icon
التغطية الحية

"الثورة السورية و بيئتها الدولية".. ميشيل كيلو يكشف مرارة الخذلان

2022.11.04 | 23:05 دمشق

ميشيل
+A
حجم الخط
-A

"الثورة السورية و بيئتها الدولية" كتاب صدر حديثاً عن "دار الجديد" للكاتب والسياسي السوري الراحل ميشيل كيلو الذي غادرنا في نيسان 2021.

ويعد الكتاب الحالي، الثاني من بين كتب كيلو التي تصدرها دار الجديد وتضعها أمام القراء بالنسخة الإلكترونية، بعد روايته التي نشرت في حزيران الماضي وحملت عنوان "مزار الدب"، استعداداً لطرح طبعته الورقية الأولى في مطلع العام القادم. وكان الراحل قد أنهى فقرات الكتاب منذ عام 2019 إلا أن المنية وافته قبل نشره.

فصول الكتاب

سلّط كيلو الضوء في كتابه الضخم الذي جاء في 446 صفحة، على سياسات الدول الكبرى والفاعلة في القضية السورية ومواقفها من ثورة السوريين، مبيناً المعاناة التي لحقت بالأخيرين نتيجة تلك السياسات والمواقف. وذلك من خلال 7 فصول رئيسة تتفرع منها عناوين مختلفة.

استُهلّ الكتاب بمقدمة خطّها صديق كيلو، الكاتب والسياسي رضوان السيد، وبعدها جاءت الفصول السبعة وتفريعاتها على الشكل التالي:

  •  الفصل الأول- سياسات أميركا السورية، وتضمّن العناوين التالية: واشنطن والفوضى الخلاقة، حقـل واشنطـن البنيـوي، خطوط واشنطن الحمراء، لمـاذا اختارت واشنطن سوريا؟، مراحـل السياسة الأميركية، واشنطن وروسيــا وإيران، التحول الأميركي الأول، التحول الأميركي الثاني.
  • الفصل الثاني- روسيا والثورة السورية، منه العناوين التالية: روسيا وسوريا، سيطرة الروس على الجيش، خطة موسكو، تحويـل الثـورة إلى حرب، روسيا والغـرب، غـزو سـوريا: غنـم أم غـرم؟
  • الفصل الثالث-  أوروبا وسوريا.
  • الرابع- إیران وسوريا.
  • الخامس- بلدان الخليج وسوريا.
  • السادس- تركيا وسوريا، وتضمّن: يـد واشنطن العليـا فـي أنقرة، فترة انتقال قلقـة، التطبيع مع روسيا والابتعاد عن الأطلسي، حصـاد أستانا، الخيارات الصعبة.
  • والسابع والأخير- سوريا وإسرائيل.

سياسات الفوضى الخلاقة

لدى ميشيل كيلو يقين شبه كامل، من خلال ما ورد في الفصل الأول، بمسؤولية الولايات المتحـدة الرئيسة فـي زعزعة وإفشال الثورة السورية، ومـا نزل بمجتمع سوريا وحواضـره مـن تخريب، وبالسوريين مـن قـتـل وتهجير. ومفهوم ذلـك عنـد كيلو يندرج تحت مسمى "سياسات الفوضى الخلاقة" التي دعت إليها كوندوليزا رايس ونفذهـا الأميركيون أيـام الرئيسين بوش الابن وأوباما.

تجلت انعكاسات "الفوضى الخلاقة" ونتائجها فـي عدة أمور: الأمر الأول: التصميـم منذ البدايـة عـلى عدم السعي لإسقاط الأسد -بالرغـم مـن التهديدات الراديكالية التي كان يطلقها أوبامـا مـراراً- تـارة بذريعة عدم وجـود البديل مـن وجهة النظر الأميركية، وتارة أخرى لحماية المصالح الإسرائيلية في المنطقة.

أمـا الأمـر الثانـي فـهـو فشـل أميركا فـي العـراق، والاتجـاه نـحـو الفشل في أفغانستان آنذاك. والأمر الثالث مجاملـة إيران التي استولت على العراق بعـد الغزو وإسقاط نظـام صـدام والانسحاب الأميركي بعـد العـام 2010. اعتقد السياسيون والعسكريون الأميركان أن إسقاط الأسد يحتاج إلى حملة عسكرية جديدة ما كانوا مستعدين للقيام بهـا، ثـم أنهـمـ مـن جهـة أخـرى كانوا يلتمسون إرضـاء إيـران سعياً للاتفاق معهـا حـول ملفهـا النـووي، وكأنما أرادوا إعطاءهـا سـوريا بعـد العـراق.

