بروفا الانتخابات الرئاسية اللبنانية خادعة

2022.10.04 | 05:54 دمشق

بروفا الانتخابات الرئاسية اللبنانية خادعة
+A
حجم الخط
-A

بعد دعوة خاطفة من رئيس مجلس النواب نبيه بري اجتمع المجلس بنصاب شبه مكتمل لينتخب رئيسا للجمهورية في المهلة القانونية. إلا أن الواقع اللبناني أعقد من ذلك فالجلسة كانت محسومة سلفا. فأولها سيكون المجلس مكتمل النصاب وبعدها سيفقده ليتأجل البحث بموضوع الرئاسة حتى إشعار آخر أو حتى التوافق كما أعرب عن ذلك الرئيس بري في نهاية الجلسة وقبل انطلاقتها.

على الرغم من ذلك فالرسائل التي حملها اللقاء كانت كثيرة بالنظر إلى اقتراع الكتل المختلفة وما وراءها.

حضر الجميع تقريبا لإدراكه بأن الجلسة لن تنتج رئيسا فلا خوف من تأمين النصاب، كما غاب البعض للسبب نفسه لكون حضوره لن يغير في المعادلة شيئا فلا داعي لقطع السفر والعودة على جناح السرعة.

يؤثر الحزب هذه المرة التمهل وعدم الانغماس باسم محدد ولو كان فرنجية، ما يبقي أمامه الباب مفتوحا على كافة الاحتمالات بما في ذلك تغيير الاسم

في العمق، آثر الثنائي الشيعي أمل وحزب الله وتوابعهما عدم الزج باسم سليمان فرنجية بالمعركة لعدم إحراقه في معركة "صوتية" وتركه للجلسات الحقيقية إن كانت الظروف ملائمة. إضافة إلى أنه لم يقترع أحد فرنجية بما في ذلك ابنه النائب طوني لعدم إظهار الفريق مشتتا لكون حزب الله لم يستطع لحد الساعة رأب الصدع بين فرنجية وباسيل مرشحي الرئاسة ومن الواضح أن الأمر لن يكون سهلا أبدا فآثر الحزب عدم كشف عورة فريقه والاتجاه نحو الورقة البيضاء.

سبب إضافي للخيار نفسه هو أن الحزب لم يشأ تكرار سيناريو عون عندما طرحه علنيا منذ البداية ولم يستطع التراجع عنه فيما بعد. يؤثر الحزب هذه المرة التمهل وعدم الانغماس باسم محدد ولو كان فرنجية، ما يبقي أمامه الباب مفتوحا على كافة الاحتمالات بما في ذلك تغيير الاسم من ذات الفريق أو الاتفاق مع الفريق المقابل على اسم آخر في حال حصلت تسوية ما كما يريد الرئيس بري وكما هو متوقع في نهاية المطاف.

إضافة إلى ذلك، بالاقتراع بالورقة البيضاء يمكن للحزب أن يجمع أكبر عدد من الأصوات وإن قصد البعض غير ما قصد الحزب منها. فنواب مستقلون ككتلة نواب صيدا-جزين اقترعوا بالورقة البيضاء دون هدف دعم توجه الحزب وأتباعه. إلا أن الناظر في المحصلة سيرى بأن الورقة البيضاء التي دعا الحزب لاختيارها نالت 63 صوتا ليروج الحزب بأنه بمقدوره حشد أكثر من 60 صوتا كما يفعل في كل انتخابات داخلية في هذا المجلس الجديد!

إذا، فاختيار الحزب للورقة البيضاء كان خيارا دقيقا في هذه الجلسة وحقق له أهدافا رمزية متعددة وأخفى تصدع الجبهة قدر المستطاع وأظهر حجما معتبرا ولو مغلوطا. ولكن لن يكون الحزب قادرا على فعل ذلك في المستقبل ولا يعني ذلك أبدا بأن الحزب متحكم برأي 63 نائبا.

على الجبهة المقابلة، فقد توحد اقتراع القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب اللبنانية وبعض المستقلين المعادين لحزب الله على اسم النائب ميشال رنيه معوض. بالصورة الكلية فتوحد حزب الكتائب مع القوات اللبنانية وترك التغييريين مؤشر على تغيير في مسار الكتائب السياسي وتراجع نفوذ سامي داخل الحزب لصالح نديم بشير الجميل المؤيد للتحالف مع القوات، وذلك بعد حضور نديم والنائب سليم الصايغ احتفال القوات في ذكرى المقاومة اللبنانية ممثلين الكتائب وهي تعد سابقة.

