المخابرات الجوية الذراع الطويلة للأسد

2018.08.23 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

انشغل الكثير من الجهات الشعبية والحقوقية بالحديث عن أجهزة المخابرات السورية والطرق الوحشية التي تعاملت بها مع الشعب السوري وخاصة المعتقلين أثناء الثورة وقد سمعنا عن كثير من الإجرام المنظم من خلال أساليب التعذيب الجهنمية في كل الفروع الأمنية دون استثناء، إلا ان إدارة المخابرات الجوية وأفرعها وطرق تعذيبها التي فاقت الوصف كان لها النصيب الأكبر  وخاصة من كتبت لهم الحياة من جديد وخرجوا من المعتقلات واهتمام المنظمات الحقوقية، من هنا يتساءل الكثير لماذا المخابرات الجوية بالتحديد ما هو هذا الجهاز؟ ومن أسسه؟ ومن وراء هذه الخطط الممنهجة في التعذيب والإهانة؟ وكيف تم تطويره حتى وصل إلى هذه الشهرة في البطش والإجرام؟ وما الهدف الجوهري من كل ذلك؟

القصة بدأت بعد انقلاب عام 1963 وعندما كان حافظ الأسد قائد قوى جوية تنبه إلى أن أغلب الانقلابات العسكرية لا يمكن أن تنجح إلا إذا شارك بها سلاح الطيران، وللسيطرة على هذا السلاح بشكل مطلق قرر أن يؤسس له جهاز مخابرات خاص لا عمل له إلا مراقبة وجمع المعلومات ووضع الخطط لإحكام القبضة على هذا السلاح الخطير ومنع أي تحرك من خلال هذا السلاح ضد حكم البعث، ولهذا أعطى حافظ الأسد لهذا الجهاز استقلالية كاملة واتبعه لقيادة القوى الجوية شكلياً، وأعطاه صلاحيات شبه مطلقة تطال كل مناحي الحياه السورية المدنية والعسكرية المتعلقة بكل الأشخاص الذين يخدمون في هذا السلاح.

القصة بدأت بعد انقلاب عام 1963 وعندما كان حافظ الأسد قائد قوى جوية تنبه إلى أن أغلب الانقلابات العسكرية لا يمكن أن تنجح إلا إذا شارك بها سلاح الطيران

تناوب على إدارة المخابرات الجوية منذ البداية عدد من الضباط الذين اشتهروا بولائهم المطلق لعائلة الأسد، أولهم محمّد الخولي ونائبه علي مملوك الذي انتقل إلى إدارة أمن الدولة والذي يرأس الآن جهاز الأمن الوطني، ثم إبراهيم حويجة وأتى بعده عز الدين اسماعيل ومن ثم عبد الفتاح قدسيّة الذي كان ضابط أمن القصر الجمهوري والآن في شعبة الأمن العسكري، ويرأسها اليوم اللواء جميل الحسن على الرغم من أنه لا يتمتع بالإمكانيات الشخصية الفكرية والعلمية التي كان يتمتع بها كل من سبقه إلى هذا المنصب، وقد كان موضع تندر وسخرية أثناء إعطائه بعض المحاضرات في دورات ضباط الأمن، وهذا يفسر شدة القسوة والبطش الذي يستخدمه ضد أعدائه حتى ممن يشاركونه إجرامه ويعكس ما صرح به اللواء جميل الحسن في مقابلته الاستثنائية مع الصحفي روبرت فيسك بأن (( إجراءات قمعية مثل التي قام بها نظام حافظ الأسد في 1980 م في حماة كانت كفيلةً في حال تم اتباعها في بداية الأزمة بحفظ الدم السوري )).

