السويداء تمنح الثورة قبلة الحياة

2023.08.31 | 06:37 دمشق

آخر تحديث: 31.08.2023 | 06:37 دمشق

السويداء تمنح الثورة قبلة الحياة
+A
حجم الخط
-A

لم يكن سلطان باشا الأطرش مسنا عندما تسلم قيادة الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد سلطات الاحتلال الفرنسي لسوريا، حيث لم يكن يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره على الرغم من وجود قادة آخرين معه أكبر سنا منه، ولا يقلون عنه وطنية في تلك الثورة المباركة التي أسست مبكرا لمفهوم الجماعة الوطنية السورية، التي لم تلتفت ولم تقم وزنا لأي انتماء أدنى من ذلك المفهوم الجامع لكل السوريين، والذي شكل الأرضية الأساس لتكون الدولة السورية في شكلها الحديث.

لم يقل آنذاك أحد من الوطنيين السوريين كيف تؤمّرون علينا درزيا؟.. ولم يقل أحد أيضا أنا أولى منه بالقيادة لأني أنتمي لأكثرية السوريين، ولم يتنطع أحد منهم أيضا وأيضا للقول أنا دمشقي وابن عاصمة الإمبراطورية الأموية لتسعين سنة وأنا أولى بتصدر المشهد.. كان لدى الجميع قضية أكبر من تلك الانتماءات الصغيرة التي لا تؤسس وطنا، بينما كان هم الجميع وإدراكهم ينصرف بكليته لترسيخ كيان وطني اسمه سوريا مستقلة عن الاحتلال الذي طالما حاول العبث بمكوناتها ليطيل بقاءه.

اليوم يأبى أحفاد هذا الرمز الوطني الكبير أن يسمحوا للتاريخ بالعبور وهو يطوي المئوية الأولى على ثورة السوريين الكبرى، قبل أن يدونوا فيه موقفهم الرافض للظلم والاضطهاد الذي تمارسه سلطة الاحتلال الأسدي للوطن السوري، وقبل أن يسجلوا في صفحاته رفضهم للحيف والظلم والإجرام الذي أوقعه هذا الاحتلال بالسوريين وبالدولة السورية التي بذلوا دما مع بقية إخوانهم السوريين لترسيخ كيانها واستقلالها.

الهوية السورية هي وحدها خريطة الطريق إلى زوال الاحتلال الأسدي وإسقاط سلطة العصابة التي عبثت طويلا بحياة السوريين ومقدراتهم ومستقبلهم

ما رأته أعيننا الدامعة يوم أمس الجمعة وما سمعته آذاننا من هتافات في مظاهرات السويداء وبقية المناطق السورية دعما لها وتضامنا معها، يؤكد هذا الموقف ويعيد تأكيد ما هو مؤكد أن الهوية السورية هي وحدها خريطة الطريق إلى زوال الاحتلال الأسدي وإسقاط سلطة العصابة التي عبثت طويلا بحياة السوريين ومقدراتهم ومستقبلهم.

طوال عقد كامل عبث كثير من السوريين بثورتهم وسمحوا لكل من هبّ ودبّ بالعبث في سوريتهم وتحولت قضية حرية السوريين إلى مساحات مفتوحة لصراع القوى والمصالح الدولية والإقليمية على سوريا، وتوارت قضية حقوق السوريين بالحرية والعيش الكريم عن واجهة الحدث وأسقطت من أجندات تلك القوى لأنها لم تكن هدفا لها ابتداء بل مجرد وسيلة لإقحام نفسها في مسرح الصراع.

اليوم يعيد أبناء السويداء للسوريين كلهم قضيتهم الأساس إلى واجهة المشهد والحدث ويعيدون تموضع القضية السورية ووضعها في نصابها الصائب والصحيح، ويدحضون رواية العصابة الحاكمة عن كونها حامية الأقليات التي لم تضطهد يوما إلا من قبل تلك العصابة نفسها (!) التي وجدت لتحمي مصالح الدول كلها إلا مصالح السوريين الذين تحكمهم(!).

 كل السوريين اليوم باتوا يدركون أن عدوهم واحد هو هذا النظام المجرم الذي استباح دماءهم وأعراضهم وأموالهم ووظفها في سبيل بقائه حاكما عليهم، واستجلب كل رعاع الأرض وموتوريها ليستقوي بهم عليهم وأنه لا يمكن أن يستقيم الحال في سوريا ما لم تسقط تلك العصابة الحاكمة، لتنفتح سبل الحياة أمام السوريين بدلا من سبل الموت التي سلطها عليهم هذا الطاغية الموتور.

غاية هذا التغيير هو خلق دولة تقوم على مبادئ المواطنة المتساوية وسيادة القانون وحماية الحريات العامة والتنمية العادلة والشراكة الوطنية في مقدرات وثروات البلاد

اليوم تتاح للسوريين فرصة ربما لا تعوض إن لم نغتنمها، وهي أن هذا الحراك المستجد والمتجدد في السويداء وحالة النهوض الشعبي المواكبة والمؤيدة له في شرقي سوريا وشماليها، يمثل قوة وزخما جديدين أكثر شمولا لثورة السوريين وهي أكثر ما تحتاجه بعد أن استأثر بها الإسلام السياسي وصادرها، وجعلها رهينة لداعميه ووظفها بطريقة وضيعة فوتت على السوريين كلهم عقدا كاملا، كان ثمنه من القتل والتهجير والتدمير غاليا جدا.. هذا الزخم الذي يفترض أن يطوي صفحة وولاية هذه المعارضة المرتهنة على الثورة السورية ويفتح البوابة للعبور نحو الرحابة الوطنية، عبر عمل سريع وواع للقاء وطني شامل يصوغ وثيقة الاستقلال السوري الجديد، ويفرز قيادة وطنية تعبر عن سوريا كما صنعها سلطان الأطرش ورفاقه، وكما أسس لها الوطنيون السوريون الأوائل تخاطب العالم كله برسالة واحدة تقول إن هذا الوطن السوري هو لجميع السوريين مهما كان انتماؤهم القومي أو الديني أو المذهبي أو السياسي، وإن غاية هذا التغيير هو خلق دولة تقوم على مبادئ المواطنة المتساوية وسيادة القانون وحماية الحريات العامة والتنمية العادلة والشراكة الوطنية في مقدرات وثروات البلاد، وبناء علاقات مع جميع الدول على قواعد الاحترام المتبادل وتبادل المصالح والإسهام في أي جهد لتعزيز فرص السلام العادل والمتوازن في المنطقة.

ما لم نخط تلك الخطوة الفارقة فسيبقى حراك السويداء وأهلها الشجعان – على أهميته وقوة تأثيره – مجرد فعل يومي متكرر يستطيع نظام العصابة تحمل آثاره وامتصاصه وهضمه، مراهنا على الوقت كعادته وسننكفىء جميعا بعدها إلى خيباتنا ونلقي باللائمة على السويدائيين الذين لم نمد لهم يدنا في اللحظة المناسبة لفعل ذلك.