إضافة لذلك ففي الأمر لمسة إقليمية فالكتائب أدركت بأن لعبة لبنان أكبر من الشارع وبأن الانتخابات الشعبية بعيدة ويمكن اللعب اليوم على كسب ود الخليج عامة والسعودية خاصة والابتعاد عن الشعوبية من خلال التركيز على الحسبة السياسية الداخلية والخارجية.

أما القوات اللبنانية فأرادت بخيار معوض إرسال رسائل متعددة أولها بأننا نأخذ الاستحقاق بجدية ونطرح اسما جديا تتوفر فيه المواصفات التي يريدها الخليج والقوات. إضافة فمعوض ابن زغرتا مسقط رأس فرنجية ومكان زعامته وفي ترشيحه "زكزكة" لفرنجية. ثالثا، أرسلت القوات رسالة للشارع المسيحي والداعم العربي بأن القوات لا تهتم بالأشخاص بل بالمشروع لكونها دعمت معوض المنافس على الساحة المسيحية الشمالية فهي تعطي صورة المتعالي عن الحزبية في سبيل المصلحة العليا وهو أمر صعوبته معروفة لدى القادة الموارنة، وهو ما تفشل جبهة حزب الله في الوصول إليه حتى الساعة.

أما تصويت الحزب التقدمي الاشتراكي مع القوات والكتائب فلا يعني بأنه مستدام بل هو ورقة ضغط لتحسين الشروط في أي مفاوضات مع أي طرف كان، ناهيك عن استمالة الداعم الإقليمي في معركة وهمية. من المعروف عن الاشتراكي بأنه لا يملك مشكلة لا مع الثنائي الشيعي ولا مع القوات، وهو يدرس كل استحقاق على حدة فمن الممكن جدا أن يعدل المسار بحسب تغير الظروف. إذا، كجبهة حزب الله لا يمكن التعويل بأن هناك جبهة مقابلة تشكلت تنطلق من 40 صوتا تقريبا.

أما التغييريون فأخفوا انقسامهم فقد كانت المفاوضات الداخلية بينهم عاصفة لاختيار الاسم وكان توجه الغالبية باتجاه توحيد المعارضة خلف معوض وكان هذا الطرح بقيادة مارك ضو دون الوصول لاتفاق نهائي جامع إلا أن تدخل السفارة الفرنسية عدل الكفة في سبيل توحيدهم حول اسم فرنسي لا يعرفه غالبيتهم.

حتى اللحظة وفي كل الاستحقاقات تقف السعودية موقف الحاضر دون تدخل حيث تؤكد المعلومات بأنها تتريث حتى المعركة الحقيقية

أما النواب السنة فكانوا الحلقة الأكثر غرابة فبعد اجتماع دار الفتوى والسفير السعودي توقع البعض أن تتوحد جهودهم مع المعارضة وبالتالي التصويت لمعوض في هذه الدورة، إلا أنهم أظهروا تمايزا عنهم وهو ما يؤشر إلى أن التدخل السعودي في هذه الانتخابات لم يكن تفصيليا بل كان في جو عام لم يرق لحد الضغط على السنة لانتخاب مرشح بعينه. حتى اللحظة وفي كل الاستحقاقات تقف السعودية موقف الحاضر دون تدخل حيث تؤكد المعلومات بأنها تتريث حتى المعركة الحقيقية. ولكن الانتخابات التي جرت ضربت اجتماعات دار الفتوى والسفير السعودي عرض الحائط وكأنه لا تأثير لها فكل نائب سني ذهب في اتجاه مختلف عن الآخر فيما يتبادر للمتابعين سؤال عن إمكانية المرجعيتين في التأثير على الاستحقاقات المقبلة بالأرقام وخاصة على النواب السنة.

في المحصلة وإن بدا المشهد العام بأن جبهتين تشكلتا في الاستحقاق الرئاسي إلا أن الحقيقة بعد التدقيق توضح بأن الموضوع أعقد من ذلك وبأنه لا جبهات ثابتة بل كتل صغيرة ومتوسطة متحركة حسب الظرف والحاجة. عليه، يجب إعادة النظر في الأرقام قبيل أي استحقاق بحسب المعطيات اللحظة.