icon
التغطية الحية

إضراب المعلمين.. واقع التعليم في إدلب وأسباب غياب الدعم عن نصف المدارس

2022.01.27 | 05:19 دمشق

artboard_8.jpg
إدلب - فائز الدغيم
+A
حجم الخط
-A

أعلنت عدد من المدارس العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد في إدلب، نيتها إغلاق أبوابها مع بداية الفصل الثاني من العام الدراسي الجاري، وذلك لغياب التمويل وحاجة المدرسين إلى مصدر دخل يعيلون به أسرهم، بعد عملهم بشكل تطوعي لأعوام.

وحصل موقع تلفزيون سوريا على بيانات صدرت عن قرابة 30 مدرسة خلال الأيام الماضية، حملت تواقيع كوادر تلك المدارس من مدرسين ومديرين، وعللت تلك الكوادر في بياناتها أسباب الإضراب بما وصفته بتدهور العملية التعليمية، واستمرارها في التعليم لعدة سنوات بشكل طوعي من دون حصولهم على أية أجور.

وبحسب ما جاء في البيانات، فإن المدارس ستغلق أبوابها "حتى يتم تأمين أبسط مستلزمات الحياة للمعلمين"، مشيرين إلى أن الكوادر التدريسية تعمل تطوعاً منذ عام 2018.

وبحسب البيانات التي حصل موقع تلفزيون سوريا على نسخ منها فإن المدارس التي أعلنت الإضراب هي: "ثانوية بنات الجسر، ثانوية بنين جسر الشغور، ثانوية فريكة، ثانوية بنات البشيرية، ثانوية ذكور البشيرية، ثانوية كنيسة بني عز، ثانوية بزيت، ثانوية مشمشان، ثانوية بنات الحمامة، مدرسة الجديدة، مدرسة عمرو بن العاص، ثانوية بنات الجديدة، مدرسة ذكور الحمامة للحلقة الثانية، إعدادية بنات الجانودية، ثانوية بنات الجانودية، مدرسة مخيم الأرامل، مدرسة القنية، مدرسة سلهب، مدرسة السكرية، إعدادية كفرنجد، ثانوية جوزف، ثانوية ذات النطاقين، ثانوية عبدالرحمن عبيدو في أريحا، مدرسة عرّي القبلي للحلقة الثانية، مدرسة المأمون في أم الريش، مدرسة مزرعة الزهراء، مدرسة بلميس للحلقة الثانية، مدرسة بشير حللي، مدرسة جب الصفا، ثانوية الملند، مدرسة ابن خلدون، مدرسة طيبة الاسم للحلقة الثانية، مدرسة القيسية، مدرسة غالب شحادة، مدرسة كنيسة نخلة للحلقة الثانية".

ما سبب الإضراب وتوقيته في العطلة؟

تواصل موقع تلفزيون سوريا مع عدد من الكوادر التعليمية في المدارس التي أعلنت الإضراب وكان من بينهم المدرس فردوس قاروط العامل في إعدادية بنات الجانودية، وتحدث قاروط عن عمله بشكل طوعي منذ أربعة أعوام، وأن غياب الراتب الشهري يمنع المعلم من قضاء حوائجه، وبات عائقاً أمام حفظ كرامة المعلم في المجتمع، فضلاً عن الوعود الفارغة التي لم تترجم إلى حقيقة فيما يخص دعم المعلمين.

وتحدث قاروط عن عدم قناعته الداخلية بالإضراب، وأن هذا الأمر ينطبق على بقية المعلمين، فهم يخافون على طلابهم من الانقطاع عن العلم، وانتشار الجهل، وتدمير مستقبل الطلاب، لكنهم أجبروا في النهاية على إعلان الإضراب، بسبب قساوة المعيشة وغياب الدعم.

وحول سبب اختيار موعد الإضراب في فترة العطلة النصفية بين الفصلين الدراسيين، أشار مدرس آخر رفض ذكر اسمه إلى أن فكرة الإضراب لم تكن وليدة اللحظة، وإنما سبقها عدة وقفات احتجاجية للمعلمين أمام مديرية التربية، وآخرها بتاريخ 22 كانون الأول من العام الماضي أمام مجمع الدانا بسبب قربه من المنظمين لتلك الوقفة وعدم قدرتهم على دفع تكاليف الوصول إلى المديرية في إدلب.

