icon
التغطية الحية

التعليم في إدلب.. سطوة كوادر هيئة تحرير الشام وتدهور مستمر

2023.12.27 | 12:51 دمشق

آخر تحديث: 27.12.2023 | 13:39 دمشق

ءؤر
رئيس مجلس الوزراء في حكومة الإنقاذ علي كدة وقائد هيئة تحرير الشام أ[و محمد الجولاني
إدلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

يشهد قطّاع التعليم في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في إدلب وريفها تقلّبات كثيرة، منذ سنوات، بدأت منذ توغّل شخصيات محسوبة على "الهيئة" داخل مديرية التربية، وتحكّمهم بالعديد من الملفات داخل المديرية، ما أثّر على جودة التعليم وتسبّب في تدهوره.

ومع تشكيل وزارة التربية والتعليم التابعة لـ"حكومة الإنقاذ"، بدأت هذه الوزارة بالسيطرة على ملف التعليم والتوغّل به، مع تحجيم وتقييد عمل مديرية التربية في إدلب، التي كانت تنسّق مع الحكومة السورية المؤقتة.

كشف مسؤولون في قطاع التربية بإدلب لموقع تلفزيون سوريا، الحال الذي وصل إليه ملف التربية والتعليم في إدلب، والأذرع التي تتحكّم فيه، خاصّة مع بداية العام الدراسي الجديد، وبالتزامن مع مظاهرات ووقفات احتجاجية مستمرة للمعلمين، الذين يواصلون التنديد بممارسات "تربية الإنقاذ" بحقّهم.

شخصيات غير مختصة تتحكم بقطاع التعليم

رغم وجود وزير للتربية والتعليم في حكومة الإنقاذ، نذير القادري -عيّنه مجلس الشورى- إلّا أنّ ملف التعليم يُدار من قبل شخصيات كبيرة في "تحرير الشام"، حيث يشغل منصب مسؤول المتابعة "أبو بلال القدس"، وهو شخصية أمنية من مدينة حلب، وسبق أن شغل منصب المسؤول الأمني في منطقة جسر الشغور بريف إدلب.

يتولى "القدس" متابعة أعمال وزارة التربية والتعليم في إدلب، وهو صلة الوصل المباشرة بين الوزارة وقائد "هيئة تحرير الشام" (أبو محمد الجولاني)، كما أنّه يتابع تعليمات "الجولاني"، ودعم الشخصيات المحسوبة على "الهيئة" داخل الوزارة، وفي الوقت ذاته، يمارس التضييق على التربويين وأهل الاختصاص.

وفعلياً، يوجد في رئاسة وزارة التربية والتعليم، عبد الرحمن الشموس (أبو صلاح)، ومعه شهادة معهد بيطري، وكان وزير "التنمية" السابق في حكومة الإنقاذ، وأبو زيد الحمصي الذي يحمل شهادة في الهندسة البترولية، وكان مسؤول ملف الإحصاء في "وزارة التنمية".

ومن هذا الباب فرضت "هيئة تحرير الشام" هيمنتها على ملف التربية والتعليم، وكانت الحجة إنشاء ملف إحصاء يتضمّن تقييماً لقطاع التربية والتعليم بشكل كامل، إلّا أنّ أعمالهم كانت بمثابة إدارة كاملة للقطاع التربوي والتعليمي، حتى أنه لا يمكن إخراج أو إدخال ورقة إلى وزير التربية دون أن تمر على تلك الشخصيتين المتنّفذتين، وتحظى بموافقتهما.

إلغاء النظام الداخلي في الوزارة وإنشاء هيكلية فضفاضة

بعد دخول كل من "الشموس وأبو زيد" إلى وزارة التربية في عهد الوزير السابق إبراهيم سلامة، عمِلا على إلغاء النظام الداخلي المتكامل المعمول به داخل الوزارة، وأنشأا هيكلية إدارية لا تستند إلى قوانين، وتعمل وفق قرارات شفهية بدلاً من القرارات المكتوبة.

تلك الآلية تفتقر هيكليتها للمكتب المالي، وتعتمد تراتبيات تضر بالعمل التوجيهي والتربوي، حيث يتم إلغاء أو تهميش المديريات الموجودة، وربط المجمّعات التربوية بشكل مباشر مع الوزارة.