مدى تغوُّل نظام الدولة الأمني العسكري على كل مؤسسات الدولة ومنهجية العنف في عقول أركان الدولة الأمنية السورية التي صمّمها حافظ الأسد على قياسه ولم يغير نظام بشار أيٍّ من آلياتها الداخلية في التعامل مع مواطنيها إضافة إلى إفصاحه بأنه من ابتكر استخدام البراميل المتفجرة والحصار والتجويع المزمن واستخدام الأسلحة الكيماوية يعكس مدى استعداده ومؤسسته الأمنية لارتكاب وتنفيذ أبشع المجازر دون أي رادع، وقد كان هذا الجهاز بالنسبة لـ “حافظ الأسد” الممر المفضل غالبا للرجال الأكثر ثقة الذين يحيطون به وعلى رأسهم ضباط وعناصر الأمن الرئاسي الخاص المشرف مباشرة على حمايته وهو تقليد تابعه الأسد الابن بعد توليه السلطة في البلاد.

يقع على عاتق المخابرات الجوية حماية المنشآت والأفراد التابعين للقوى الجوية، وكان ذلك مُتّبعاً سابقاً في سوريا، لذا تعتبر إدارة المخابرات الجوية في سوريا فريدة من نوعها وهي على الرغم من اسمها فإن دورها غير مقصور على استخبارات سلاح الجو السوري، حيث قامت بدور نشط في قمع تمرد الإخوان المسلمين المناهضين للنظام الحاكم مطلع ثمانينيات القرن الماضي وتشرف على أمن الطيران المدني عبر مراقبين أمنيين يرافقون الرحلات الجوية متنكرين بهيئة مسافرين مدنيين، وقد بدأت في التدخل في شؤون المدنيين في التسعينات بعد أن أحكمت قبضتها على سلاح القوى الجوية والدفاع الجوي وراقبت الحركات الإسلامية ولاحقت عمليات التهريب في بعض الأحيان التي كانت تحصل عبر الحدود.

للجهاز سجون ومعتقلات عديدة، لدرجة أن بعض ضباط الجهاز لا يعرفون تلك السجون، وأحد أخطر هذه السجون الذي يحمل درجة السري للغاية في منطقة خان أبو الشامات

للجهاز سجون ومعتقلات عديدة، لدرجة أن بعض ضباط الجهاز لا يعرفون تلك السجون، وأحد أخطر هذه السجون الذي يحمل درجة السري للغاية في منطقة خان أبو الشامات، وهو الأشد رعباً بين كل سجون ومعتقلات المخابرات السورية نزلاؤه من المعتقلين السوريين واللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين الذين يتم إخضاعهم لاختبار وتجارب فئران على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وكان يشرف على ذلك بشكل خاص اللواء علي مملوك عندما كان رئيساً لفرع التحقيق في الإدارة.

يوجد معتقلون مازالوا قيد الاعتقال منذ الأشهر الأولى للثورة السورية مازالوا في الفروع والأقسام والمفارز وأماكن الاحتجاز، ويوميا يقتل تحت التعذيب أو يموت بسبب الأمراض المنتشرة في الزنازين الجماعية والانفرادية ما لا يقل عن 20 معتقلاً على مستوى كامل فروع وأقسام ومفارز المخابرات الجوية، وأهم أسباب الوفيات التعذيب بالصعق الكهربائي 220 فولت متناوب والتيار المستمر بالعصي والقبضات، وتأتي الأمراض والالتهابات الجلدية التقرحية والنزفية المجرثمة وانتقال الأمراض من خلال دورات المياه بسبب دخول المعتقلين حفاة عراة ونقل الأمراض لبعضهم البعض، وسوء التهوية والرطوبة العالية التي تقتل أصحاب الأمراض الصدرية، والجنون وفقدان العقل بسبب التعذيب الشديد وأدواته، ويموت أو يقتل في المهاجع المخصصة للمخابرات الجوية عدد من المعتقلين الذين أُحيلوا للمشفى العسكري 601 في دمشق (مشفى المزة العسكري) وهم معتقلون مرضى أو بحالة سيئة بعد انتهاء التعذيب أحيلوا من فروع وأقسام المخابرات الجوية وأودعوا المهاجع، يموتون بسبب تفاقم مرضهم دون تقديم العلاج والإهمال المتعمد، كما يصاب بعضهم  بالجنون نتيجة شدة التعذيب.

