icon
التغطية الحية

بشارة: إسرائيل تسعى لتسليم إدارة غزة إلى أطراف فلسطينية مدعومة من دول التطبيع

2024.02.26 | 05:39 دمشق

آخر تحديث: 26.02.2024 | 07:12 دمشق

المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة
المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة
 تلفزيون سوريا - إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

قال المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، إن إسرائيل تسعى للتعامل مع أطراف محلية في غزة مدعومة من دول التطبيع لتمثل الإدارة المقبلة للقطاع.

ونبه الدكتور بشارة في حوار خاص مع "التلفزيون العربي"، إلى أنّ غياب قيادة فلسطينية موحدة من شأنه إنجاح خطة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لإدارة غزة، التي قدمها رسمياً الأسبوع الماضي في إطار مشروعه لـ"اليوم التالي" للحرب.

وأضاف أنّ وجود قيادة وطنية فلسطينية موحدة لا تقبل إلا بالحل العادل سيفشل المخطط الإسرائيلي لما بعد الحرب.

لكنه أشار إلى أنّ الفلسطينيين قادرون على منع هذا السيناريو، داعياً في هذا السياق إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة تشكل مرجعية سياسية لأي حكومة مقبلة، "وإلا ستمرّ المؤامرة".

وأوضح أنّ حركة "حماس" لن تشارك في حكومة في ظل الاحتلال، ولكنّها تشارك في قيادة وطنية فلسطينية من نوع منظمة التحرير أو في إطار منظمة التحرير، مع حكومة تكنوقراط توافقية تدير الضفة وقطاع غزة تحت سقفها.

الضغط الأميركي دفع إسرائيل للموافقة على أمور كانت ترفضها

وعلق بشارة على أجواء التفاؤل باقتراب صفقة تبادل الأسرى، مشيراً إلى أنّ الضغط الأميركي دفع إسرائيل على ما يبدو إلى الموافقة على أمور كانت ترفضها سابقاً.

ولفت إلى أنّ مباحثات صفقة التبادل تركز على عدد الأسرى وعودة النازحين إلى شمالي قطاع غزة، معتبراً أنّ هذه المباحثات تجري الآن على أساس مقترح أميركي وهو ما يشكل ضغطاً على إسرائيل.

مع ذلك، رأى بشارة أنّه لا يوجد ضغط أميركي حقيقي على إسرائيل، ملاحظاً أنّ المواقف العربية لا تدفع واشنطن إلى ذلك.

وشدّد على أنّه لا يوجد أي شيء يمكن أن يبرر ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، لافتًا إلى أنّ إسرائيل تستخدم أسلحة تكاد تكون غير مسبوقة في حربها على قطاع غزة، من بينها سلاح التجويع ضد الفلسطينيين.

وأشار إلى أنّ عملية طوفان الأقصى ضربت المخططات الإسرائيلية لتهميش القضية الفلسطينية، ورأى أنّ من يرفض فكرة المقاومة الفلسطينية من الأساس لا يحق له أن يناقش جدوى عملية طوفان الأقصى.

خطة نتنياهو لليوم التالي

وقال الدكتور بشارة، إنه إذا بقي الوضع كما هو عليه الآن فلسطينياً لناحية غياب قيادة فلسطينية موحدة تضم المقاومة وفصائلها، ولا تقبل إلا بحلّ عادل للقضية الفلسطينية، "سيكون هناك احتمال لتحقق" خطة نتنياهو بفعل استنزاف المجتمع الفلسطيني وتجهيزه لقبول مثل هذه المؤامرة.

من هنا توقع بشارة أن يرتبط مصير هذه الخطة بوعي الفلسطينيين بما يحاك لهم، لا برفض واشنطن للخطة أو موافقتها عليها، ذلك أن نتنياهو لا يهمه كثيراً موقف واشنطن من مشروعه لـ"اليوم التالي" للحرب، لأنه فهم أن دعم واشنطن غير مشروط لإسرائيل، ولأنه أدرك أيضاً أنه لا توجد أي بوادر لأي ضغط أميركي حقيقي عليه.

وتابع بشارة قائلاً إن نتنياهو "معنيّ بسقوط الرئيس الأميركي (جو بايدن) وفوز الرئيس السابق (دونالد ترامب)، فلماذا سيعطي بايدن هدية سياسية؟".

ورجّح بشارة ألّا تقبل واشنطن لفظياً خطة نتنياهو، لكنه يسير في محاولة تطبيقها على أرض الواقع، من هنا فإن عدم قبولها للخطة من دون قيمة كبيرة، وفق رأي المفكر العربي. وأشار إلى أن خطة رئيس حكومة الاحتلال لإدارة غزة تشمل مساعدةً من دول التطبيع العربي، وقد تقوم على تشغيل مسؤولين سابقين في السلطة وفي جهاز الأمن الوقائي.

وذكّر في هذا السياق بأنه عشية عملية "طوفان الأقصى"، كانت التحالفات العربية الإسرائيلية قد تجاوزت التنسيق الأمني لتصل إلى تصورات مشتركة بين الطرفين للمنطقة كلها، ليخلص إلى أنّ الضرب الإسرائيلي الوحشي اليوم في القطاع هدفه إعادة ما كان يُرتّب قبل 7  تشرين الأول، وهذا يتطلب تسويات معينة لتكون الضفة وقطاع غزة مضبوطين أمنياً.