وأضاف المعلم أن جميع الوقفات لم تثمر بأي نتيجة، وتلا تلك الوقفات اجتماع مع أعضاء في مجلس الشورى العام الذي يشرف على حكومة الإنقاذ، ومع إدارة منطقة سرمدا، لكنهم لم يحصلوا على أي وعود بانفراجة قريبة مما دفع المعلمين لاتخاذ قرار الإضراب، ولكون مهنتهم إنسانية بحسب وصف المعلم دفعهم هذا الأمر لتأجيل الإضراب خلال الفصل الدراسي الأول وإتمام تعليم الطلاب وامتحاناتهم ثم إعلان الإضراب بعد انتهاء امتحانات الفصل الدراسي الأول وقبل البدء بالفصل الدراسي الثاني، على نية تنفيذ المطالب في فترة العطلة كي لا تتوقف العملية التعليمية، وذلك بسبب حرصهم الشديد على استمرارية العملية التعليمية.

أيضاً تحدث المعلم نفسه عن خطوات قامت بها المجمعات التربوية لإنهاء حراك المعلمين عبر اتخاذ خطوات ترغيبية تارة كتقديم بعض المنح عن طريق المنظمات لبعض المدارس التي يبرز أسماء مديريها في الحراكات المحتجة، أو نقل بعض رؤوس تلك الحركات إلى وظائف في مدارس مدعومة. وترهيبية تارة أخرى كالتهديد بالفصل وإلغاء الرقم الذاتي للمعلم في سجلات التربية والذي لا يستطيع المعلم مزاولة مهنته إلا بموجبه.

طلال عبد القادر مدير ثانوية البشيرية بريف جسر الشغور أكد أن إضرابهم مستمر حتى تحقيق متطلبات المعلمين في عموم الشمال السوري، وأن مطالبهم لا تتعلق بدعم المدارس المضربة فقط أو بعضها.

في تلخيص لحالة الإضراب:

  • يتبع لمديرية التربية والتعليم بمحافظة إدلب 7 مجمعات تربوية، هي "مجمع إدلب، مجمع أريحا، مجمع جسر الشغور، مجمع معرتمصرين، مجمع حارم، مجمع الدانا، مجمع المخيمات".
  • وبحسب دراسة أجرتها دائرة التخطيط والإحصاء واطلع موقع تلفزيون سوريا عليها، يوجد في مجمع أريحا 73 مدرسة غير مدعومة بالكامل و24 مدرسة مدعومة بشكل جزئي من أصل 157 مدرسة.
  • وفي مجمع جسر الشغور يوجد 64 مدرسة غير مدعومة بالكامل، و 19 مدرسة مدعومة جزئياً من أصل 143 مدرسة.

كثرة المدارس غير المدعومة في هذين المجمعين هي التي جعلتهما مركزاً للاضراب الحالي، وذلك يفتح الباب على تساؤل كبير يتعلق بتركز الدعم في المجمعات ومدارسها التي تقع في المناطق الحدودية الآمنة والآمنة نسبياً، وغياب الدعم عن المناطق التي تقع على طريق M4 الدولي في كل من جسر الشغور وريفها وأريحا وريفها المتمثل بجبل الزاوية.

وذلك وفق إحصائية لدائرة التخطيط والإحصاء في مديرية التربية والتعليم بمحافظة إدلب حصل موقع تلفزيون سوريا على نسخة عنها.

في العموم تبلغ نسبة الدعم للمدارس في إدلب وريفها 64% فقط ويتركز دعم المنظمات لمدارس الحلقة الأولى فقط. ولا تركز كبرى المنظمات الداعمة للتعليم "منظمة مناهل" على باقي الحلقات التعلينية، لأنها تعتبر الأولوية للحلقة الأولى لمحو أمية الأطفال وتعليمهم القراءة والكتابة.

 

Picture1_2.jpg

 

ويوضح الجدول الآتي الذي أعدته دائرة التخطيط والإحصاء في مديرية التربية والتعليم بمحافظة إدلب، أبرز المنظمات الداعمة للتعليم في إدلب ونسب دعمها بحسب عدد الوظائف التي تقدم الرواتب الشهرية لها

 

Picture2_0.jpg

 

مديرية التربية تطالب بدعم الملف التعليمي وتتفهم حالات الإضراب

قال معاون مدير التربية والتعليم بمحافظة إدلب محمد ناجي عتيق لموقع تلفزيون سوريا إن حالات الإضراب مستمرة بشكل فردي منذ بداية العام في بعض المدارس غير المدعومة، لكنه لم يكن بهذا الزخم الحالي، وإنهم في المديرية يجتمعون مع الكوادر التدريسية في تلك المدارس ويحاولون تقديم بعض المنح للمدرسين لتعينهم على مواصلة العملية التعليمية عبر التواصل مع جهات خيرية ومنظمات.

