الفوضى الخلاقة..

2021.11.22 | 05:17 دمشق

us-president-bush-s-national-security-advisor-cond-51717447-9592db45d9a647efa6001bd833beb8a7.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعد مصطلح الفوضى الخلاقة هو العنوان الأساسي الوحيد الذي تسير الوقائع السياسية عبره في الشرق الأوسط، حيث لا منطق ولا مذهب ولا أسلوب واحد ينظم ماهية ما يجري في عموم المنطقة الممتدة من جبال أطلس في المغرب وصولاً إلى جبال تورا بورا في أفغانستان.

تبدو المهمة كبيرة وصعبة، بمعنى أن تنجح تلك المؤامرة (الكونية) التي يخطط لها الإمبرياليون في مكان ما في العالم، ويمكن لأي رجل بسيط في شوارع القدس أو حلب أو القاهرة أن يسمي ببساطة من يقف خلف تلك المؤامرة.. ولكن العرب ومن لف لفهم، لا يقرؤون كما نعرف وإن قرؤوا فهم لا يتذكرون ويتعظون مما فعلوا.

في عام 2005 أطلقت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، مصطلحاً سياسياً مبهماً، أشارت به إلى أن ما يحدث من اضطراب بُعيد الأعمال العسكرية أو انهيار الأنظمة ما هو إلا نوع من "الفوضى الخلاقة" التي ستُعيد تشكيل البلدان بكاملها، وتلك الفوضى الخلاقة هي ما ستمنح لـ التركيب السياسي لهذه المنطقة أن يتشكل من جديد، تلك المنطقة التي ما زالت تعيش في قمقم العصور الوسطى سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولم تدخل بأي شكل من الأشكال في عُمق التحديث العالمي والتطور التكنولوجي المشتعل في العالم، فبعيد خروج دول الشرق الأوسط بعربها وفرسها وتركها وأكرادها وجميع قومياتها المنضوية تحتها، من الحكم العثماني ومثيلاته، وهي تنتقل بين مد وجزر، ديني وعسكري، دون قدرة الحداثة على اختراق عمق المجتمع وتطوير آلياته التي تنتج فيما تنتج تلك الصيغ غير المعقولة من التخلف الديني بكل أشكاله الطائفية والدينية، والتخلف السياسي القمعي الذي ينتج دكتاتوريات متشابهة في الجوهر ومختلفة في الشكل، تمتد بقمعها من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، دونما استثناء، تخلف في قوانين الأحوال الشخصية، عنصرية مستعرة تجاه الآخر، عصبيات وقوميات تتصارع، تنمر وتمييز وقمع تجاه المرأة، انتصار لمبدأ الأقوى يسحق الأضعف.

في دوامة غير منتهية، أو على الأقل لا يبدو أنها ستنتج تغييراً بعد مضي مئة عام على استمرار ما يجري، برضا وتوجيه من إسرائيل التي ترعى من بعيد وتنظم ذلك التخلف كي يخدم مصالحها واستمرارها، في قصر نظر عجيب حيث تحاط تلك الدولة التي تصف نفسها بالديمقراطية بجيوش بشرية من شعوب دول تهتاج لتحريض ديني أو قومي ولكنها لا تنبس ببنت شفة تجاه الفاقة والكساد والبطالة والقمع والظلم .

يتحدث المنتصرون في الحرب العالمية الثانية عن كسر حالة الدولة الأخيرة المهزومة في تلك الحرب، وهي اليابان التي لم تدخل إلى مفاهيم العصر إلا بعد هزيمتها تلك، التي احتاجت الهمجية العسكرية فيها إلى ضرب المدن بالقنابل النووية.. بشكل لا يسمح للطرف الآخر نهائياً بطرح أي شروط على طاولة المفاوضات تُحسن من موقفه أو تمنحه قدراً من المناورة على الحفاظ على شكل نظامه القديم الذي استمر مئات السنين، فوقعت اليابان صك الاستسلام داخلة العصر من باب الهزيمة العسكرية التي اختارت النخب العسكرية الخوض في غمارها لتدفع الثمن لاحقاً أمام الغرب وروسيا والصين. فعُزل الإمبراطور وحُلّ الجيش وانتهى عصر الساموراي والجيش والطبقات الاجتماعية بدخول الديمقراطية الغربية إلى أروقة الحكم في اليابان.

