icon
التغطية الحية

"المونة" في سوريا لمواجهة التغير المناخي والتغلب على الجوع

2022.08.19 | 06:30 دمشق

المونة
تعتمد المونة السورية على تخزين الطعام والحفاظ عليه للاستهلاك على مدار العام ـ إنترنت
إدلب ـ حباء شحادة
+A
حجم الخط
-A

لم يعد التغير المناخي فرضية نسمع بها على الفضائيات أو بين صفحات الكتب، بل أصبح واقعاً نضطر لمواجهته كل يوم، ومستقبلاً علينا الاستعداد للتعامل معه. قد لا يكون من العدل أن نراجع سلوكياتنا في بلد صغير المساحة كسوريا لنبحث عن أسباب ذلك التغير، لكن الواقع أننا إن فعلنا سنجد كثيرا من الممارسات الشعبية السلبية التي أسهمت في إيذاء الطبيعة، وبالمقابل العديد من الممارسات التقليدية الإيجابية، والتي قد يكون من أهمها "المونة".

تعاملنا الخاطئ مع موارد الطبيعة أوصلنا لما نحن فيه اليوم من مناخ متطرف، شديد الحرارة أو البرودة، مع عواصف قوية، وجفاف واحتباس للأمطار، وفي حين قد يصعب علينا فهم دور الفرد فيما يمر به الكوكب، لكن خياراتنا الشخصية لها انعكاس مباشر على الأرض.

في حين يعاني 690 مليون شخص حول العالم من الجوع، ولا يستطيع ثلاثة مليارات شخص الحصول على وجبات يومية صحية، يهدر ثلث الطعام المنتج حول العالم، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وهو ما يؤدي لإفراز 8 إلى 10% من الغازات الدفيئة التي تزيد من تسارع التغير المناخي عالمياً.

"المونة" السورية.. تخزين الطعام من دون هدر

تعتمد "المونة" السورية على استخدام كل ما في الموارد الطبيعية لتخزين الطعام والحفاظ عليه للاستهلاك على مدار العام، وحتى لأعوام عدة دون مواد حافظة مصنعة وبلا هدر.

إهدار الطعام يعني إهدار الأرض الزراعية والماء والطاقة والآلات والموارد التي استخدمت في إنتاجه، ما يؤثر على خصوبة التربة والتنوع الحيوي ويزيد من التلوث ويضر البيئة ككل، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).

وفي حين يقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) أن 61% من هدر الطعام يحصل ضمن البيوت، ترى ربة المنزل سميرة، من قرية الشغور، في ريف إدلب الغربي، أن "المونة" السورية لا هدر فيها.

يعتمد إعداد "المونة" على مواسم وفرة المواد والمحاصيل الزراعية، التي يعالج كلٌ منها لحفظه بطرق طبيعية، مثل استخدام حرارة الشمس وأشعتها لحفظ أوراق الملوخية والفاصولياء واللوبياء والبامية والبندورة والباذنجان والفليفلة والتين والمشمش، وحتى البرغل المنقوع باللبن الذي يتم تحويله إلى "كشكة"، واللبن المجفف "الجميد"، وغيرها من الأصناف.

وضغط وتصفية الجبن والدوبيركة والشنكليش، وطبخ دبس البندورة والعنب والرمان، واستخدام السكر وأشعة الشمس الحارة أو النار لطهو مربيات الفاكهة، وتحضير أنواع المخللات المختلفة من الخضار الطازجة بعد تنظيفها وإضافة الخل لحفظها، إضافة إلى استخدام زيت الزيتون لحفظ أصناف اللبنة والمكدوس المحضر من الباذنجان والفليفلة والجوز.

"أتناول الآن المكدوس الذي أعددته العام الماضي وطعمه ما زال وكأنه جُهز اليوم"، قالت سميرة لموقع تلفزيون سوريا مضيفة، "نحن نحضر كل شيء، وكما يقال احفظ النعمة رب العظيم بيحفظك".

تقدر الأمم المتحدة حصول هدر الطعام لأسباب عدة تتعلق بعملية الإنتاج والنقل والتخزين والتصنيع وحتى البيع والاستهلاك، وتشير إلى أن انتهاء صلاحية المواد وسوء حفظها داخل البيوت والتخطيط الملائم لاستخدامها من أبرز العادات الاستهلاكية السلبية التي تقود للهدر، وحتى التي تعرضت لخطر الإصابة بالأمراض، والتي ينسب 600 مليون حالة منها إلى الأغذية غير السليمة سنوياً.

