الزلازل تهدد أبنية نجت من قصف النظام وروسيا في سوريا

تساقط قطع إسمنتية من سقف منزل إثر هزة أرضية متوسطة ضربت أطراف مدينة حماة ـ تلفزيون سوريا

2023.01.31 | 07:20 دمشق

نوع المصدر
تلفزيون سوريا ـ سامي جمعة

بينما كان أبو حاتم على وشك أن يغفو سقطت قطعة إسمنت من سقف غرفته أدت إلى رضّ خفيف في قدمه "الحمد لله أننا في فصل الشتاء لأنّ الغطاء الصوفي السميك حال بين قطعة الإسمنت وقدمي" يقول أبو حاتم لموقع تلفزيون سوريا.

ويتابع "حصل ذلك نحو الساعة العاشرة والنصف من مساء الخميس 13 من كانون الثاني حيث لم نشعر بشيء سوى سقوط هذه القطعة وقطعة إسمنت أخرى في المطبخ".

أدت هزة أرضية ضربت أطراف مدينة حماة إلى تساقط بعض القطع الإسمنيتة من أسقف بعض المنازل في قرى خطاب والشيحة في الريف الغربي من المدينة، حيث أعلن المركز الوطني للزلازل في سوريا في 13 من كانون الثاني من العام الجاري، عن وقوع هزّة أرضية بقوة 4.5 درجات على مقياس ريختر، وذكر المركز أن الهزة وقعت على مسافة تبعد 43 كم شمال غرب مدينة حماة، ولم تذكر الوكالة أي تفاصيل بشأن وقوع خسائر.

القصف أنهك البنية التحتية في سوريا

الأسبوع الماضي، قتل 17 مدنياً إثر انهيار مبنى سكني مؤلّف من خمسة طوابق في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، التي شهدت وخاصة أحياءها الشرقية، انهيار عديد من المباني المتضررة من جراء الغارات الجوية المكثفة لطائرات النظام وروسيا على المنطقة، حيث توفي 4 مدنيين، شهر آب 2020، نتيجة انهيار مبنى سكني في حي الصالحين.

وفي شباط 2019 توفي 11 شخصاً إثر انهيار مبنى سكني مؤلف من خمسة طوابق في منطقة أرض الناصر بحي صلاح الدين في حلب، والذي يعد من أكثر الأحياء تضرراً إثر القصف المكثف الذي طاله من قوات النظام لسنوات.

حوادث انهيار المنازل بشكل كامل أو جزئي على رؤوس قاطنيها وبعد توقف آلة الأسد الحربية شملت أغلب المناطق السورية ويعود ذلك بحسب ما يرى الخبير العسكري محي الدين عداوس، إلى أن معظم المدن والقرى السورية المنتفضة تعرضت لكميات مهولة من الأسلحة المحرّمة دولياً والتي يصل ضررها إلى مساحة جغرافية واسعة تتجاوز نصف قطر الهدف ذاته وتشمل كامل البنية التحتية في المكان.

وأضاف عداوس لـموقع تلفزيون سوريا "أن عشرات الآلاف من هجمات البراميل وصواريخ الفيل ومختلف الأسلحة منها عابر للقارات وكذلك ما شنته طائرات الاحتلال الروسي وقوات الأسد من غارات بأسلحة شديدة الانفجار، أدت لإضعاف البنى التحتية لمناطق بأكملها، وتخلخل القواعد الأساسية للمنشآت والمنازل، ما جعلها عرضة للانهيار وهذا ما حصل في حلب حماة مؤخراً، إضافةً إلى العوامل الطبيعية مثل الزلازل والهزات الأرضية حتى الخفيفة منها تزيد من احتمالية حدوث الانهيار.