وبالعودة إلى كونداليزا رايس في عام 2005 حيث إنها لم تخف مطلقاً سياسات بلادها تجاه المنطقة بل أعلنتها ببساطة لمن يريد أن يفهم.. ولكن النظم السياسية لم تفهم، أو ربما فهم بعضها فقط وقررت الهروب إلى الأمام بدلاً عن مقاومة الطوفان القادم، فباتت شريكاً أساسياً في تشكيل تلك الفوضى علّها تلتقط قطعة من الكعكة العربية المتيبسة أمامها منذ قرون، ظناً منها أن دورها لن يأتي.

يعتقد البعض أن تلك الفوضى انتهت، وأنها ستركن مثل زوبعة لم تجد ما تبتلعه، فانزوت كريح مغبرة فوق غابة كسيرة، من يروجون لهذه النظرية بالطبع لا يعون أن مسببات تلك الزوبعة قد انتهت، أو أنها ستعالج وتوأد في لحدها، ولكنهم يعرفون تماماً أن وعياً قهرياً ما قد هبط على الجميع مفاده أن البقاء بالحال على ما هو عليه سيكون أفضل من الانحدار أكثر فيما لو تابعت الزوبعة دورانها.

لكنه أتى كما تبين لنا جميعاً، فجأة وكنتيجة لعقود من الظلم والقهر واللاديمقراطية، انفجرت عشرات الدول في الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، في مظاهرات غير مسبوقة أدت إلى تساقط العديد من الأنظمة بشكل مثير، أما من بقى فهو ينازع في صراعه المستمر لانتزاع شرعيته من العالم الذي بقي يتفرج على اندلاع المواجهات بين الشعوب والأنظمة، حيث تبين  مثلاً أن النظام العربي متشابه إلى حد التطابق بل إنه يذود عن نفسه بشكل هائل، رغم التناحرات الظاهرة فيما بين تلك الأنظمة، لكنها في النهاية تفضل تغيير السياسات على تغيير الأنظمة بشكل جدي، سيسمح بالجلوس إلى طاولة الاستسلام والتوقيع على عرائض التسوية التي ستنص -فيما لو تحققت هزيمة النظام العربي وما إلى جواره من غير العرب- على كسر القوقعة البطريركية التي تحمي ساسة وفقهاء وحكام تلك الدول، وإلى دخول أشعة الشمس إلى زوايا تلك المجتمعات التي لا مانع لديها من حماية جرائم الشرف ورعاية التحريض الطائفي والديني، بل وبث الكراهية ليل نهار في المناهج التعليمية –إسلاماً ومسيحية- كرمى لبقاء الكرسي مصاناً و مترفعاً كما الإله.

يعتقد البعض أن تلك الفوضى انتهت، وأنها ستركن مثل زوبعة لم تجد ما تبتلعه، فانزوت كريح مغبرة فوق غابة كسيرة، من يروجون لهذه النظرية بالطبع لا يعون أن مسببات تلك الزوبعة قد انتهت، أو أنها ستعالج وتوأد في لحدها، ولكنهم يعرفون تماماً أن وعياً قهرياً ما قد هبط على الجميع مفاده أن البقاء بالحال على ما هو عليه سيكون أفضل من الانحدار أكثر فيما لو تابعت الزوبعة دورانها..وكل هذا لا يبدو سوى جزء من تلك الفوضى الخلاقة التي سترث الأرض من المحيط إلى الخليج. فالفوضى مستمرة والعودة إلى الخلف ليست إلا جزءاً منها، فباب التجاذبات مفتوح وإعادة الإعمار مطروحة للبلدان التي هدمت من جراء الحروب وحتى تلك التي لم يسقط فيها حجر واحد.

كلمات مفتاحية