icon
التغطية الحية

الجبنة السورية.. حلمٌ بعيد المنال للعائلات الفقيرة والمغشوشة تملأ أسواق دمشق

2024.01.25 | 11:55 دمشق

آخر تحديث: 25.01.2024 | 16:26 دمشق

الأجبان والألبان في سوريا
الأجبان والألبان في سوريا
دمشق - سارة هاشم
+A
حجم الخط
-A

تعد الأجبان  واحدة من الوجبات الرئيسية على موائد الإفطار والعشاء في عموم سوريا، ورغم أن أنواع الأجبان قليلة في سوريا مقارنة مع الدول الأخرى، إلا أنها وجبة يصعب للكثير من العائلات السورية الحصول عليها في ظل الوضع المعيشي المتردي الذي تعشيه مناطق سيطرة النظام السوري.

ومع سهولة صناعة اللبنة (أو اللبن المصفى) في المنازل، تبقى صناعة الجبنة البيضاء السورية أو المشللة تحتاج إلى حرفية عالية وعملية معقدة ووقت طويل وكلفة ليست قليلة، في الوقت الذي لا يستطيع السوريون أن يضحوا بغاز الطبخ القليل أصلاً بهدف صناعة أي أكلات قد تستهلك مخزون الغاز الشهري.

وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري من انتشار أجبان وألبان مغشوشة تباع عبر سيارات جوالة أو بسطات مؤقتة في مناطق تغض المحافظة أو الشرطة الطرف عن باعتها بسبب الرُشا التي يدفعها العاملون في المجال.

ورغم شكل الأجبان ولونها الجيد إلا أنها مغشوشة وأسعارها أقل من السوق بنسب تتجاوز الـ 150 بالمئة أحياناً، فقد يبدأ سعرها من 18 ألف ليرة للكيلو في الوقت الذي يصل أقل كيلو جبنة بلدي جيدة لـ 45 ألف ليرة.

وتعد هذه الأجبان مؤذية وقد تسبب التسمم في حالات معينة، أو هي خالية من أي فائدة صحية، إذ لا تصنع من حليب الأبقار المباشر، إنما من حليب البودرة الصناعي إلى جانب كميات من النشاء الأبيض ومحسنات القوام والمنكهات الصناعية والكثير من الملح والماء، ولذلك أسعارها رخيصة، وأحياناً تباع بنفس أسعار الأجبان البلدية الجيدة.

ورصد موقع "تلفزيون سوريا" واقع هذه المنتجات في عدة مناطق من دمشق وريفها، خصوصاً مع الانتشار الواسع لها، والمعاناة التي ترافق العائلات من تراجع جودة كل شيء في سوريا، وليس فقط الأجبان والألبان.

جبنة مغشوشة

وقالت هدى نشواتي، إحدى اللواتي اشترين 3 كيلو من الجبنة من أجل أطفالها، الذين يفضلونها في "سندويشات" المدرسة، إنها رمتها كلها في القمامة بعد أن اكتشفت كيف خدعها البائع الجوّال الذي أعطاها نوعاً آخر لتجربته ثم أعطاها نوعاً مغشوشاً آخر حين اشترت منه.

وأضافت نشواتي لموقع "تلفزيون سوريا" أنها تعرضت للغش أكثر من مرة، حتى أن الجبنة المغشوشة ليست مقتصرة على البائعين الجوالين حتى في المحال لم يعد هناك جودة، هناك من يخلط الجبنة البلدية مع مغشوشة ويبيعها بالسعر نفسه.

وأشارت إلى أن ابنة أختها تعرضت للتسمم بسبب الجبنة المغشوشة، فهي غير خاضعة لأي معيار من معايير السلامة، وبالغالب غير قابلة للاستهلاك البشري، لأن الطفلة نقلت للمشفى وبقيت نحو 4 أيام بعد غسيل المعدة.

غير مطابقة للمواصفات

وقبل قرابة عام، قال نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها ماهر الأزعط، في تصريحات له إنه "منذ أشهر قليلة تم عقد مؤتمر عنوانه سلامة الغذاء، ونحن كجمعية تطرقنا إلى موضوع الألبان والأجبان وأشرنا إلى أن جميع الألبان والأجبان الموجودة في دمشق وريفها هي غير مطابقة للمواصفات السورية".

ولفت إلى أن بعض المواطنين للأسف ونتيجة ضعف القدرة الشرائية وغلاء أسعار الألبان والأجبان في السوق وعدم قدرتهم على شرائها بالسعر المتداول في السوق يضطرون أحياناً لشرائها من الباعة الجوالين أو من خلال سيارات جوالة أو بسطات موجودة في الأسواق وبأسعار أقل بكثير من السوق، بحسب صحيفة "الوطن" المقربة من النظام السوري.

وختم الأزعط بالقول إن حالات الغش بصناعة الألبان والأجبان ليست موجودة فقط بالنسبة للسيارات الجوالة والبسطات في دمشق وريفها، إنما تأتي بنسبة كبيرة من المحال التي تصنع هذه المنتجات وتسحب الدسم الحيواني وتضع بدلا منه دسما نباتيا.

ما تأثير الأجبان المغشوشة على الجسم؟

وفي سياق ذلك، قال الدكتور أحمد أبو جاسم، اختصاصي داخلية، إنه على المستوى الشخصي لم يعد يشتري ما يتعلق بالأجبان والألبان إلا من أشخاص موثوقين يعرفهم بشكل مباشر ويتأكد من أنه لا يمكن أن يغشوا منتجاتهم.