وأضاف عداوس أن وزارة الدفاع الروسية اعترفت مرارا أنهم جربوا أكثر من 320 نوع سلاح مختلف خلال عملياتهم في سوريا، ولعل أسلحة شركة "روست فيرتول" أغلبها محرم دوليا لكنها كانت المورد الأكبر للقوات الروسية ونظام الأسد منذ أن تدخلت روسيا إلى جانب قوات النظام أواخر أيلول 2015، ومن ضمن الأسلحة المصرح عنها والتي شكلت خطورة على البنية التحيتة برمتها هي صواريخ إسكندر-ك وما تحمله مقاتلات السوخوي سو-35 وسو-57 من ذخائر ثقيلة والقاذفة تي يو-160، وما تحمله من قنابل حرارية، وكان أول استخدام لها في ريف حلب في 21 من حزيران 2016، على مناطق قريبة من مدينتي عندان وحريتان التي شهدت انهيار منازل بعد توقف آلة التدمير الروسية.

على غرار وارسو.. مأساة إنسانية وعمرانية في سوريا

من جهته يرى المهندس المدني أيهم جيرودية بأن نموذج إعادة العاصمة البولندية واسو عقب الحرب العالمية الثانية من النماذج الهندسية المميزة التي يمكن الاستفادة منها في الحالة السورية حيث خرجت المدينة بمأساة إنسانية وعمرانية ولم تعد تصلح بأكملها للسكن بفعل الارتجاج الذي لحق بالوحدات السكنية التي لم تتعرض للدمار المباشر حيث دُمر نحو 85 في المئة من النسيج العمراني للمدينة نتج عنه 20 مليون متر مكعب من جبال الركام.

وأضاف المهندس جيرودية بأنه وبعد دراسة الحالة الفنية في وارسو تبين بأن المدينة بأكملها لم تعد تصلح للسكن فما كان من  "مكتب إعادة بناء العاصمة" وهو اللجنة المعنية بإعادة الإعمار سوى هدم ما تبقى من المدينة وإعادة الإعمار من جديد لأن بعض الأحياء التي لم تتعرض لقصف مباشر كانت تتهاوى المنازل على رؤوس قاطنيها حتى بعد توقف العمليات الحربية، أصبحت وارسو القديمة التي تم ترميمها فيما بعد نموذجاً للتاريخ البولندي، وقد أدرجتها "اليونيسكو" عام 1980 كموقع للتراث العالمي.

ويلفت المهندس جيرودية إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار في عمليات الهدم والبناء الشاملة موضوع الحفاظ على هوية المدن وتراثها وأصالتها، وذلك بالاعتماد على الذاكرة الجمعية للأهالي وخصوصا في الأحياء التي محيت وتغيرت معالمها وسط ضياع كل مخططاتها وإعطاء دور لمؤسسات المجتمع المدني للمساهمة في إعادة الإعمار ما يضمن إعادة الهوية العمرانية بنسب متقاربة لما كانت عليه قبل الدمار.

ويتوسع المهندس جيرودية بالأمثلة من أوروبا إبّان الحرب العالمية الثانية فمثلا، أنشأت الحكومة الفرنسية وزارة تسمى وزارة الإصلاح والتخطيط العمراني، للحفاظ على هوية موحدة للعمران وعدم جعل الموضوع يخضع لأهواء شركات المقاولات.

وبالنسبة للأوابد التاريخية التي تعرضت للتخريب يرى المهندس جيرودية بأن نموذج مدينة ميلانو في إيطاليا يحتذى في هذا الجانب حيث تعرضت ميلانو لدمار إلى حد كبير بعد الحرب، فطرحت إعادة إعمار المدينة أسئلة معمارية ونظريات مهمة بعد فقدان كم هائل من الآثار التي تبرز هوية المدينة والنسيج الحضاري التاريخي لإيطاليا برمتها.

ويختم جيرودية بأن الدراسات والأمثلة واسعة جدا لكن للأسف تبقى كلها دراسات ومن غير الممكن القيام بأي إجراء لحماية السوريين من المباني الآيلة للسقوط في أي لحظة من غير عملية سياسية حقيقة تضمن تحولاً سياسياً ليتبعه رفع العقوبات وضخ الأموال ودخول شركات المقاولات الضخمة لتتولى المهمة.