عتيق أضاف بأن معظم المدارس المتطوعة هي من الحلقة الثانية والثانويات كون منظمة مناهل حصرت دعمها بالحلقة الأولى وهي الداعم الأكبر للمدارس أما بقية المنظمات فلا مانع لديها من دعم الحلقة الثانية والثانوي، ولكن معظم الدعم يكون في المناطق البعيدة عن خطوط التماس، ولذلك نرى قلة وشحاً في دعم مدارس مجمع أريحا بالدرجة الأولى ثم مدارس مجمع جسر الشغور، وهذا سبب إضراب المدرسين في المجمعين.

وأشار عتيق إلى أن المنح التي تقدم للمتطوعين عن طريق الجمعيات الخيرية والمنظمات والحكومة غير كافية، ولا تلبي الاحتياجات المطلوبة، وأن ملف التعليم بحاجة إلى دعم دولي، مضيفاً: "وحتى في الدول المستقرة يتم دعم هذا الملف من قبل المنظمات الأممية كاليونيسيف واليونيسكو فكيف الحال بمنطقة مرت عليها حرب لمدة 10 سنوات وما تزال مستمرة".

وفي إجابته عن واردات مديرية التربية من قطاع التعليم الخاص أجاب عتيق بأن هذه الإيرادات يتم صرفها على الورقيات والكشوفات والإشراف على مدارس التعليم الخاص نفسه.

مدارس حماة على خط الإضراب

يبدو أن حالة الإضراب في المدارس غير المدعومة أخذت بالانتشار، فبعد ظهور عشرات البيانات من مدارس في محافظة إدلب تعلن إضرابها عن التعليم، نشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بياناً عن حراك آخر من المعلمين في مدارس حماة يعلن التحاقه بركب المضربين أيضاً.

وجاء في نص البيان: "بيان باسم المدارس المتطوعة العاملة في مديرية التربية والتعليم في حماة. نحن مدرسي ومعلمي مدارس حماة المتطوعة كافة نعلن الإضراب عن متابعة العملية التربوية والتعليمية في هذه المدارس وذلك بسبب العمل التطوعي لما يزيد عن ثلاثة أعوام لبعض المعلمين وأربع وخمس سنوات للبعض الآخر، وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمعلمين المتطوعين وكأنهم جهة إنتاجية تعطي ولا تأخذ وليسوا بحاجة إلى متطلبات الحياة، بالإضافة لما يعانيه طلابنا من مآسي الظروف السائدة وتهميش العملية التعليمية بالكامل؛ فإننا نحن كوادر مدارس حماة نعلن الإضراب عن العمل التطوعي منذ الآن وحتى إيجاد الحلول المناسبة للمعلمين المتطوعين ونطالب كل الجهات المسؤولة عن العملية التعليمية والجهات الداعمة بإيجاد الحلول التي تعيد للمعلمين جزءا من حقوقهم".

مبادرات مجتمعية وصناديق تكافلية غير كافية

عدد من القرى والبلدات في محافظة إدلب لجأت إلى دعم المعلمين المتطوعين عبر حملات ومبادرات وصناديق تكافلية من أبناء البلدة الواحدة، بهدف الحفاظ على استمرارية العملية التعليمية للطلاب، ودفع المعلم لمواصلة تقديم العلم وعدم ترك المهنة والبحث عن مصدر آخر للعيش.

هذه الفكرة ليست جديدة، ففي مدينة معرة النعمان أنشئ صندوق لدعم المعلمين المتطوعين في المدينة عام 2018 واستمر بتقديم كفالات شهرية للمعلمين المتطوعين لا تساوي رواتب زملائهم المكفولين، لكنها ضمنت استمرارهم في التعليم.

وفي جبل الزاوية تم تشكيل لجنة حملت اسم "اللجنة الأهلية لدعم التعليم في جبل الزاوية" عنيت بتقديم بعض المنح المالية للمدرسين، وتقديم مساعدات عينية كمواد تدفئة ومحروقات ومدافئ لبعض المعلمين، فضلاً عن المساهمة في تأهيل المدارس المتضررة جزئياً بفعل القصف.