وانتهى الأمر بتهميش مديرية التربية في إدلب، كذلك مديرية التربية في ريف حلب الغربي، المهدّدة بالإلغاء بشكل كامل، على غرار إلغاء مديريات تربية الساحل وحماة.

محاربة مديرية تربية إدلب

تحارب الوزارة ممثلة بالشخصيات النافذة فيها، مديرية تربية إدلب، لعدم رضى الوزارة بأن تكون المديرية مستقلة أو على تواصل مع الحكومة السورية المؤقتة، حيث تم الضغط على أغلب مديري التربية السابقين، رغم جهودهم الكبيرة في دعم الكثير من المدارس والمعلمين.

ومؤخّراً، فصل عدد من الموجّهين المسؤولين في "تربية إدلب"، منهم: عمر لطوف وحسن الشوا ومحمد عتيق، كما أُبعد ماهر الحمدو وأسامة السعد وغيرهما، وفي المقابل جرى تعيين شخصيات متنفّذة في الوزارة، وأُخرى تدين لها بـ"الولاء المطلق".

على سبيل المثال عيَّن "أبو زيد الحمصي" شقيقه (خالد محمد وليد بكور) رئيساً لمكتب التعليم الخاص في مدينة الدانا، نهاية العام 2022،رغم أنّه لم يخضع لمسابقة تعيين، وهو غير مثبّت في التربية.

وعُيّن (و. ح) مسؤولاً عن الموجّهين في التربية، رغم وجود دراسة أمنية بحقّه تمنع تسليمه أي ملف أو منصب، كما عُيّن (ر. س) رغم أنّه فُصل سابقاً بسبب قضية فساد تتعلّق بالامتحانات، وأمثالهم الكثير "ممّن باتوا ذراعاً للوزارة في التضييق على المعلّمين".

ومن بين قضايا الفساد على أبو زيد الحمصي، إحداثه مدارس المتفوقين من الصف السادس بهدف إلحاق ابنه فيها، في حين وبحسب العرف التربوي يجب أن تكون من صف السابع فما فوق.

نقابة المعلمين تحت السلطة

رغم جهد المعلمين سابقاً في تشكيل نقابة لهم مستقلة تدافع عن حقوقهم، شارك في تأسيسها أكثر من 16 ألف معلم ومعلمة، وبعد وصولهم إلى المراحل قبل النهائية، هاجم "جهاز الأمن العام" التابع لـ"تحرير الشام"، مدرسة المتنبي في مدينة إدلب في أثناء الانتخابات، وانتهى الأمر بإيقاف العملية الانتخابية وطرد المعلمين.

تلك المداهمة للانتخابات وتعطيلها، كان بتدبير من مدير مجمّع مدينة إدلب عبد الله العبسي المقرّب من رئيس حكومة الإنقاذ، ومسؤول الملف الأمني فيها، وفيما بعد سُلّمت النقابة له وباتت تحت إدارته.

مظاهرات المعلمين

يواصل معلمون ومعلمات في إدلب بالتظاهر والاحتجاج أمام مبنى وزارة التربية، بين الحين والآخر، للمطالبة بحقوقهم التي سلبتها الوزارة، من بينها عدم وجود قانون ناظم يضمن حقوقهم، التلاعب في رواتبهم وعدم إعطائهم رواتب مناسبة أو دائمة.

ومن أسباب تلك المظاهرات أيضاً، إقالة الكثير من المعلمين بحجج كثيرة منها العمر، حيث يفترض أن يكون هناك راتب تقاعدي لهؤلاء عند إحالتهم للتقاعد، وليس فصلهم بشكل تعسفي من دون تعويضات أو أجور، إضافة إلى "سلسلة من الابتزاز والتهديد والتخويف والسطوة الأمنية على المعلمين".

قيود على مشاريع المنظمات الداعمة للتعليم

تفرض حكومة الإنقاذ سلسلة من القيود على المنظمات التي تدعم ملف التعليم، عبر إلغاء العديد من مشاريع تلك المنظمات، أو إبطالها بحجج واهية من بينها الاختلاط والموسيقى، إضافةً إلى عدم قبول المنظمات بتسلّط "الإنقاذ" على المشاريع، وفرضها شخصيات محسوبة عليها في هذه المشاريع.