وفي السياق، أكد بشارة أنّ هناك دولاً عربية جاهزة للتفاعل مع خطة نتنياهو، وهناك ذرف عربي تطبيعي لدموع التماسيح على الفلسطينيين، على حدّ تعبيره، مع تحميل دائم لمسؤولية الإبادة لحركة "حماس" بدل الاحتلال، "بينما هم (بعض الدول العربية) يمنعون كتابة تدوينة تضامنية مع فلسطين، ويسجنون من يعلن تضامنه مع غزة".

طريقان لإدارة غزة

وفي إطار متصل، تحدث مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عن طريقين اثنين لإشراك حركة حماس في إدارة غزة، إما أن يحصل ذلك في ظل الاحتلال "إذا انحنت الحركة للريح"، وحينها قد يستغلها طرف فلسطيني لفترة زمنية لنيل شرعية، ثم يغدر بها ليتخلص منها. والاحتمال الثاني أن تتشكل قيادة فلسطينية موحدة في إطار منظمة التحرير أو غيرها، وتتشكل حكومة تكنوقراط لإدارة قطاع غزة.

وكشف عن أنّ اقتراحات من النوع الثاني وصلت إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي لم يردّ عليها. وحذّر في هذه الغضون من أنّ انتظار السلطة الفلسطينية الفرصة لتستلم الحكم في غزة "وهم خطير".

دوافع صحيحة وحسابات خاطئة

وفي ما يتعلق بالنقاش المستمر، الذي تحييه مظاهر غضب تظهر في قطاع غزة أحياناً ضد حركة حماس وضد عملية "طوفان الأقصى" نفسها، اعتبر بشارة أنّ الأمر يتعلق بمن يطرح الموضوع، فإن كان لا يشكك بمبدأ حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال يكون حينها نقاش جدوى عملية طوفان الأقصى طبيعياً ومطروحاً حول الأساليب وجدواها، وما هي أفضل أدوات النضال، وهو نقاش موجود، على حد تعبيره. لكنه يستدرك بأن طيفاً واسعاً ممن يحمّلون المقاومة مسؤولية الحرب اليوم هم في الأساس ضد المقاومة ويتجاهلون كل السياق التاريخي والسياسي الذي أوصل إلى عملية طوفان الأقصى.

وذكّر في هذا السياق بأنّ المقاومة أبلغت الأطراف المعنية تحذيراتها من استمرار التهويد واستباحة المسجد الأقصى والاستيطان واضطهاد الأسرى والحصار والاحتلال، من دون أن يردّ أحد على تحذيراتها. وشبّه من يحمّل المقاومة اليوم مسؤولية إبادة الفلسطينيين في غزة بتحميل من قام بالثورة السورية مسؤولية المجازر التي ارتكبها النظام السوري بحقهم. وخلص في ما يتصل بهذا الموضوع إلى الإشارة إلى وجود محاولة سياسية بدعم من أطراف خارجية لتحويل الغضب في غزة إلى انتقام من المقاومة بدل تحميل الاحتلال مسؤولية ما يحصل.

في المقابل، لفت إلى أنّ عملية طوفان الأقصى "دوافعها كانت صحيحة، لكن حساباتها كانت خاطئة". وكرر رأيه بأن المقاومة في السنوات الأخيرة في غزة استعدت عسكرياً للدفاع بشكل مدهش، مرجحاً أن يكون القيّمون عليها قد بدؤوا يتحسبون للأسوأ وللبقاء كحركة على قيد الحياة ولبقاء القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنّ الأصل ليس التفكير فقط في كيف تبقى القضية حية، بل كيف تُحل القضية بشكل عادل، وهذا سلوك خطت "حماس" خطوات في سبيل تبنيه، على حدّ تعبير المفكر العربي.

مفاوضات باريس

ورداً على سؤال عن حصول تقدّم في مفاوضات باريس لإبرام اتفاق هدنة وتبادل أسرى بين المقاومة والاحتلال، بوساطة قطرية ــ مصرية، ومشاركة أميركية فاعلة، أجاب بشارة، بأنّه من الممكن أن يكون قد حصل تقدّم فعلاً، "لأن إسرائيل تراجعت عن بعض ما تراجعت عنه في اجتماعات باريس 1" (في 28 كانون الثاني الماضي)، وذلك بضغط أميركي، حتى إن "الورقة التي ذهبت إلى إسرائيل أصبحت أميركية". ومن بين ما سحبت تل أبيب في حينه موافقتها عليه في الجولة الأولى من مفاوضات باريس قبل نحو شهر، السماح للغزيين بالتنقل بين الشمال والجنوب، وكل ما يتعلق بوقف استباحة المسجد الأقصى، وعدد أيام الهدنة (نحو 45 في مرحلتها الأولى)، ووقف إطلاق النار، وعدد الأسرى الذين سيطلق سراحهم، وإعادة تموضع جيش الاحتلال للسماح بعودة الناس إلى مناطق سكنهم.

