بثينة شعبان وفنانة الهرم

2020.12.02 | 23:44 دمشق

unnamed.jpg
+A
حجم الخط
-A

من طرائف أيامنا، وربما من مآسيها، أننا لم نعد نستطيع التفريق، بين الطغاة المستجدين، والآخرين الذين بلغوا في تغولهم على شعوبهم شأوا بعيد المدى! فأفعال أولئك لم تعد تتميز عن أفعال هؤلاء، كما أننا لم نعد نعرف ما الذي علينا فعله أمام "إفيهات" وتصريحات مهرجيهم، الذين يلبسون وجوهاً عديدة، كوجه الممثل، والشاعر، والموسيقي، والراقصة، وغيرهم! 

كما أننا نحتار بما يجب علينا أن نبديه من مشاعر أو مواقف أيضاً أمام مفكري وفلاسفة هذا الحاكم أو ذاك، بعد أن وقف الاثنان أي المهرج والمفكر على ذات الأرضية؛ المهرج يريد أن يرفه الجماهير فيرسل النكات والطُرف، والمفكر يريد بدوره أن يشد من عضد نظامه عبر رفع مستوى الشعور بالعزة والفخر لدى الجماهير، فيلقي بالحكم والأمثولات التاريخية! لكن الفئات التي تتلقى كلا النتاجين، لا تضحك، كما أن أزرها ومعنوياتها مازالا يهبطان نحو الأسفل كل مرة، وهي تعيش الانهيارات كلها دفعة واحدة، ببكاء له طعم الضحك، والعكس صحيح! 

يوميات الأنظمة العربية وحدها ودون تدخل من أحد، تكفي لكي يقهقه المرء مطولاً كل يوم، فنحن نضحك على اعتقال الأمن المصري لعارضة أزياء مصرية تصورت أمام الأهرامات، فاتهمت بإهانة "الحضارة المصرية"! 

المهرج يريد أن يرفه الجماهير فيرسل النكات والطُرف، والمفكر يريد بدوره أن يشد من عضد نظامه عبر رفع مستوى الشعور بالعزة والفخر لدى الجماهير

كما نضحك على مقالة لبثينة شعبان عنونتها بسؤال "لماذا لم يتعلّم العرب من تاريخهم؟" واختتمتها بكلام يقيني، تقول فيه: "لم يعد حاملو السلاح قادرين على تغيير وجه التاريخ"! 

شعبان التي تصفها قناة الميادين التي تنشر لها مقالاتها بأنها "مفكرة عربية"!! تبدو غير مدركة أن كلامها السابق يمكننا أن نستخدمه ضدها وضد النظام الذي أفنت حياتها في خدمته، حتى وصلت إلى مرحلة الهذيان، فادعت ذات مرة أن أطفال الغوطة الذين قتلهم كيماوي الأسد هم أطفال مختطفون من الساحل السوري! وكان من أواخر ما هذت به ادعاؤها أن الوضع الاقتصادي السوري -وقد شارف السوريون على المجاعة- هو أفضل من وضعه في 2011 بخمسين مرة!

لقد كان عليها أن تنتبه إلى أن فكرتها اليقينية المذكورة أعلاه، سبق وأن قيلت قبل عشر سنوات، حينما اندلعت التظاهرات في تونس، فأدرك حاملو السلاح (الجيش التونسي)، أنهم لن يستطيعوا تغيير إرادة الشعب الذي أراد تغيير تاريخه، فانتصروا له!

لكن شعبان التي ما برحت منفصلة عن الواقع، ليس لديها مشكلة في أن تلقي الكلام على عواهنه، كما أنه ليس لدى قناة الميادين أي شعور بالخجل، لا من نشرها لتخرصات شعبان بشكل دوري، ولا لتسميتها بالمفكرة العربية!

وجود الخجل أو غيابه لدى المهرجين والمفكرين على حد سواء، يؤشر إلى طبيعة الزمن المعاش راهناً، وربما يمكننا اعتبار أن انعدام الخجل وليس غيابه فقط بات أبرز ملامح هذه المرحلة، لقد تم قمع حواسنا ومداركنا كي لا نلحظ وعبر استخدام معيارنا المستجد هذا فإن ثمة فرق كبير بين المرحلتين، وأقصد مرحلة الأنظمة المستبدة التي تم دحرها منذ أن حلت ثورات الربيع العربي، وبين تلك التي جاءت بها الثورات المضادة، وبما فيها النظام السوري الذي استعصى على التغيير، وأوغل في دم السوريين، فلم يعد صالحاً نسبه إلى هذه الفئة دون الأخرى! نحن نعقد المقارنات دون إرادتنا، بين مرحلة كان فيها الخجل قليلٌ ولكنه يؤثر، وبين مرحلة لم يعد فيها ثمة حاجة لوجوده أصلاً!

يختفي الخجل في مصر، عبر التصريح بأن سبب اعتقال العارضة المصرية هو تهديدها لأخلاق المجتمع المسلم، وعلى يد نظام ادعى أن أحد أسباب قيامه بالانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي هو أنه واجهة لجماعة الإخوان المسلمين التي "حاول أفرادها أسلمة الدولة والمجتمع وقمع الثقافة والفن"!

كما يختفي الخجل من أفعال أولئك الذين تقاطروا إلى توقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، بعد أن اعتبروا ولسنوات طويلة أن ثورات الشعوب هي مؤامرات إسرائيلية على الأوطان!

وبالتأكيد يختفي الخجل في سوريا، في سياق كامل من ممارسات النظام، إذ يدعي رأسه أنه لا يعرف كم هي المبالغ المالية التي فقدها السوريون في البنوك اللبنانية! ويذهب بعض شعرائه إلى منزل الشاعر الراحل نزار قباني لكي يحيوا جلسة "لطم شعري" لرثاء مجرم إيران النووي القتيل فخري زاده! 

وينشر مؤيدوه صوراً لأسلحة أوتوماتيكية ترمي آلاف الطلقات احتفالاً بخروج سليمان هلال الأسد من سجنه، وهو المتهم بقتل ضابط في الجيش السوري، لتزيد من خوف ورعب سكان اللاذقية، بعد أن شهدوا جميعهم على فعلته، قبل عدة سنوات!

كان ومازال من المطلوب منا أن نتكمم بإرادتنا كي لا يصيبنا فيروس كوفيد 19، ولكن الكمامات على وجوه المهرجين والمفكرين وكذلك الحكام، لا تمنعنا من تكهن كم تخفي وجوههم وعقولهم وطبعا قلوبهم من قباحات، كانت ومازالت أوبئة تضرب الشعوب، فلا تبقي ولا تذر!

كلمات مفتاحية