ويوميا يقتل تحت التعذيب أو يموت بسبب الأمراض المنتشرة في الزنازين الجماعية والانفرادية ما لا يقل عن 20 معتقلاً على مستوى كامل فروع وأقسام ومفارز المخابرات الجوية

كما يقوم عدد من عناصر الخدمة عناصر المخابرات الجوية المشرفة على هذه المهاجع يوميا بقتل وإعدام مباشر داخل هذه المهاجع لعدد من المعتقلين انتقاما ورد فعل على الأحداث والمعارك اليومية التي تجري في سوريا، وقد تم توثيق حالات كثيرة لموت نتيجة الإهمال أو إعدام للمرضى منذ بداية الثورة في عام 2011 وحتى هذه اللحظة بعلم إدارة المشفى العسكري601 وبعلم عدد كبير من الأطباء والطاقم الطبي العسكري، ويصل معدل المعتقلين الذين اللذين يقتلون إهمالا أو نتيجة قتلهم إعداماً من قبل عناصر الخدمة إلى 50% من إجمالي المعتقلين المحالين طبيا من فروع الجوية وخاصة المحالين من فرع التحقيق.

كل هذا الاجرام الممنهج لهذا الجهاز المجرم داخل سوريا يرافقه نشاط كبير وحثيث في ملاحقة الشخصيات الأكثر تأثيرا على النظام من سياسيين وأصحاب فكر خارج سوريا، بل إن جهاز المخابرات الجوية هو الذراع الطويلة لحافظ الأسد وابنه من بعده في تنفيذ عمليات الخطف والتصفية لكل من تسول له نفسه معارضة الأسد ونظامه داخل وخارج سوريا، وهناك الكثير من الأمثلة أبرزها اغتيال رفيق الحريري وخطف شبلي العيسمي وتصفيته في أحد سجون الجهاز، والكثير من العمليات التي لم يعلن عنها كالاغتيالات السياسية مثل اغتيال الصحفي الأردني ميشيل النمري في اليونان والصحفي سمير القصير في بيروت ومحاولة اغتيال أكرم الحوراني في باريس وأعمال النسف والتفجير كنسف مقر مجلة” الوطن العربي”، وتفجير شارع ماربوف في باريس الأمر الذي كان يشرف عليه قائد هذا الجهاز محمد الخولي ورئيس مكتبه هيثم سعيد، كما ولعب فيه دورا هاما في مرحلة من المراحل مفيد حبيب صهر محمد الخولي.

إن جهاز المخابرات الجوية هو الذراع الطويلة لحافظ الأسد وابنه من بعده في تنفيذ عمليات الخطف والتصفية لكل من تسول له نفسه معارضة الأسد ونظامه داخل وخارج سوريا

من هنا نلاحظ أن الأسد الأب والابن كان حريصاً على تكليف ضباط جهاز المخابرات الجوية ومن تتلمذ على يد محمد الخولي في المهمات الخطرة والدقيقة خارج البلاد وداخلها، ولعل أبرز تلامذة محمد الخولي والمخابرات الجوية على مملوك الذي لم يكن مفاجئاً تكليفه بشكل رسمي في قمع الثورة السورية من بدايتها بالقوة وبالطرق التي تدرب عليها هذا الضابط طوال أربعين عاماً، وإطلاق يده في معالجة الأمر داخلياً وخارجياً دون أي قيود، ومن هنا نجد جهاز المخابرات الجوية أصبح من أوائل الأجهزة التي تصنع وتصدر رجال مخابرات بمواصفات إجراميه قل مثيلها، وهذا أكسبه أهمية خاصة ودوراً رئيسياً في الحفاظ على حكم الأسد طوال أربعين عاماً، على الرغم من تعرضه للكثير من الأحداث التي لو حدثت في أي دوله في العالم لسقط نظامها، وهذا يؤكد أن أي نظام ديكتاتوري في العالم لا يمكن أن يستمر إذا لم توجد أداة قمع قويه تردع أعداءه، تتمثل في أجهزة أمن قوية وذراع طويلة كجهاز المخابرات الجوية تطال كل من تسول له نفسه الاقتراب من عرش الأسد في أي مكان في العالم، وهذا ماجعل نظام الأسد في مقدمة الأنظمة المصنعة والمصدرة لإرهاب الدولة المنظم في العالم .