وشدد بشارة على أنّ اليوم "ربما تحت ضغط أميركي، عادت إسرائيل لتوافق على أمور تتعلق بعدد الأسرى وبتنقل الغزيين بين الشمال والجنوب"، والآن يجري التواصل مع حماس بما أنها غير موجودة في مفاوضات باريس أو الدوحة أو القاهرة.

وكشف بشارة عن أنّ الموضوعين الرئيسيين اللذين يحتاجان لنقاش تفصيلي حالياً، هما كيفية تنقل أهل غزة بين الشمال والجنوب وتفاصيل تموضع جيش الاحتلال خلال أسابيع الهدنة، وثانياً عدد الأسرى الإسرائيليين الذين سيطلق سراحهم وأسماؤهم وكم أسيراً فلسطينياً يطلق سراحهم مقابل كل رهينة إسرائيلية، فضلاً عن "نوع" تهم الأسرى الفلسطينيين والأحكام الصادرة بحقهم.

وشرح التراجع الإسرائيلي سابقاً عن اتفاق باريس الذي شاركت دولة الاحتلال في صياغته بأنه حصل لحسم حرب خان يونس، ولكي تكون الهدنة في مرحلتها الأولى خلال شهر رمضان تحديداً، نظراً لإدراكهم أنّ لهذا الشهر حساسية خاصة لا تقتصر على قطاع غزة.

وأعرب بشارة عن خشيته من أن تكتفي إسرائيل بالمرحلة الأولى من الاتفاق (الذي يشمل هدنة لستة أسابيع تقريباً وإفراجاً ربما عن 40 أسيراً إسرائيلياً مدنياً مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين)، نتيجة رفضها الحاسم لوقف إطلاق النار. وأردف قائلاً إن الأميركيين يستخدمون التكتيك "المتفائل" في سبيل الضغط من أجل السير بالمرحلة الأولى، ثم المضيّ بمرحلتين ثانية وثالثة من دون أي ضمانات ولا وعد بوقف الحرب، على قاعدة أنه سيكون من الصعب العودة إلى الحرب بعد توقفها لفترة طويلة.

ووصف بشارة هذا المنطق بأنه "يشبه كلام محللين لا دول عظمى"، لأن أميركا غير مستعدة لممارسة أي ضغط على إسرائيل. ورجح أن تكون هناك ضمانات أميركية تتعلق فقط بالبنود التي سيجري الاتفاق عليها (أي بالمرحلة الأولى الخاصة بتموضع جيش الاحتلال وبهدنة الأسابيع الستة وإدخال مساعدات وتبادل الأسرى...). وعزا التفاؤل الذي ساد إعلامياً في اليومين الماضيين حول مفاوضات باريس إلى أنه إسرائيلي ــ أميركي المصدر، بهدف إحراج الطرف الآخر (حماس) وتصويره كأنه هو سبب فشل الاتفاق.

وعن توقّعه حيال ردّ "حماس" على مشروع الاتفاق الجديد، رجّح مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" أن تؤدي معاناة الناس التي وصلت إلى المجاعة وضرب معنوياتهم الدور الأساسي في إبرام الاتفاق من عدمه. وتوقف بشارة عند هذه النقطة بالتفصيل، لافتاً إلى أنّ لدى المقاومة الفلسطينية هموماً تتعلق بالحاضنة الاجتماعية في قطاع غزة، وقال إنه "لو سُمح بموجب نصّ الاتفاق الجديد للناس بالعودة إلى الشمال وإعادة تموضع جيش الاحتلال، أغلب الظن أن تبدي المقاومة مرونة تجاه الاتفاق".

اجتياح رفح

وبشأن ما يتعلق بإصرار الاحتلال على اجتياح رفح، بدا بشارة واثقاً بأن ذلك سيحصل، بدليل ما تقوله إسرائيل عن أن الهدنة مهما كانت فترتها، تؤجل عملية رفح ولا تلغيها، وأن الحرب يجب أن تستمر إلى أن تحقق أهدافها، وهو ما تدركه المقاومة. وبالنسبة إلى تل أبيب، الحرب لم تحقق غاياتها بعد، وهي إنهاء القدرة العسكرية لحركة حماس، وفرض إدارة محلية على غزة بإشراف إسرائيلي، وختم رده بأنه "لا يمكن أن توقف إسرائيل الحرب طالما أن لا ضغط عربياً ولا أميركياً حقيقياً" لوقفها.

وبرأي بشارة، الاجتياح سيحصل، وتابع بأن الإسرائيليين يقولون اليوم إنهم لن يدخلوا رفح قبل إبلاغ مصر بذلك، وكأنهم يكررون ذلك إلى أن يجعلوا المصريين يتعوّدون الفكرة، و"لم نسمع أي موقف مصري واضح بأنه ممنوع اجتياح رفح"، وفق كلامه. وأبدى المفكر العربي قناعته بأنّ احتمال السماح بعودة بعض السكان إلى شمالي غزة يتعلق على الأرجح بتقليل عدد المقيمين في رفح لتهيئة الأوضاع التي تسمح بمهاجمتها.