الأمـر الرابع يتمثل في التدخل الروسي. وقد انقسـم العقل السياسي والعسكري الأميركي حيال ذلك: قسـم فـضـل عدم الصدام، بالرغـم مـن إنشاء ونشر القواعد العسكرية الأميركيـة فـي شرق وشمال شرقي سوريا، لأسباب عديدة ليـست محصورة في مساندة "الأكراد" أو محاربة "داعـش" فـقـط. ولذلك اتجه نحو تنظيم العلاقة مع الروس في سوريا، بينما فكر القسم الآخر فـي أنـه مـن المستحسـن تـرك بوتيـن يـغـرق فـي المستنقع السوري، مضياً مع تطبيق سياسة الفوضى الخلاقة.

والأمر الخامس: عدم الثقة طوال الوقت بقادة الثورة مـن مدنيين وعسكريين، بالرغـم مـن القرارين الدوليين 2118 و2254 اللذين يعتبران قوى المعارضة ممثلة للشعب السوري. وبعكس الدكتور برهان غليون في كتابه "عطـب الـذات"؛ لا يحمّـل ميشيل كيلو المعارضة أو "المعارضات" مسؤوليات كبرى عـن الفشل في السنوات الأولى بالرغم من الفوضى وغياب القيادة والمشروع الواضح في معظـم أجـزاء سوريا.

أما بعـد العـام 2014 وظهور "داعش" والقاعدة وانضمـام التدخل الروسي إلى التدخـل الإيراني لصالح الأسد؛ فإن التفكير بالمعارضات باعتبارها بديـلاً مـا عـاد وارداً. وعلى أي حال، فإن المؤلف منذ البداية يأخـذ على المعارضة السياسية السورية اعتقادهـا أن التدخل الأميركي قادم، وأن الأميركان سيطردون الأسد، ويسلمونهم السلطة كمـا فـعـلـوا فـي العـراق مـع أن الشواهد كلهـا دلـت علـى غير ذلك تماماً، على الأقـل منـذ أعـرض أوباما عن معاقبة النظام على الهجوم بالكيمياوي في ريف دمشـق.

ويتتبع ميشيل كيلو تفاصيل السياسات الأميركيـة فـي سـوريا بدقة حتى الحرب على الإرهـاب ومـا بعدها. لكـنه كان شديد الحزن بسبب اللامبالاة التي لمسها من "الديمقراطيـة الأكبر في العالم" تـجـاه ثورة السوريين خاصة وثورات الربيع العربي عموماً.

التدخل الروسي "الإمبراطوري"

وفي معـرض حديثه عن التدخل الروسي 2015، يصف كيلو روسيا الاتحاديـة كوريثة للاتحاد السوفياتي، وقد كان الشعب السوري علـى الـدوام صديقـاً للـروس قبل البعث وبعـده. لكـن بوتين في تدخله العسكري الوحشي في سوريا لصالح نظام الأسد، كان مدفوعا بالعظمة الإمبراطورية وإيثار استعادة سوريا إلى الحضـن الروسي كمـا كـانـت مـن قبـل، إضافـة إلـى انزعاجـه الشـديـد مـن الخديعة التي أنزلهـا بـه الغربيون في ليبيا ومقتـل حليفه القذافي وسقوط نظام حكمه.

ولكـن، كـيـف يمكن تفسير التفاني البوتينـي فـي الانتصار لنظام طائفـي ضـد شـعبه؟ وكيف يمكن تفسير ذاك الفجور في التعامل العسكري مع الناس، وافتخار الرئيس الروسي أنه جرّب مئات أنواع الأسلحة الفتاكة في سوريا، بحيث بدا مزايداً على التدخل الطائفي والمذهبي الإيراني؟ بوتين يريد إعادة روسيا قوة عظمى، وعنده تجارب عدة في ذلك؛ في جورجيا والقرم وشرقي أوكرانيا.

إيران والتهجير الطائفي

يظهر سخط ميشيل كيلو ملياً على النظام الطائفي والمذهبي الإيراني، وبدرجة لا تقل عن سخطه من نظام الأسد؛ فقد اتبع الإيرانيون وميليشياتهم في سوريا سياسات الأرض المحروقة والقتل والتهجير والتغيير الديموغرافي.

ويؤكّد المناضل الراحل أن "التهجير لملاييـن السـنة مـن جـانـب النظام وإيران كان المقصود بـه تخليد النظام الطائفي، والتشييع"، وفق تعبيره. فنظـام الملالي يعيش في عقليته القروسطية فـي التاريخ النزاعـي بـداخـل الإسلام، والصراع بين العرب والإيرانيين، وهو يريد التطهير والقتـل فـي كل مكان فيه عرب وسنة مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن. ووفق المؤلف، فإن آلام الشعب السوري صارت عصية على الاحتمال، بعد أن سعى النظام والإيرانيون للاحتفاظ بـ "سوريا المفيدة" لهـم.

ويستمر كيلو بسرد التفاصيل المتعلقة بسياسات بقية الدول في فصول الكتاب اللاحقة، كاشفاً عن الكثير من الجوانب المريرة والمخزية بحق الثورة السورية.