رغداء، المقيمة في محافظة إدلب بعد تهجيرها من حمص، تجد أن "المونة" سهلة الحفظ والتحضير وتستفيد من المواسم الزراعية لتأمين حاجيات المنزل، "ومتى ما أردت تجدين كل ما يلزم البيت"، بمنتجات عالية الجودة والنظافة والأمان أكثر من أي منتجات مخزنة عن طريق التبريد والتي تشترى من المحال بكميات بسيطة.

مخيمات النازحين محرومة من "المونة"

رغداء أشارت إلى وجود "فكرة خاطئة" لدى السكان في شمال غربي سوريا بأن "المونة" تحتاج للمال الكثير، فهي برأيها أفضل للجيب ولا تحتاج سوى لإدارة واعية لضمان تأمين كل المستلزمات في وقت الوفرة بأسعار مناسبة.

سميرة من قرية الشغور بدورها قالت إن الغلاء أثر على بقية السكان في المنطقة، إذ لم تعد الأسر تعد أصناف كامل "المونة" أو حتى كامل الكمية التي تكفي العائلة خلال العام.

تقيم زبيدة مع عائلتها في مخيم بمنطقة شيخ بحر في ريف إدلب الشمالي، ورغم اتفاقها مع الآراء السابقة على أهمية "المونة" ومزاياها، أوضحت لموقع تلفزيون سوريا أن إعداد "المونة" ليس خياراً متاحاً للنازحين، وقالت: "الدعم قليل والرجال لا يجدون عملاً".

حينما حاولت زبيدة شراء مستلزمات المكدوس تفاجأت بالأسعار المرتفعة للمواد، حتى إن حاولت الاستعاضة عن المواد مرتفعة الثمن بأدنى الأنواع الممكنة، وبحسب قولها تزداد الأسعار ارتفاعاً يوماً بعد آخر.

اقرأ أيضا: بعد غياب الكهرباء وارتفاع الأسعار.. سوريات يكتشفن طرقاً جديدة للمونة      

حسب تجربة زبيدة فإن شراء لوازم الفطور والطعام بكميات قليلة ليس أمراً مجدياً اقتصادياً، فهذا يؤدي لضرورة استهلاكها بسرعة قبل أن تفسد والحاجة لشراء المزيد يومياً، فـ"المونة" تساعد على التوفير واستخدام الحاجة فقط، كما أنها تتيح القدرة على تقديم الطعام للضيوف بأريحية حينما يأتون فجأة بينما لا تستطيع القيام بهذا مع شراء كميات بسيطة لا تكاد تكفي لإطعام الأسرة.

خصصت الأمم المتحدة ثلاثة أيام دولية خلال العام للتوعية بأهمية الغذاء والإدارة السليمة للطعام، هي "يوم لسلامة الأغذية"، في 7 من حزيران، و"يوم فن الطبخ المستدام"، في 18 من حزيران، وهو المختص بتشجيع المطبخ المحلي الذي لا يهدر موارد الطبيعة، و"اليوم الدولي للتوعية بالفاقد والمهدر من الأغذية"، في 29 من أيلول.

ولكن رغم تلك الجهود المبذولة للتوعية بأهمية تغيير العادات الاستهلاكية حول العالم، لحفظ الموارد البيئية وتقليل مخاطر الإصابات بالأمراض ولتقليل الهدر ما أمكن، إلا أن ذلك لا ينعكس على أسلوب المساعدات التي يتلقاها النازحون في سوريا عن طريقها بأسلوب الحصص الغذائية الشهرية أو الأسبوعية أو حتى اليومية ، والتي بدورها تقلصت مرات عدة خلال الأعوام السابقة مع تبرير ذلك بنقص الدعم وتضخم الاحتياجات.

من أصل 4.5 ملايين شخص يعيشون في شمال غربي سوريا، 3.1 ملايين شخص فاقدون للأمن الغذائي، بينهم 1.8 مليون يقيمون في المخيمات، ووصلت نسب سوء التغذية والتقزم بين الأطفال إلى 24.5%، و12.4% بين النساء الحوامل والمرضعات، وفقاً لتقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، وهذا ما يجعل إيجاد الحلول المستدامة لتوفير الطعام أمراً ضرورياً تحتاجه كل العائلات.