وأضاف الطبيب السوري في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن مشكلة الجبنة الفاسدة أو المغشوشة أن لها تأثيراً مباشراً على صحة الإنسان، فهي رغم أنها قد لا تفيده إلا أنها تشكل خطراً على حياته.

وأردف أن تلقي الأجسام للأجبان المغشوشة يختلف من شخص إلى آخر، بحسب مناعته، ولكن بشكل عام، قد يؤدي إلى الإصابة بالتسمم، وقد يصاب الإنسان بالإسهال والاستفراغ ونقص المناعة ومشكلات في المعدة أو الكبد، ويحتاج المريض إلى حمية بالوضع الطبيعي أو سيرومات بالوضع الأشد أو نقل إلى المشفى في حال كان التسمم حاداً والذي قد يرافقه خروج دماء مع الإسهال أو ما شابه ذلك.

وبيّن أن من أكثر الأمراض بما يخص الأجبان والألبان شيوعاً، هو بسبب البكتيريا مثل "الليستيريا، والبروسيلا، والسالمونيلا، والإشريكية القولونية"، وغيرها.

ما هي كلفة الجبنة وأسعارها النظامية؟

وفي اتصال مع صاحب أحد معامل الجبنة بدمشق (فضل عدم ذكر اسمه)، قال إن صناعة الجبنة البيضاء السورية البلدية تحتاج إلى مواد خام جيدة، وتوفر غاز للطبخ، ومواد معينة، ولا شك أن للحرفية دوراً مهماً في الخروج بمنتج ممتاز.

وأضاف في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا، أن 6 إلى 7 كيلوغرامات حليب ينتج عنه كيلو جبنة واحد، وأقل من هذه الكمية من المستحيل أن تنتج جبنة بلدية جيدة.

وأوضح أن سعر كيلو الحليب اليوم لا يقل عن 7 آلاف ليرة سورية، وبحسبة بسيطة نجد أن كل كيلو جبنة يكلف قرابة 40 ألف ليرة دون أي تكاليف أخرى من غاز وأجرة عاملين ومواد أخرى.

وأردف أن كيلو الجبنة البلدي النظامية لا يجب أن يقل عن 55 ألف ليرة إلى 60 ألف ليرة، ولكن الناس ليس بمقدرتها شراء الجبن بهذه الأسعار، ولذلك هذا النوع الممتاز يكون على التواصي بأغلب الأحيان.

وأشار إلى أن الأسعار الموجودة في السوق اليوم يمكن تصنيفها أن كل نوع جبنة تحت 35 ألف ليرة هو جبن ليس نظامياً ولكن تختلف جودته، وإن كان يمكن أن يكون صالحاً للأكل ولكنه مسحوب الدسم الحيواني ومستبدل بنباتي، أما ما هو فوق الـ 40 ألف فيمكن اعتباره جبنا جيدا وينصح به.

وحذر من الأجبان التي تباع بالسيارات الجوالة وعلى البسطات لأنها تصنع بطرق غير آمنة، وتغيب وسائل التعقيم والنظافة إلى حد كبير، إلى جانب أنها أجبان مغشوشة بنسبة كبيرة جداً بسبب أسعارها الرخيصة.

وبخصوص أسعار منتجات الألبان والأجبان في دمشق، فإن سعر كيلو الحليب يبدأ من 8 آلاف ليرة سورية أما ليتر الحليب المبستر المعبئ بعبوات يصل لـ 25 ألف ليرة، واللبن 9 آلاف ليرة، أما الجبنة البلدية الممتازة بـ 50 ألف ليرة، والجيدة بـ 40 ألف ليرة، والجبنة الحلوم بـ 60 ألف ليرة، والجبة المشللة بـ 50 ألف ليرة.

وهناك أجبان مطبوخة تختلف أسعارها بحسب أنواعها وأين صنعت فمثلاً جبنة السهول تصل لـ 30 ألف ليرة، ولورباك (200 غرام) بـ 27 ألفاً، الوديان (200 غرام) بـ 20 ألفاً، الوديان (400 غرام) بـ 38 ألفاً، الوديان (2 كيلو غرام) بـ 180 ألفاً.

أما سعر جبنة أبو الولد الفرنسية بـ 80 ألف ليرة، والبقرة الحلوب (لافشكري) بـ 90 ألف ليرة، وجبنة كيري بالقشطة بـ 90 ألف ليرة.

ولا تجد الكثير من العائلات السورية إمكانية شراء هذه الأنواع من الأجبان بسبب غلاء أسعارها، وقلة الموارد، حيث لا يتجاوز متوسط الرواتب الـ 200 ألف ليرة.

وقالت أم حسام إنها لم تشتر أي نوع جبنة منذ عدة سنوات، الإفطار يقتصر على الزيتون والزيت والزعتر، أما الأجبان والألبان فهي غير متوفرة، أولاً لغلاء أسعارها، وثانياً لصعوبة حفظها مع انقطاع الكهرباء.

وأضافت أم حسام لموقع "تلفزيون سوريا" أن العائلات في سوريا معظمها لا تشتري الكماليات مثل الأجبان والألبان واللحوم، وتقتصر الحياة اليوم على الخضراوات.