ويدير هذا الملف "أبو النور الحمصي"، وهو شخصية أمنية سابقة، ويعمل مسؤولاً عن هذه المشاريع في وزارة التنمية، وأي دعم لملف التعليم يجب أن يكون من خلال مكتبه أولاً، وليس من خلال وزارة التربية بشكل مباشر.

وسبق أن أصدرت وزارة التربية والتعليم قراراً يقضي بفصل الذكور عن الإناث في المدارس، متذرّعين بحجة منع الاختلاط بين الطلاب، وكان المسؤول الأول عن هذا القرار (خ. ص) معاون وزير التربية السابق، وهو شخصية جدلية عليها إشكالات عدة بحسب المصادر، حيث سُرّبت محادثة له في مجموعة "واتساب" للوزارة، تتضمن شتائم وإرسال مقاطع غير أخلاقية.

خصخصة التعليم

تعمل وزارة التربية والتعليم في "الإنقاذ" من خلال سلوكياتها على "خصخصة" التعليم، عبر دعم التعليم الخاص على حساب التعليم العام المجاني.

وصدر قرار هذا العام، يقضي بأنّ الدراسة في الأوّل الثانوي تكون إمّا علمي أو أدبي، وفق شروط جائرة، ومَن يكون مجموعه أقل يُقبل في المدارس المهنية، إلّا أن هذا القرار غير ملزم للمدارس الخاصة، حيث أنها باتت ملاذاً للطلاب الذين لم يحالفهم الحظ وفق الشروط المفروضة على المدارس العامة.

كذلك صدر قرار ملزم بعدم افتتاح أية شعبة صفية إذا كان عدد الطلاب يقلّ عن 20 طالباً، ومع الفصل بين الذكور والإناث، باتت هذه الشروط تعجيزية وأفضت إلى إغلاق الكثير من المدارس في جبل الزاوية وجسر الشغور وغربي حلب، والكثير من القرى والبلدات الصغيرة، وبالتالي أُجبر الطلاب إما على الذهاب إلى المدارس الخاصة أو ترك التعليم.

"مدارس الوحي الشريف" في إدلب

تأسّست "مدارس الوحي الشريف" من قبل الشرعي العسكري السابق في "هيئة تحرير الشام" زبير الغزي، قبل إبعاده عنها لاحقاً وتعيين "أبو أحمد الشاوي" المقرّب من شرعي "الهيئة" عبد الرحيم عطون، كما عُيّن أبو جابر الشيخ (القائد العام السابق لـ"هيئة تحرير الشام") مشرفاً على هذه المدارس، وذلك من قبل "الجولاني".

وتعتمد تلك المدارس الخاصّة في تمويلها على التبرّعات من التجار، وتقدّم التعليم الشرعي والكوني (وفق الرؤية التي تطرحها)، إلا أنّ الميزات والتسهيلات المقدمة لها من "حكومة الإنقاذ" جعلتها تتوسّع على حساب مدارس التربية العامة.

وصادرت "وزارة التربية" عدة أبنية مدرسية تابعة لـ مديرية تربية إدلب وقدمتها إلى "مدارس الوحي الشريف"، وتكمن خطورة هذه المدارس في أنّ مناهجها غير مدققّة من قبل وزارة التربية، وليس لها سلطة عليها، كما أنها منفصلة تماماً، أي لا تتبع للوزارة أو المديريات، ما يعني أنّه عند وصول الطلاب إلى الصف التاسع ستكون شهاداتهم غير معتمدة أو معترف بها.

وبحسب المصادر، فإنّ دعم هذه المدارس هو من أجل إرضاء التيار المتشدّد داخل "هيئة تحرير الشام"، والذي يُطالب بأن يكون التعليم شرعياً، كما أنّ أحد أهم داعميها هو رجل الأعمال (ع. ش) صاحب مجمّع تجاري، والمقرّب من قيادة الهيئة.

يشار إلى أنّ التعليم في مناطق شمال غربي سوريا ما يزال يشكّل تحديات ومصاعب متعددة، في ظل غياب الدعم لهذا القطاع المهم، وانصراف الكثير من المعلمين نحو مهن أخرى تؤمن لهم لقمة العيش بعد طول أمد التعليم بشكل طوعي وصعوبة المعيشة والغلاء.