 

وفي بلدة حزانو شمالي إدلب انطلقت مبادرة باسم "مبادرة دعم التعليم في حزانو"، والتقى موقع تلفزيون سوريا مع عبد الباسط حبلص أحد القائمين عليها، وأفاد بأن إطلاق المبادرة كان نتيجة توقف الدعم عن نصف مدارس البلدة منذ أعوام، ويقوم عليها المكتب التعليمي في المجلس المحلي للبلدة ويجمع التبرعات للتعليم من أهل الخير والتجار في البلدة.

واستطاع القائمون على المبادرة جمع مبلغ 5 آلاف دولار، وحصل على القيمة ذاتها عن طريق التواصل مع إحدى المنظمات الإنسانية، وذلك كمرحلة أولى، بحسب حبلص.

وقال حبلص إن المبلغ يتم تسليمه للمدارس لدفع رواتب شهرية للمعلمين تقدر بـ 75 دولارا أميركيا للمدرس الواحد، وهو أقل من راتب المدرس بطبيعة الحال، مؤكداً أن هذا المبلغ لا يشمل الكلفة التشغيلية ومستلزمات المدارس، وأن هذه المبادرات غير كافية، ولا تسد الرمق، وأن المدارس بحاجة إلى دعم مستمر من الحكومة.

وتحدث حبلص عن عدم ديمومة واستمرارية هذه المبادرات لأن مشكلة التطوع قائمة منذ أعوام ومستمرة إلى أجل غير معلوم، وأنهم يخجلون من كثرة الإلحاح على التجار ومطالبتهم بتقديم المال لدعم التعليم.

لماذا لا يتم دعم الملف التعليمي من قبل اليونيسيف؟

بالعودة إلى الماضي وتحديداً إلى عام 2013 عند تأسيس هيئة التربية والمعارف والتي تحولت فيما بعد إلى مديرية التربية والتعليم بمحافظة إدلب، التقى موقع تلفزيون سوريا مع الأستاذ محمد جمال شحود أحد مؤسسي هيئة التربية والمعارف آنذاك، وأفاد شحود بأن المشكلة كانت في توجه عدد كبير من المدرسين إلى مناطق النظام لقبض رواتبهم من مديرية التربية التابعة للنظام السوري، مما منع اليونيسيف من تخصيص جزء من دعم الملف التعليمي للجهات العاملة في مناطق سيطرة المعارضة.

وتحدث شحود عن مراسلات بينهم وبين اليونيسيف لتخصيص جزء من التمويل الشمال السوري، فكان رد اليونيسيف بأن مؤسسات النظام تدفع رواتب 12 ألف موظف في مناطق سيطرة المعارضة.

ويرى أحد المطلعين على ملف التعليم في الشمال السوري، طلب عدم الكشف عن هويته، أن عدم إنهاء نفوذ مؤسسة التربية التابعة للنظام في الشمال السوري كان السبب في عدم دعم التعليم فيه، وذلك بخلاف ما حصل مع مؤسسات أخرى للنظام تم إنهاء نفوذها كوزارة الصحة، مما أتاح إمكانية تقديم الدعم للقطاع الصحي في الشمال السوري.

وعلّل شحود الإبقاء على نفوذ مديرية التربية التابعة للنظام في الشمال السوري، لكون هيئة التربية والمعارف تأسست طواعية من المعلمين المفصولين من قبل نظام الأسد بسبب مواقفهم الثورية، ولم تكن تملك تلك الهيئة المال لدفع رواتب المعلمين وإبعاد مؤسسة التربية التابعة لنظام الأسد والحلول مكانها.

وتحدث شحود عن استمرار عمل هيئة التربية والمعارف لعدة سنوات بشكل طوعي حتى حصلت على منحة لعدد من المعلمين قيمتها 60 دولاراً للمعلم الواحد وذلك في عام 2016.

وحول الحلول المتاحة لدعم الملف التعليمي في الشمال السوري تحدث شحود عن إمكانية دعم الملف التعليمي ذاتياً عبر إقامة بعض المشاريع التعليمية الخاصة التي يمكن دعم الملف التعليمي من عائداتها المالية.

وفيما يبدو بأن مشكلة التطوع وغياب الدعم عن الملف التعليمي ستبقى قائمة في ظل غياب دعم المنظمات الدولية والمحلية لهذا الملف، فضلاً عن انصراف جهود حكومة الإنقاذ في إدلب عن دعم التعليم لكونه من القطاعات المستهلكة، وانشغالها بالقطاعات المنتجة التي تعود على خزائنها بالمال، وانصراف الكثير من المعلمين نحو مهن أخرى تؤمن لهم لقمة العيش بعد طول أمد التعليم بشكل طوعي وصعوبة المعيشة والغلاء الذي يعم البلاد.