بوتين الرهيب

2022.03.06 | 05:47 دمشق

17590456_101.jpg
+A
حجم الخط
-A

حينما تسربت معلومات أميركية في تشرين الثاني الماضي عن استعدادات روسية لغزو أوكرانيا عسكريا، لم يصدقها أحد، واعتبرها البعض نوعا من المزاح الثقيل، وحتى حين أكدت واشنطن وبعض العواصم الغربية أن الخطة باتت جاهزة ووشيكة، اعتبر قطاع واسع سياسي وإعلامي ذلك نوعا من التهويل الإعلامي والسياسي، هدفه شيطنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يستخدم الحشد العسكري كأداة ضغط فقط، وليس من أجل القيام بعملية عسكرية هدفها "إسقاط الطغمة الحاكمة في كييف"، على حد تعبير فاسيلي نيبنزيا سفير روسيا في مجلس الأمن الدولي، بعد ساعات من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في الرابع والعشرين من شباط الماضي.

بوتين وحده لم يعجبه هذا الوضع، إلا أنه لم يكن في حساب أحد أنه يريد تغييره بالقوة، من منطلق أن أوكرانيا جزء من روسيا

لم يكن أحد يتوقع حتى وقت قريب أن يقدم بوتين على غزو أوكرانيا، التي تختلف عن جورجيا كثيرا من حيث الجغرافيا والتاريخ، وخصوصا تطورات العقدين الأخيرين في هذا البلد، الذي عرف حراكا ديموقراطيا منذ نحو 15 عاما تتوج في 22 شباط 2014 بقيام البرلمان بخلع الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانكوفيتش، وردت على ذلك روسيا بضم شبه جزيرة القرم. ولم تعرف هذه الدولة بعد ذلك نوعا من الاستقرار، بسبب تدخلات روسيا في إقليم الدونباس الانفصالي، ومع ذلك جرت انتخابات ديموقراطية برلمانية ورئاسية عام 2019، وحاولت السلطات الجديدة إيجاد حل سلمي للأزمة عن طريق "اتفاقات مينسك"، التي هندستها فرنسا وألمانيا.

بوتين وحده لم يعجبه هذا الوضع، إلا أنه لم يكن في حساب أحد أنه يريد تغييره بالقوة، من منطلق أن أوكرانيا جزء من روسيا، كما ورد في خطابه قبل أيام من بدء الحرب. وحتى لو كانت كذلك فليس القوة هي الحل. وكان يمكن أن يطالب بإجراء استفتاء شعبي، تكون نتيجته ملزمة للجميع.

غزو أوكرانيا يقدم بوتين في صورة هتلر جديد في أوروبا، وسواء جرى إعلان ذلك من قبل الغربيين أم لا، فليس هناك شبه لهذا الرجل سوى هتلر، بل هو نسخة معدلة من زعيم النازية. وما قام به من اجتياح عسكري لبلد مستقل صفحة جديدة في تاريخ هذا الرجل الحافل بالمجازر من الشيشان وجورجيا وسوريا، وها هو يفتح الطريق نحو نزاع دموي في أوروبا، ويوجه صفعة إلى الديموقراطيات الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة، وإذا مر مشروعه هذا ولم يجد من يقطع الطريق عليه، فإن الأعوام القادمة سوف تكون قاتمة جدا، وستشهد سقوط الديموقراطيات الغربية نحو الحضيض، التي يمثل أحد وجوهها صعود اليمين المتطرف المدعوم من بوتين.

ومنذ اليوم الأول للغزو تصرف الروس، وكأن الحرب محسومة وستكون نزهة سريعة، ولا تصدر عن موسكو سوى بروباغندا بائسة عن أن هدف الحرب هو اجتثاث النازية من أوكرانيا. إن تكرار هذه الجملة من طرف السياسيين والمعلقين الإعلاميين الروس، وحتى بعض مراسلي التلفزة العربية، يكشف عن عدم القدرة على صياغة خطاب متماسك يبرر الحرب، بل طغى خطاب فظ، لغة متعالية، بروباغندا غير مقنعة لأحد، وزير الخارجية سيرغي لافروف ردد عبارة "نازية" كاتهام لسلطات كييف أكثر من عشر مرات في مؤتمر صحفي، في حين أن التوصيف ينطبق على روسيا، التي دفعت بأكثر من 150 ألف جندي لاجتياح دولة مستقلة ذات سيادة تحكمها سلطات منتخبة.

هدف العملية العسكرية هو "تحرير" العاصمة الأوكرانية كييف من حكامها الحاليين، وإجبار الأوكرانيين على إلقاء السلاح والاستسلام

واتضح خلال مجريات الغزو أن هناك مظاهر بارزة عن سطوة المؤسسة الأمنية الروسية، وهيمنة حالة من الخوف الذي يصل حتى تقديس بوتين وترديد كل ما يقوله، وهذا وضع لا مثيل له سوى خلال حكم جوزيف ستالين، ما يعني أن روسيا ستعاني من تداعيات سلبية على وضعها دوليا، رغم أن الموقف الدولي لا يرقى إلى مستوى العدوان، ولكنه مؤثر في اتجاهين. يساعد في شد إزر الأوكرانيين ورفع معنوياتهم. وفضح الغزو الروسي الذي يحظى بمعارضة داخلية روسية.

هدف العملية العسكرية هو "تحرير" العاصمة الأوكرانية كييف من حكامها الحاليين، وإجبار الأوكرانيين على إلقاء السلاح والاستسلام، وبعدها يقرر الرئيس بوتين طريقة التعامل معهم. وهذا ما يلخص المواجهة ويضع الأوكرانيين أمام حرب الاستقلال الفعلي، والتي ستكون دامية، وربما اتسعت نحو أجزاء أخرى من المحيط الجغرافي نحو دول البلطيق وبولونيا. ويعتمد بوتين على انكفاء أميركي وضعف أوروبي، إلا أن الحس الوطني في أوكرانيا كفيل بإسقاط المشروع الروسي الاستعماري.