن" الفتاة العشرينية التي خطبت لصديقها في الجامعة، لم يستطيعوا الالتزام بعادات عائلتهم من حيث إقامة حفل الخطبة على نفقتهم الخاصة وتقديم هدايا لها كذهب وملابس، حتى إنهم لم يستطيعوا القيام بدعوات الغداء التي يتبادلها أهل العروسين في مرحلة ما قبل الزواج وهذا الأمر كان متبادلاً بين عائلة سوسن وعائلة خطيبها، حتى إنهم قبلوا أن تسكن ابنتهم في منزل عائلة خطيبها مراعاة لوضعه الاقتصادي ولتخفيف ضغوط الحياة عليه. فسابقاً كان على العريس تأمين منزل مستقل وشراء الذهب للعروس والتكفل بتجهيزها حسب الاتفاق بينه وبين أهلها، وفي المقابل على أهل العروس التكفل بنفقات الخطبة وحفلتها حسب عادات أهل سوسن وأهل منطقتها.

وتقول سوسن لـ موقع تلفزيون سوريا" إن أصررت على هذه العادات القديمة قد أخسر حبيبي من أجل مصاريف وأشياء لن تضيف السعادة لحياتي وإن استطاع تأمينها بشق الأنفس، ستخلق حساسية مع أهله لأنني حملته ما لا طاقة له به، والحمد لله أنا مقتنعة بقدري وسعيدة رغم تخلينا أنا وهو عن كثير من الأشياء".

وأيضاً باتت بعض العوائل تتخلى عن شروط صعبة كالمهر المقدم للعروس كإلغائه أو وضع مهر رمزي كنوع من المساعدة، أو تقديم مبالغ مادية للعريس لمساعدته في تجهيز منزله، أو التخلي عن شروط شراء الذهب أو شراء منزل تعود ملكيته للزوجة.

أعراس أمراء الحرب ورجال الأعمال السوريين

في الوقت الذي يحاول فيه الشباب التوفير والاقتصاد في مصاريف الأعراس أو إلغاءها، يوجد من يحاول إظهار البذخ والترف ودفع مصاريف طائلة لقاء ليلة واحدة. وبالطبع أغلب هؤلاء من أمراء الحرب أو المتنفذين في البلاد أو قد يكون شخصاً مغترباً خارج سوريا وقرر إحياء حفل زفافه بين أهله ورفاقه.

وبات السوريون يتابعون مطربين ومطربات عرب يأتون إلى سوريا لإحياء حفلات زفاف أبناء مسؤولين أو كبار رجال الأعمال، كما حصل في عرس ابنة وزير داخلية النظام السوري "محمد الرحمون" والتي تزوجت من رجل الأعمال المقرب من النظام علي وهيب مرعي الذي ورث إمبراطورية والده، فحضر عاصي الحلاني وغنى في عرسه، وقيل إن عاصي تقاضى مبلغاً يصل لـ 250 ألف دولار لقاء هذه الليلة، وكان قد سبقه نادر الأتات وأحيا عرس شقيقة علي التي تزوجت من أحد رجال الأعمال في مدينة طرطوس.

وبحسب "سيمون" شاب يعمل في مجال تنظيم الأعراس وهو المجال الذي ظهر في السنوات الأخيرة في سوريا ويتسابق محدثو النعمة والأغنياء على إظهار ترفهم وغناهم من خلال مكاتب تنظيم الأعراس، فإنه وبحسب قوله باتت بعض الأعراس في سوريا تكلف ما يقارب كلفة إقامة حفل زفاف في بلد أوروبي أو حتى دبي، من إحضار مصممي رقصات واستيراد للزهور من الخارج وإحضار خبراء تجميل أجانب.